مشكلة هذه القري ليست فقط في الهجرة غير الشرعية ولكن في تجارة المخدرات التي تنتشر بها بشكل كبير.."الشباب " زارت بعض هذه القري والتي يطلق عليها " قري الموت " لتبحث عن إجابة لسؤال وهو: هل غيرت ثورة 25 يناير أحلام شباب هذه القري؟! في الحقيقة الواقع كان صادما وأكثر سوءا مما يتخيل البعض فبمجرد وصولنا إلي قرية تلبانة بمحافظة الدقهلية ظن بعض شباب القرية أننا نريد شراء المخدرات وبدأت العروض تتوالي علينا بكل أنواع المخدرات وذلك في الشارع علي مرأي ومسمع من الجميع وعندما علموا أننا صحفيون نرغب في التعرف علي أحلامهم ورؤيتهم للهجرة بعد الثورة رفضوا الإجابة . ورغم محاولته الهروب من السؤال إلا أن محمد السيد أحد أبناء قرية تلبانة تحدث قائلا : ' مفيش فيها أمل ' فحكايتي مع الهجرة غير الشرعية بدأت منذ أن كنت في الصف الثاني الثانوي وبسبب الهجرة ومحاولات السفر المستمر لم أكمل دراستي فمعظم شباب قري الهجرة غير الشرعية يحاولون السفر وهم في سن صغيرة حتي يتمتعوا بحماية ورعاية الصليب الأحمر الذي يحرص علي بقاء الأطفال أقل من 18 عاما تحت رعايته لمدة 6 أشهر حتي يتقنوا اللغة الإيطالية ويتعملوا حرفة يدوية ويخرجوا إلي المجتمع قادرين علي العمل وأولي تجاربي مع الهجرة كانت منذ حوالي 5 سنوات ووقتها تكلفت 4 آلاف جنيه وكان السفر من ليبيا وكانت فعلا رحلة موت حيث تم وضعي أنا و 250 شابا مصريا من محافظات مختلفة معظمهم من المنوفية في مخزن بمدينة طرابلس الليبية لمدة شهر ونصف الشهر وهذه المرحلة يطلق عليها السماسرة ( التخزين ) وبعد ذلك تم اصطحابنا إلي شاطئ البحر عن طريق دليل ليبي يعرف الطرق في الصحراء وهذه الليلة كانت من أصعب الأوقات التي مرت علينا في الرحلة لأننا نسير وراء دليل علي ضوء كشاف وسط أمطار غزيرة ولمدة 14 ساعة وإذا غفلت للحظة فسوف يكون الموت مصيري ففي هذه الرحلات لا يوجد شخص ينتظر الآخر والكثيرون كانوا يفقدون الدليل في الصحراء ويموتون من الجوع والبرد , وبعد الوصول إلي شاطئ البحر وعن طريق مراكب صغيرة تم تكديسنا ونقلنا إلي المركب الكبيرة نسبيا وهي تسع 50 فردا ولكن تم تحميلها بحوالي 300 مهاجر من مختلف الجنسيات العربية والإفريقية ومن يرفض الصعود إلي المركب يقتل من السماسرة وفي هذا الوقت يتم توزيع وجبة عبارة عن رغيف وزجاجة مياه في أول يوم للسفر ومن المفترض أن تصل الرحلة إلي شواطئ اليونان أو جزيرة مالطا في خلال 36 ساعة إذا كانت الرحلة قادمة من مدينة ' زوارة ' الليبية ولكن ما حدث معنا هو أننا فوجئنا بأن المركب ليس لها قائد وأي شخص يمكن أن يسير بنا في عرض البحر وفي الغالب تضل المراكب الطريق ومن الطبيعي جدا في هذه الرحلات أن تجد مركبا أخري تغرق جانبك ولا تستطيع أن تقدم أي مساعدة خاصة مع ارتفاع موج البحر . وأكمل محمد السيد قصته مع الهجرة غير الشرعية قائلا : وبعد رحلة طويلة فقدت فيها الأمل في أن أري الأرض من جديد وصلنا إلي جزيرة مالطا وتم نقلي إلي المستشفي لأنني كنت في حالة صحية سيئة جدا وأهم شيء في هذه اللحظة هو أن تقنع المحققين أنك فلسطيني أو عراقي وقادم إلي مالطا كلاجئ سياسي حتي لا تتعرض للترحيل وبعد أن تعافيت تماما في المستشفي تم نقلي إلي معسكر المهاجرين وهناك عرفت أن العراقيين والفلسطينيين قد ينتظرون لمدة سنة ونصف السنة داخل المعسكر حتي يأخذوا حق اللجوء السياسي وقد لا يحصلون عليه بعد هذا الانتظار وبعد يومين فوجئنا بالقنصل المصري هناك يحصل علي أسمائنا بالكامل للتأكد من بياناتنا وبعد يومين تم ترحيلنا إلي مصر وهذه كانت أول تجربة ومحاولة سفر بالنسبة لي ومع الوقت زاد سعر الرحلة لدرجة أن آخر رحلة دفعت فيها 80 ألف جنيه وأيضا قاموا بترحيلي من مالطا في الوقت الذي يمكن أن نشتري فيه التأشيرة الإيطالية ب 300 جنيه إذا حصلنا علي فرصة دخول شرعية وأنا سوف أستمر في محاولات الهجرة حتي أنجح لأنني لا أجد أي فرصة عمل مناسبة في مصر والمسألة ليست متعلقة بالثورة لأنني ذهبت إلي ميدان التحرير وطالبت بسقوط حسني مبارك علي أمل أن يتغير الناس لكنني فوجئت أن الرشوة مازالت كما هي ولم يتغير أي شيء علي عكس الوضع في أوروبا لأن من يعمل هناك يأخذ حقه ماديا ومعنويا . ( تابع بقية التحقيق على صفحات عدد يوليو من مجلة الشباب )