بلدنا غنى بالطين.. والأسوانى أجود الأنواع - أشرف عابدين: لدينا تراث غنى من التصميمات والعامل المصرى الأمهر فى المجال
- الفسطاط من أشهر 7 مدن تخصصت فى صناع الفخار عبر التاريخ
- أحمد عويس: فلتر المياه من الفخار أحدث اختراعات عاشق الطين
- حازم عبد الغنى: وزارة الصناعة تتحدث فقط ولا تفعل لنا شيئا
- أحمد عطا: نتمنى دخول الغاز الطبيعى لقرية الفخارين لنتجاوز أزمة فواتير الكهرباء
الاسم قرية الفخارين، والمكان مصر القديمة أو مصر «عتيقة» وفيها قلعة الخزف والفخار بمنطقة الفسطاط العامرة، شديدة الثراء بآثارنا المصرية المتنوعة ما بين مجمع للأديان به المعبد والكنيسة والمسجد. فى هذه القرية أبرز الصناع المهرة، الذين أحبوا المهنة وشغفوا بها، فأخلصوا لها من جيل إلى جيل دون انقطاع.
أحمد عطا، أحد هؤلاء الذين بدأوا رحلتهم مع المهنة منذ عام 1966، مع والده وهو فى سن الثانية عشرة، يقول: تعلمت الحرفة عن طريق الوراثة من جدي، ثم والدي فهى تنتقل من جيل إلى جيل فى الأسرة الواحدة، فجميع أولادى يعملون معى صبيان وبنات، أول مرحلة فى تعليم الحرفة تكون عن طريق المشاهدة لفترة تتراوح بين أسبوع إلى شهر، ثم تأتى مرحلة المساعدة فى نقل الأواني الجاهزة لتوضع في مكان معين، تصل فيه الشمس بشكل جيد حتى تجف، ثم ينقل له الطين ويجهزه للعمل بعد التحضير، وهذه الفترة تستغرق فترة تتراوح بين شهرين إلى 6 أشهر، ثم بعد ذلك تبدأ أولى المحاولات من قبل الابن بأن يقوم بالتوليف والتشطيب، وخلال هذه الفترة يتدرب على صنع وعمل النماذج الصغيرة مثل الفنجان والكأس والصحن، وإذا أتقن العمل بدأ التدرب على صنع النماذج الكبيرة، والرسم يأتى من الدماغ مباشرة، حيث كان التعليم في المدارس بالرسم على الخزف، وكان أفضل من ذلك الوقت بكثير، أو على «شابلونه» وهى ورقة توضع على الخزف ويمشى الصانع على خطوطها عن طريق كربونة وتشف على القطعة الخزفية ثم يقوم باختيار ألوانها بنفسه. ويشير أحمد عطا، إلى أن التعامل مع الفخار فى فصل الصيف أفضل منه فى الشتاء، لأن الطينة تحتاج وقتا طويلا لكى تجف، والصانع المصرى هو الأمهر فى هذا المجال، لكنه لا يجد من يدعمه من المسئولين، كما أن تصدير منتجاتنا يتم عن طريق غير مباشر, وهو ما يسبب ظلما كبيرا لنا خصوصا فى ظل فواتير الكهرباء الباهظة التى نقوم بدفعها وفواتير المياه، ولذا نحن فى حاجة إلى إدخال الغاز الطبيعي إلى المكان. ولأن الحاجة أم الاختراع، فقد قمت بعمل اختراع يقلل من التلوث البيئى بشكل كبير وصنعت فرنا يحرق بالأنابيب والغاز بدلا من الحرق بالمخلفات التي كانت تسبب تلوثا كبيرا، وقد استعنت من أجل ذلك من الهيئة العربية عام 1999، ولاعة تعطينى لهب لمسافة متر مستوردة من ألمانيا، وهذا الجهاز يقوم بإشعال الفرن ويستخدم بالسولار, وبعد ذلك بالأنابيب بدون صوت للهلب أو أى آثار للدخان، مما قلل التلوث بالمنطقة بدرجة كبيرة جدا، وفى أثناء فترة تواجدى بالمنطقة، وأثناء مرور د. عبد الرحيم شحاتة، محافظ القاهرة آنذاك عرضت عليه الفكرة ودعمنى كثيراً، فقد كان رجلاً يعرف جيداً من نحن، وقد قمت بالتعرف على هيئة إنجيلية قبطية وقد شاركتنى فى هذا المشروع بمساهمة 75٪ من تمويلى وحصلت على شهادة معتمدة من الأيزو. أشرف عابدين، صانع آخر يروى قصته مع الفخار، فيقول: البداية كانت مع والدى الحاج محمود عابدين، شيخ الفخارين الذى تعلمت على يده المهنة وأحببتها بجنون، ووالدى هو سبب الإبقاء علي قرية الفخار التى تعد من أقدم 7 مدن فى العالم، فعندما جاءت منحة الاتحاد الأوروبى لتطوير منطقة مجمع الأديان, وصدر قرار هدم أماكن تواجدنا القديمة جاءت وقفة، والدى حتى وصل صوته إلى المسئولين وكان من حسن الحظ وجود رجل مثل د. عبد الرحيم شحاتة، محافظ القاهرة فى ذلك الوقت الذي كان يعلم عن المهنة الكثير والكثير وكان يعرفنا وقد اهتم بنا، وتحدث مع د.منى زكريا، الاستشارى المعمارى لمشروع تطوير المنطقة حتى تحافظ على أماكننا التاريخية بالمنطقة, وقد حدث بالفعل، وتم تخصيص تلك الأماكن الشديدة التميز والتى تراعى جميع احتياجاتنا بشكل مطور، لكن للأسف تم ذلك بعد فترة تجاوزت التسع سنوات كنا خلالها بلا أى مصدر دخل ولا مكان للعمل، فصناعة الفخار تحتاج إلى بناء فرن ودولاب للعمل يتم تصنيع القطع من خلاله، وعندما تم حصولنا على المكان عام 2007 واجهتنا مشكلة عدم وجود المرافق، فالمياه والكهرباء هى أهم الاحتياجات لمهنتنا وتحدثنا مع عبد العظيم وزير، محافظ القاهرة بعد ذلك وبالفعل أدخل لنا المرافق. وأضاف أشرف عابدين: نقوم بالتصدير عن طريق جهات تتعاون معنا، وتعرض المنتجات فى فرنسا وعدد كبير من دول أوروبا، ولكن الشىء الذى أطالب به هو أن تنظر لنا وزارة الصناعة وتأخذ منا المنتجات وتقوم هى بتسويقها، فنحن لسنا أقل من المغرب وتونس فى صناعة الفخار، فنحن مبدعون ونحب المهنة ونخلص لها لذلك هى باقية حتى الآن ونستطيع المنافسة بمنتجاتنا أمام الجميع. إن مهنة الفخار مربحة جداً فى أى مكان إلا مصر فهى مهنة فقيرة جداً، على الرغم من أن مصر بها الفسطاط أقدم مدينة في التاريخ لصناعة الفخار من عهد الفراعنة، بالإضافة إلي وجود سبع مدن مذكورة في التاريخ لصناعة الفخار، منها: تونس، المغرب، الفسطاط «بمصر» تايلاند، نيوزيلاندا، المكسيك، والفسطاط أقدمهم جميعاً. وعن مراحل صناعة الفخار، يقول: لكل قطعة طريقة خاصة بها، فهناك قطع تصنع علي مرحلتين وقطع أخري تصنع علي ست مراحل، وأهم ما يميز الفخار المصرى هو العامل الماهر، فصانع الفخار المصرى يتميز بالمهارة والإتقان، ولدينا تراث غنى من التصميمات،. وجميع من يعملون معى لديهم مواهب تبتكر وتتقن العمل، ولكن ما يهددنا أننا لسنا أصحاب دخول ثابتة وننتج بدون هدف محدد لحب العمل فقط، ونعانى من فواتير المياه والكهرباء ونحتاج إلى الدعم مثل الكثير من المصانع التى تدعمها الدولة، وأن نحصل على الغاز الطبيعى، لأننا نعانى من غلاء ثمن الأنابيب.
عاشق الطين وفلتر الفخار وفى لقائنا مع عاشق الطين أحمد عويس، يقول «انزلقت يداي فى الطين ولم أستطع إخراجها»، هو خريج معهد اتصالات دولية وقام بالحصول على معادلة (GDMS) ولكن عمله فى مجال قطاع الخرسانة 15 سنة أخذه إلى العمل بالطينة وصناعة الفخار، يقول: قد قمت بصناعة جهاز هو عبارة عن مكبس يعمل بالزيت الهيدروليك، فطريقة العمل مختلفة وكثيرة عن طريقة العمل باستخدام الدولاب «العجلة» حيث يقوم عم رجب الذى يعمل فى المهنة من الصغر، والذى يشكل الطين وينفذ الأفكار، فيقوم بوضع الطين فى دولاب يدور وتشكل الطينة أثناء الدوران من أعلى وأسفل إلى أن يتم صياغة الشكل المطلوب، وبطريقة أخرى يتم تصنيع وتشكيل القوالب بأن يتم عمل قالب ويتم عمل لها «فورمة» من الجبس، لكل آنية تصب فيه العجينة وترفع من القالب بعد «فخره» شيه بالنار « إخراجه من الفرن، والتشكيل عن طريق عمل نماذج مفردة وكل قطعة تعمل باليد على حدة. نحن بلد غنى بالطينة بجميع أنواعها ودرجاتها، لأن الجيولوجيا فى مصر مفتوحة وأسعار الطين رخيصة عن أى دولة أخرى، فمثلا يصل سعرها إلى 300 جنيه مصرى أما على سبيل المثال لبنان يصل سعرها إلى 300 دولار، والطين يختلف بحسب المنطقة التى يجلب منها لاستخدامه. فهناك أنواع كثيرة من الطين يستخدم فى صناعة الفخار منها الطين الأسوانى من أسوان أفضل أنواع الطين وأحسنها جودة، وكلابشة ورملة السلكة من الزعفران وسيناء، أما البورسلين فيصنع من طمى النيل. ونحن نقوم هنا بتصدير حجر الشيشة إلى دول ألمانياوفرنسا وإيطاليا وجميع دول أوروبا. ويضيف أحمد عويس: كما نقوم أيضاً بالرسم على السيراميك والبلاط المصرى القديم الذى انقرض، فيأتى الكثير من الزبائن المحبين لهذا النوع، ويقومون بطلبها وننفذها لهم، ونعمل بالألوان البودرة على البلاط والسيراميك، كما أن صناعة الجليس تطورت بشكل كبير، فالألوان تظل ثابتة حيث نقوم بوضع ألوان شفافة من الأوكسيد على مادة الجليس تقبل اللون، وبعد ذلك ندخلها إلى فرن على درجة من 900 إلى 950 وقد تصل إلى 1122 ليتم بها حرق اللون الأزرق فكل لون له درجة للحرق، حيث يحتاج اللون الأحمر إلى درجة تتراوح بين 910 إلى 930، والآن أقوم بتطوير فكرة فلتر المياه فى المنازل، بحيث يصنع من مادة الفخار وبالفعل قمت بتنفيذه حيث يتم ترشيح المياه بداخله عن طريق وضع نشارة خشب، ويتم عمل فراغات داخل الفخار نفسه تستخدم فيها مادة معالجة من السموم مع استخدام سائل الفضة أو دهب ودهانه به، حيث يساعد على تنقية وقتل الجراثيم بداخل الجسم. فهذا الفلتر سعره رخيص جدا ولا يتجاوز ال100جنيه فقط، وتنظيفه سهل جدا، فالفخار يعمل على إعادة طاقة الحياة للمياه. ولكن المشكلة التى أواجهها هى تلف أسلاك الكهرباء التى يتم استعمالها فى جهاز الحريق، فنحن نستخدم درجات عالية فى الحريق تؤدي إلى إتلافها بسرعة، والنوع الذى يحتمل هذه الحرارة هو نوع سلك سويدى «الكونتال» يأتى من السويد، ونرفض دخوله مصر لأنه يدخل فى صناعة السلاح، وهذه المشكلة تكلفنى الكثير من المال.
النحاس وأشياء أخرى إلى جانب الفخار تأتى صناعات تقليدية أخرى فى قرية الفخارين تلعب فيها الأنامل دور البطولة، ومنها المشغولات النحاسية. حازم عبد الغنى، صاحب ورشة لأعمال النحاس، يقول أعمل بالمهنة منذ حوالى 22 سنة. حيث كنت أدرس فى المدرسة الألمانية بالقاهرة، وكان يأتى إلينا مدرسون إلينا من ألمانيا للإشراف على المدرسة والطلاب، فالمدرس كان لا يختلف عن المصمم والمهندس، فالمعلومة لابد أن تصل للطالب ويتم تطبيقها بشكل عملى. ولما كنت أهوى جمع الأشياء القديمة (أباجورات أنورها ) وأقوم بفكها وتركيبها وإصلاحها، ثم أذهب بها إلى المدرسين فى المدرسة، وكانوا يشجعوننى مما ساعد على تنمية حب الصنعة في نفسي، وقد أعجبت بهذا المكان منذ الوهلة الأولى، وقررت أن يكون مقرا لى، وأقوم بتصنيع جميع وحدات الإضاءة المصنوعة من النحاس والسرائر النحاس، لكن للأسف العمالة فى تلك المهنة لا تتمتع بأى مزايا تأمينية أو رعاية صحية، ومنهم من تجاوز سن الستين، ولذا فإن الصغار الذين يدخلون المهنة ويحبونها لا يستمرون بها، حيث يرون شيوخ الصنعة، وقد ضاعت حياتهم بلا مقابل. فنحن دولة لا تهتم بالمهن الحرفية برغم أنها قد تكون على سبيل المثال حلا مثاليا للقضاء على ظاهرة أطفال الشوارع. فالكثير من دول الاتحاد الأوروبى تقوم بالاهتمام بأصحاب المهن الحرفية والتضامن معهم. فأين وزارة الصناعة المصرية، التى لا تتوقف عن إصدار التصريحات بينما لا يوجد أى فعل على أرض الواقع؟