تصوير: حسن شوقي .* اخترت الغربة بدلا من جلب وصمة عار لأهلي بسبب فشلي في الدراسة * مبارك كان سبب تفكيري في تصفية جميع أعمالي بالشرق الأوسط.. لأني لم أكن تحت مظلة نظامه * من يرد أن يقدم شيئا من أجل مصر فليتبرع ولا يقول إني سأبني هذا المشروع من أجلها لأن هناك من استغل هذه الكلمة من أجل جيوبه * لم أعان في حياتي لأكون ضحية و"ملطشة".. لذلك أرفض المشاركة السياسية * لم أحصل على الثانوية العامة وأصبحت رئيسا لمجلس كبار المستشارين بالاتحاد العالمي لرؤساء الجامعات على مستوى العالم * يجب على الشباب ألا ينتظر أن تعمل الحكومة" داده" لمستقبلهم وعليهم تنمية مهاراتهم * لم أضع هدفا في حياتي وليس لديّ طموحات.. وأبحث فقط عن الخبرة والاحترام "أشهر غاسل صحون في العالم".. هذا هو اللقب الذي حصل عليه عنان الجلالي.. الذي خرج من مصر في ستينيات القرن الماضي باحثا عن وجبة طعام وسرير ينام عليه.. ليواجه الصعوبات والاضطهاد.. ولكنه لم يستسلم.. وبالرغم من فشله دراسيا إلا أنه راهن على المبادئ التي خرج بها من مصر والخبرة التي اكتسبها في كل خطواته.. ليعود إلى مصر وهو ملياردير يملك العديد من الفنادق داخل مصر وخارجها.. وحصل على العديد من الألقاب وأصبح من المقربين من ملكة الدنمارك.. ما بين بدايته وما وصل إليه قصة نجاح نتعرف عليها من خلال حوارنا معه.. * " قيراط حظ ولا فدان شطارة" هل هذا المثل ينطبق عليك؟ لا يوجد شيء اسمه حظ، فأنا في حياتي أكره ثلاث كلمات "الحظ والفشل والنجاح"!، فالفشل يؤدي إلى إحباط والنجاح نتيجته الغرور، فأنا كنت الأخير دائما في المدرسة طوال سنوات الدراسة وكنت فاشلا، ولكن أهلي لم يعتبروني فاشلا، وأنا كسبت مئات الملايين وخسرت مئات الملايين، بعد أن كنت "غاسل أطباق"، وبعد أن كانت أقصى أمنية لي أن أمتلك وجبة طعام أصبح لديّ آلاف الوجبات التي تقدم من خلال فنادقي، وكل الناس احتقرتني في بدايتي، ولكني وصلت إلى مكانة دولية وأصبحت ضيف شرف لعدة مرات عند ملكة الدنمارك، وخرجت من مصر بلا مقومات وعدت وبنيت فيها بالخبرة والمال ونميت فيها وخرجت فيها الأجيال من الشباب والعاملين الذين يعملون في شركات عالمية داخل مصر وخارجها، ولم أتغير أبدا. * كيف أصبح "غاسل الأطباق" واحدا من أهم رجال الأعمال؟ الموضوع ليس به عبقرية أو فهلوة أو مقدرة أو ذكاء، فالحكاية بدأت من كوني نشأت وسط عائلة أكاديمية ووالدي كان ضابطا بالقوات المسلحة، ولكني كنت فاشلا في التعليم، وكنت طوال سنوات دراستي الأخيرة، وفي الثانوية العامة فقدت الأمل تماما، لدرجة أني كنت عضوا في ناد وأشركوني في السباحة لمدة دقيقة من أجل الحصول على 10% من الدرجات ولكن لم أنجح أيضا، فشعرت بأني غريب وسط أهلي وبين أصدقائي الذين تخرجوا فى الجامعات، ولذلك رأيت أن أكون غريبا بالخارج بدلا من أن أجلب وصمة عار لأهلي، فسافرت إلى النمسا سنة 1967 بعشرة جنيهات في جيبي لتبدأ الرحلة. * وما الذي واجهته خلال هذه الرحلة؟ وصلت النمسا ولم أكن أعلم أي لغات، ونزلت في بيوت الشباب ولكن لم يتبق معي أى أموال، فبحثت عن ملجأ في فيينا خاص بالشباب بلا مأوى، وبعت جرائد وعملت في عدة أعمال، وكان هناك اضطهاد، فكنت أذهب لشراء البيض من محل وأشربه وهو نيئ لأني لم أجد أي مكان أسلقه فيه، وتخرج البائعة لتقول لي إني كلب وخنزير، وكانت ظروفي سيئة، ووالدي كان سكرتير عام هيئة التحرير، وكان لديه علاقات برجال الثورة، والسفير المصري بالنمسا كان اللواء حسن التهامي أحد رجال الثورة، وكان يرسل سيارة السفارة تبحث عني من أجل عزومتي على غداء، وعندما حدثت النكسة وكنت أبيع الجرائد وعليها صور قتلى من المصريين شعرت بأني أبيع أهلي، والسفير كان يريدني أن أعود إلى مصر، ولذلك رأيت أن النمسا تمثل لي ذكريات أليمة، فقررت الذهاب إلى الدنمارك. * وهل وجدت ظروفا أفضل هناك؟ بالعكس اكتشفت الواقع المر، وسكنت في بيوت الشباب ولم أجد أي عمل، فكنت أنام في صناديق التليفونات وأبحث عن الطعام في صناديق القمامة، ووصل الأمر إلى أني ذهبت لأحد الفنادق وطلبت العمل مقابل الأكل حتى ولو من الأكل الفائض من الزبائن، وقلت إني لا يمكن أن أستمر كمواطن من الدرجة العاشرة في هذه البلاد بسبب أني ليس لدي تعليم ولكني أمتلك المبادئ والتقاليد التي خرجت بها، وقررت تطوير نفسي بعيدا عن الدراسة، وكان كل طموحي الحصول على وجبة طعام وسرير لأنام عليه، ولكن هدفي الحقيقي الحصول على الخبرة والاحترام، وعرضوا عليّ العمل في غسيل الأطباق وبراتب صغير وغرفة، وعملت ضعف الآخرين، ووصلت إلى نائب مدير عام سنة 1971 في أكبر فنادق الدنمارك، وبعد أربع سنوات من بداية الفرصة. * ولكن كيف ارتقيت من غسيل الأطباق إلى منصب نائب مدير عام بجانب الشهرة؟ نحن الذين نصنع الفرص، فقد كنت في وقت فراغي أعمل في الوظيفة التي أريد أن أرتقي إليها ثم أطلبها، وكنت أرفض أن أنزل لوظيفة أقل، وبدأت الشهرة عندما تعجب أحد الصحفيين الكبار هناك من وجود نائب مدير عام عربي وشاب، وسألني كيف وصلت إلى ذلك، وقال إنه سمع أن والدي يملك فنادق أو أن شيوخ عرب ساعدوني أو تزوجت ابنة صاحب الفندق، فنفيت كل ذلك، وقلت له إني بدأت من تحت السلم، وغسلت أطباق من أجل وجبة وصممت على الاستمرار والارتقاء، وكتب في مقاله بدأ حياته في "غسل الصحون" في سبيل وجبة طعام وأصبح الآن نائب مدير لأكبر فنادق الدنمارك، وبدأت الصحف تتحدث عني، وكان مديري مريضا ورئيس روسيا في زيارة إلينا وتوليت كل شيء، وقابلت ملوكا ورؤساء، وبدأت الصحف تتحدث عني وأصبحت شخصا مشهورا، وحصلت على 5 دكتوراه فخرية في العالم، بجانب الاحترام الذي وصلت إليه والذي لم أكن أحلم بالوصول إلى 1% منه، وأوباما عزمني، والصحيفة الرسمية الأمريكية أطلقت عليّ لقب أشهر "غاسل صحون" في العالم، وأصبحت مثلا للشباب الأمريكي والياباني، وحصلت على لقب " فارس دانبروغ" وهو أعلى لقب في الدنمارك، بجانب لقب سفير العلاقات التاريخية في الشرق الأوسط، ولذلك خرجت من كل ذلك بحكمة أنه لا يوجد مستحيل، فقد دفعت ثمن البقاء.