14 ألفا في عهد جمال عبد الناصر.. و19 ألفا في عهد السادات.. ومن 750 ألفا لمليون في عهد مبارك.. هذه الأرقام وردت في إحصائيات عن أعداد المعتقلين في عهد الرؤساء الثلاثة.. وبالطبع يختلف الاعتقال والتعذيب في كل عهد من رئيس لآخر.. وهذا و ما نكشف عنه من خلال الحوار مع ثلاثة ممن تم اعتقالهم في العهود الثلاثة .. ويحكون لنا عن معاناة المعتقلين ... وقد تناولنا فى الحلقة الأولى الشاعر سمير عبد الباقي من واقع تجربته مع الاعتقال في عهد عبدالناصر ، وفى الحوار التالى نتكلم مع الطبيب النفسى والأديب محمد المخزنجي والذى تعرض لتهمة قلب نظام حكم الرئيس محمد أنور السادات .. وكان الحكم هو : الأشغال الشاقة المؤبدة . ما الذي فعله طالب في كلية الطب اسمه محمد المخزنجي لكي يتم اعتقاله؟ تم اعتقالي ثلاث مرات في عهد السادات بداية من 1971 لمدة ستة أشهر وحتي أحداث 18 و 19 يناير 1977 وأنا لم أكن زعيما بالمعني المفهوم ولكني كنت أعبر عن رأيي بالكتابة في مجلات الحائط أو المؤتمرات الطلابية وطبعا كنت معارضا للسادات وخصوصا فيما يخص سياسة الانفتاح والصلح مع إسرائيل واتفاقية كامب ديفيد وشروطها وكانت السلطات تتهمني دائما بالانتماء لتنظيم يهدف إلي قلب نظام الحكم ولكن هذا لم يكن صحيحا لأني لم أنضم لأي تنظيم في حياتي فقد كان شعاري في الحياة ما كتبه الكاتب الأرمني وليم ساريان ( ألا يقودني أحد وألا أقود أحدا ) فاتهموني بالانتماء للتنظيم الشيوعي وهذا كان خطأ فأنا كنت علي درجة من الانتماء للأفكار الاشتراكية وأفكار العدالة الاجتماعية ولم تكن هناك حرية حقيقية بدون دعم العدالة وكنت أري أن الفطرة الإنسانية ممكن تقودنا لها فكنت طول فترة حكم السادات مناوئا له وواضح أن ما كنت أقوله كان يؤثر تأثيرا تراه السلطات خطيرا وتكررت الاعتقالات في هذه الفترة وكان آخرها اعتقالي كمتهم أول في أحداث 18 و 19 يناير التي جرت في المنصورة علي الرغم من أني لم أقد أي مظاهرة ولكني شاركت مع غيري من الشباب وعندما تم القبض علي ذكرت في التحقيق أن هناك عصابة تحكم مصر بقيادة رأس الدولة والمحيطين به فنظرا لجرأتي وضعوني كمتهم أول لأني تبجحت وفي النيابة حكموا علي بالأشغال الشاقة المؤبدة وتم الإعلان في الصحف عن ذلك ولكن كان هناك قضاء عادل وأحد قضاة النظام حكم ببراءتي بدون حتي لفت نظر وخرجت من السجن بعد 7 شهور في سجن المنصورة . وماذا عن طريقة إلقاء القبض عليك كمعتقل؟ أول وثاني مرة تم القبض علي من البيت وهذا أسوأ شيء لأنه يكون مروعا لدرجة أن طريقة إلقاء القبض علي أورثتني عادة اكتشفت أني أمارسها من يومها وحتي الآن بشكل تلقائي وهي أني أغلق الباب من الداخل بشكل لا شعوري فكانوا يأتون دائما في منتصف الليل ولم نكن نغلق البيت بشكل كبير ولو كنا نغلقه كانوا يقتحمونه فهؤلاء هم زوار منتصف الليل وأجد كمية كبيرة من الضباط المسلحين ثم يكون هناك كردون أمام البيت برشاشات فالمنظر مروع جدا ولكني كنت ضد العنف ولا أعلم لماذا كانوا يقومون بذلك ولكنهم يضعون إجراءات لكف أي خطر يتوهمونه ولكنها كانت مروعة جدا للأهل وخاصة أن والدي كبير وأمي سيدة بسيطة وفي أول مرة ضابط الترحيلات بكي من منظر أمي وكانت تقول لهم ( حلفتكم بالله لا تؤذوا ضنايا ) وفي أحداث 18 و 19 يناير اعتقلت من الشارع وكنت أوزع منشورات للمطالبة بالإفراج عن زملائي الذين تم اعتقالهم قبلها بيومين مثل الدكتور سالم سلام من النشطاء السياسيين في حركة 9 مارس وكان لازم أعلن عن نفسي لأنه كان من الممكن أن أختفي والضابط الذي كان يعتقلني من الشارع مفتش مباحث وكنت أهدده وأنذره بأني لو تعرضت لأي مكروه لن يسلم وأني لست شخصا نكرة وفوجئت به يتوسل لي لأهدأ ويقول عيب يا دكتور وتعامل معي بلطف وهذا يجعلني أردد بأن جهاز الشرطة ليس للأشرار ولكن هناك ناس علي خلق . ولكن ما هو أسلوب العقاب في معتقلات السادات؟ كان هناك عنف بالتأكيد ولكن بدون جلد أو تعذيب ولكن يكفي أن يتم وضع المعتقل في زنزانة انفرادية وأنا تعرضت لها في معتقل القلعة وتم حرماني من طابور الشمس أو الخروج من الزنزانة لمدة 40 يوما . بعيدا عن العقاب .. ماذا عن الحياة بشكل عام داخل المعتقل؟ أولا بالنسبة للأكل فأفضل ما فيه الخبز وكان فيه الفول والذي كنا نسميه ( السوس المفول ) لأنه كان سوسا أكثر من الفول وكنا نراه يسبح في القروانة ويغرف بمغارف حديدية سيئة واللحمة كنا نعتبرها لحمة المحكوم عليهم بالإعدام وكانت تشبه الكاوتش فالحياة كانت قذرة جدا وفي سجن المنصورة كان حبسا من نوع خاص لأنه في المدينة التي كنت أسكن فيها وكنت في سجن عمومي وكنا نقيم في زنازين مخصصة للطلاب وكنا حوالي 70 معتقلا وتم تصفيتهم إلي أربعة وأنا منهم كمتهمين أساسيين والزنزانة كانت تفتح مرتين ليختلط السجناء فهناك فسحة العنبر والتي كانت من الصباح وحتي الرابعة وفسحة الحوش وهي لمدة ساعة لحسن حظي أنه كان هناك قائد سجن متحضر وليس جلادا وأبدي تجاهي بعض الود وهناك افتتحت عيادة في إحدي الزنزانات ومارست فيها الطب بشكل عملي وعاصرت بعض الشخصيات في الاعتقالات مثل الأستاذ نبيل الهلالي في معتقل القلعة ومن الشعراء فؤاد قاعود ومحمد سيف وأحمد شعبان الناشط السياسي والأديب فؤاد حجازي وغيرهم . أقرأ أيضاً : سمير عبد الباقي .. شاهد علي السجن ( 1 )