فى قلب القاهرة، تحديدا قرية الفخارين فى منطقة الفسطاط بمصر القديمة، يقع أقدم مكان لصناعة الفخار فى مصر، منذ دخول عمروبن العاص والفتح الإسلامى، حتى وقتنا الحالى، فعند دخولك للمنطقة تجد أوجه سمراء لأشخاص تلطخت أيديهم وملابسهم ببقايا الطين، ليحافظوا على صناعة يشهد عليها التاريخ، يقوم كل منهم بالدور المخصص له بمهارة عالية، حيث يحرك أصابعه بشكل مميز حول قطعة الطمى المبللة لكى تخرج تحفة فنية تجذب أنظار المارة إليها..قررت "الشباب" زيارتهم لمعرفة أحوالهم والمشاكل التى تواجهم. قال محمد عابدين، الذى جاوز العقد السادس، أحد أكبر صانعى الفخار بمصر القديمة، والملقب بشيخ الفخارين :" منذ طفولتي أعمل بالفخار أنا وعائلتى، بعد أن توارثت الصنعة من أجدادي، والآن لدى ولدين علمتهم هذه الصنعة، لكن منهم من سافر للعمل في شرم الشيخ ، ومنهم من يقضى فترة الخدمة العسكرية". وأضاف:" قرية الفخاريين بمصر القديمة تضم 30 وحدة لصناعة الفخار، حيث بدأت القرية الددخول فى هذه الصناعة منذ الفتح الإسلامى لمصر، فصناعة الفخار كانت موجوده بالقرية منذ آلاف السنين ولكن بشكل عشوائى". وأكد أن :"صانع الفخار أصبح مهنة نادرة جدا، بالرغم من تميز مصر بهذه الصناعة عن غيرها من البلدان، وخاصة قرية الفخارين، فقد كنا نورد الفخار إلى الدول الأوروبية، فصناعة الفخار سحر يحتاج لفنان، فأنت تحول الطين إلى أشكال فنية مبهجة". وأوضح قائلا :" هناك شروط لعامل الفخار الجيد، منها أن يكون عمره لايزيد عن عشر سنوات عندما يبدأ فى هذه المهنة، لأنها مهنة إحساس، فعلى الطفل أن يدرك جيدا، كيف يركز إحساسه فى كف يديه الذى سيتعامل بيه مع الطين، وماذا سيكون لونه، حيث لايوجد شكل معين لقطعة الفخار، فالصانع يصنع الشكل الذى يخطر على باله فهى مهنة إحساس من الطراز الأول". وتابع عم سليمان أبو الحسن، من أشهر وأقدم صانعي الفخار والخزف بالمنطقة ويعمل حاليا بمركز الإشعاع الحضار التابع للقوات المسلحة:" إن الدولاب - الذى يستخدم في صناعة الفخار- هو أسطوانة حديدية ورأس تستخدم باليد وأسطوانة أخرى من أسفل يتم تشغيلها بالقدم وبمجرد تحريكها باليد أو القدم تسير عكس عقارب الساعة لتبدأ عملية التشكيل ثم تليها عملية الرسم والنقش على الجسم الخارجي وأخيرا تأتى عملية الحرق التي تتم في الفرن الخاص لذلك ويطلق عليه(الكانون) وتطورت صناعة الأفران من البلدية إلى الحديثة التي تعمل بالكهرباء ويترك في الفرن لمدة 6 ساعات وبعد ذلك يكون الشكل النهائي للفخار". وذكر عم سليمان أن العمل على الدولاب يتطلب تركيز وصبر ويستغرق وقت طويل بدءً من جمع الطفلة من الجبل ثم تخميرها وتخزينها وتنقيتها وتصفيتها وتشكيلها على الدولاب، ولا تستغرق عملية التشكيل سوى عدة دقائق حسب خبرة الفنان وبعد التشكيل تنتقل مباشرة مراحلة الرسم والنقش و التى يتم فيها استخدام الرسم البارز والغائر على الصناعات الفخارية قبل تجفيفها. فى حين أشار محمد حسن أحد صانعى الفخار المتواجدين بمصر القديمة قائلا :" رغم تاريخ هذه المهنة ورقيها، إلا أنها اندثرت بشكل كبير، فهذه المهنة فى مصر غير مربحة، على عكس من يعمل بهذه المهنة فى الدول الخارجية، بالإضافة إلى أن أغلب الناس يظنون أن صناعة الفخار تقتصر فقط على صناعة القلة والزير وطواجن الطعام، ولا يعلمون أن هذه الصناعة أصبحت تدخل فى كل شئ فى الديكور مثل الفازات، ووحدات الإضاءة والأباجورات، حتى أن أغلب الفنادق والمطاعم والمحلات الكبرى والقرى السياحية، تطلب كل الأشكال الفخارية، فالمهنة تندثر بسب الإهمال الشديد من قبل الدولة لها". وطالب محمد حسن فى ختام حديثه الدولة وخاصة وزارة الثقافة بأن تدعم صناعة الفخار من خلال مراكز الخزف والحرف اليدوية الذى من المفترض أن يدعم هذه المهنة، إلا أنه لايقوم بدوره، مؤكدا أنه إذا اهتمت الحكومة بهذه المهنة، فأننا نستطيع أن ننافس بها عالميا ونصدر لكل دول العالم، فهناك فى بعض متاحف العالم مثل متحف اللوفر فى فرنسا، يوجد جزء خاص بفخار الفسطاط، فكيف يكون من بالخارج أكثر إهتماما بصناعة تعود أصلها لنا!