الحكاية ليست مجرد صدفة .. لكنها حقيقة تؤكدها وقائع كثيرة سابقة يمكن اجمالها فى عبارة " تونس دائماً تسبق بخطوة " وما يحدث هناك يتكرر فى مصر خلال أيام بعدها .. الفارق بين ثورة الياسمين وثورة 25 يناير مجرد أسبوعين .. والاثنتان كانت نقطة انطلاقهما عبر الفيس بوك وسببهما المباشر هو الطغيان الأمنى ، حتى سقف المطالب كان متدرجاً في الحالتين ووصل في النهاية عند التوانسة لشعار " الشعب يريد اسقاط النظام " والذى اقتبسه المصريون ثم انتقل لبقية الشعوب العربية ، تم في تونس اسقاط الدستور وتحويل عشرات الفاسدين للقضاء ومنعهم من السفر والكشف عن ثرواتهم في أوروبا .. ثم تكررت نفس الخطوات الثورية في مصر ، أيضاً الدراسة عادت فى مصر بعدما أتخذ القرار نفسه في تونس قبلها بيومين .. وكذلك عودة النشاط الرياضى وخاصة دوري كرة القدم ، وما يحدث حالياً في قنا تكرر قبلها ب4 أيام حينما أعلنت وزارة الداخلية التونسية ان تلميذين قتلا وجرح 43 آخرين في مواجهات عنيفة وقعت في منطقة قفصه .. وقامت بعدها مظاهرات كبيرة تطالب بإقالة المحافظ .. خاصة وأن هذه المنطقة تضم عدة مدن تعتبر من الأماكن النادرة في تونس التي لا يزال السكان يتكلمون فيها اللغة الامازيجية ، أيضا تونس كانت سباقة لمحاكمة رئيسها المخلوع زين العابدين بن علي رغم إنه هارب في السعودية .. ثم بدأت مصر محاكمة مبارك الفعلية منذ حوالي 10 أيام ، وبعد قرار إقالة المحافظين وحكام المناطق في تونس جاء الدور علي مصر منذ أسبوع ، وهناك تم حل الحزب الحاكم " سابقاً " ومنعه من العمل السياسي .. لكن في مصر تم تعديل القرار ليكون مجرد الحل وترك أفراده – حتى الآن – يحاولون بشكل وبمسمي آخر . وهناك مواقف كثيرة متشابهة بين تونس ومصر .. مثلاً نلاحظ الموقف من الأحداث في ليبيا ، وكذلك الكلام عن الثورة المضادة وهو ما يبرر صمت الافريقي التونسي علي ما حدث له في مباراة الزمالك ، وكذلك ظهور الاسلاميين القوي بعد الثورة والكلام عن فرض النقاب وعودة الآلاف من أفغانستان ، ومنذ أسبوعين تقرر في تونس حل التنظيمات الإدارية المحلية .. وهو ما حدث في مصر منذ أيام بقرار إقالة كل قيادات المجالس المحلية ، وأيضاً منذ أسبوعين حكمت المحكمة العليا فقي تونس باطلاق اسماء الشهداء علي اي شيء كان عليه اسم بن علي وزوجته .. وهو ما حدث فعلاً في مصر منذ 4 أيام ، وحتى خسائر الثورة متشابهة جداً في البلدين وتتركز في قطاع السياحة .. أيضاً جماعة الأخوان فى تونس أعلنت عن تأسيسها لحزب " النهضة " قبل جماعة الأخوان فى مصر بشهر كامل ، وبمناسبة الأحزاب ورغم فارق تعداد السكان بين البلدين .. تم الإعلان عن تأسيس 53 حزباً فى تونس خلال 3 أشهر فقط من بعد سقوط نظام بن على ! . والسؤال الآن : ما دامت تونستسبقنا بخطوة .. فما الذي يدور هناك حالياً ؟! وطبعاً أهمية الإجابة تأتي لكون ما سيحدث ربما يتكرر في مصر بعدها بأيام ، وحالياً الكلام في تونس عن " عدالة ما بعد الثورة بلا احقاد " حيث تتكلم التنظيمات الشبابية عن طريقة يحاكم بها من شارك في النظام السابق وفي الوقت نفسه تجنب كل رغبة في الانتقام ، وصرح رئيس الوزراء الباجي قائد السبسي إلى وكالة "فرانس برس" أنه لا يؤمن بمحاكمة الناس بالجملة وبالتسرع لتطهير الجهاز القضائي الموروث عن النظام السابق ، داعيا الى غربلة عادلة. وقال " ان القضاء لا يسير بالسرعة المرجوة لكنني افضل ذلك على ارتكاب مظالم " .. كما اقيل عشرة قضاة محسوبين على نظام بن علي .. كما عكف مسؤولون سياسيون ومحامون وقضاة تونسيون ودوليون في تونس على دراسة مفهوم "العدالة الانتقالية" بعنوان "التطرق الى الماضي وبناء المستقبل". أيضاً في تونس حالياً يوجد للثورة مجلس اعلى تحت مسمى " مجلس حماية الثورة التونسية " .. كما تمت إقالة علي الحفصي رئيس اتحاد كرة القدم التونسي وعين بدلا منه أنور الحداد نائب رئيس الاتحاد - وهو سيناريو قريب جداً من التكرار في مصر حيث يقال سمير زاهر ويأتي هاني أبوريدة بدلاً منه - كما تطور الأمر من مجرد قوائم سوداء للفنانيين الذين لم يساندوا الثورة إلي منع كامل من إحياء حفلات هناك وخاصة العراقي كاظم الساهر واللبنانيتان نجوى كرم وكارول سماحة، كما يقوم الإسلاميون حالياً بمظاهرات عنيفة من أجل إغلاق بيوت الدعارة العلنية وردّدوا شعارات من قبيل "الشعب يريد إسقاط الماخور" وهاجموا بعض هذه البيوت بزجاجات المولوتوف .. وتعتبر تونس الدولة العربية الوحيدة التي لديها قانون ينظم "البغاء العلني" ويحدّد شروطه ، أيضاً هاجم البعض محال بيع الخمور المنتشرة بكثيرة في تونس .. لكن القرار الأكثر جدلاً فى تونس حالياً هو إعلان وزارة الداخلية هناك أن تأدية الصلاة في الشوارع أصبحت محظورة من الآن فصاعدا .. وحسب البيان الرسمي " أن وزارة الداخلية لن تسمح بعد اليوم باحتلال الشارع العام لأداء الصلاة خارج أماكن العبادة، مضيفا أن مثل هذه الظواهر والتصرفات غريبة عن المجتمع التونسي " وهنا واضح إنه لا تفرقة بين الصلاة العادية وصلاة الجمعة أو حتى صلاة العيدين والتراويح التى يصليها المسلمون فى الشوارع والساحات .. وأخيراً : ما رأيك لو تكررت القرارات الأخيرة هذه فى مصر ؟!