رغم أن التبرع بالدم يعتبر عملا إنسانيا فى المقام الأول، إلي جانب قيام المستشفيات والمراكز المسئولة عن نقل الدم فى مصر بالترويج لحملات واسعة للتبرع بالدم فى مختلف المحافظات إلا أننا للأسف مازلنا نعانى نقصا شديدا فى خدمات نقل الدم فى مصر، فهناك عجز واضح فى عدد أكياس الدم المتوافرة بالمقارنة بالمطلوب منها، فالمرضى يقفون بالطوابير على أبواب المستشفيات وبنوك الدم للحصول على أكياس الدم اللازمة لإنقاذ حياة ذويهم، مما يعرضهم لاستغلال سماسرة الدم الذين يعرضون عليهم الحصول على الدم و بالتقسيط!
ثمن كيس الدم 400 جنيه .. ومن يطلبه مجاناً يحضر 4 أشخاص للتبرع بالدم أولاً!
حكايات من أمام بنوك الدم فى البداية ذهبنا إلى عدد من بنوك الدم التابعة للمستشفيات لنرصد مشاكل المرضى فى الحصول على الدم، استوقفنى أحد الأشخاص بالقرب من مركز شهير للتبرع بالدم بحى الدقى وعندما تحدثت معه قال إن اسمه أحمد عيد" 35 سنة " موظف بإحدى الهيئات الحكومية ويؤكد أن زوجته تعانى أنيميا شديدة ،تعرضت على اثرها إلى إغماء واحتياج سريع لنقل الدم ولأن فصيلة الدم الخاصة بها نادرة فلم يجدها متوافرة لدى المركز القومى لنقل الدم التابع لوزارة الصحة واضطر للمجىء إلى هذا المركز الخاص للبحث عن فصيلة زوجته، ويضيف وجدت ثمن كيس الدم الواحد 400 جنيه وأنا لا أمتلك هذا المبلغ الآن وأريد إنقاذ زوجتى وطالبنى المركز بإحضار 4 أشخاص للتبرع بالدم فى مقابل حصولى على كيس الدم مجانا وأنا الآن أقف حائرا منذ 3 ساعات لا أعرف ماذا أفعل !! .. ولأننى شعرت بصعوبة موقفه أصررت على البقاء معه ومحاولة مساعدته بالبحث عن متبرعين فى المنطقة المحيطة بالمركز ووجدت صعوبة شديدة فى إقناع المارة بأهمية التبرع بالدم لإنقاذ حياة المرضى لكن دون جدوى ،فالغالبية تتهرب بحجة الاستعجال أو التأخر عن موعد العمل أو غير ذلك! فى نفس التوقيت اقترب شخص كان يقف بعيدا ، يبدو عليه ملامح الرفاهية ليعرض على أحمد الذهاب معه للحصول على كيس دم فى الحال وبالتقسيط وعندما سألته عن ثمن كيس الدم رفض الرد كما رفض إعطائى أى معلومة عن كيفية توفير هذا الكيس أو غير ذك ! وبدون تفكير قرر أحمد الذهاب معه فورا بسرعة للحصول على الدم وإنقاذ زوجته .. بينما تقول "هناء شحاتة" 45 سنة " إن ابنها يعانى سرطانا فى الدم ويحتاج إلى صفائح دموية كل فترة وتضيف: فى كل مرة يحتاج ابنى فيها إلى الصفائح الدموية أقوم أولا بعمل جولة على المراكز التابعة لوزارة الصحة وفى حالة توافر الصفائح المناسبة لفصيلته فأقوم بشراء الكيس بحوالى 70 جنيها وفى حالة عدم التوافر أضطر لشراء الكيس ب150 جنيها من بنك دم خاص،وتتمنى أن يصبح الناس أكثر إقبالا على فكرة التبرع بالدم خاصة وأنها تعانى بشدة مع ابنها فى الحصول على أكياس الدم وهذه المشكلة تواجه الكثير من المرضى الآخرين. أما الحاجة فادية شهاب حسين "60 سنة " فتقول ان ابنتها ترقد فى أحد المستشفيات الخاصة بحى مصر الجديدة حيث تعرضت لنزيف شديد أثناء الولادة و تحتاج إلى نقل دم سريع وللأسف لم تكن فصيلة الدم متوافرة بالمستشفى فقامت بالبحث عن فصيلة ابنتها فى العديد من المستشفيات المحيطة،لكنها توجهت غلى أحد المراكز الخاصة كما نصحها بعض الأطباء للحصول على الدم سريعا وبالفعل استطاعت إنقاذ ابنتها بعد رحلة طويلة للبحث عن فصيلتها، وتوضح أنها لم تكن تعرف أى شىء عن مشاكل توافر الدم فى مصر إلا بعدما واجهتها بنفسها مع ابنتها حيث استشعرت وجود أزمة فعلية وتناشد كل من يستطيع التبرع بالدم أن يتوجه لأقرب مركز ليتبرع بالدم فقد يحتاج إليه يوما ما. أما شيماء إبراهيم 33 سنة "ربة منزل " فتؤكد أن إبنها عمره 7 سنوات ويعانى أنيميا البحر المتوسط والحل الوحيد له هو نقل الدم بشكل دورى،وتؤكد أنها تلجأ أحيانا لتأجيل نقل الدم لابنها بسبب عدم توافره بسهولة، مؤكدة على عدم قدرتها المادية فى الحصول على الدم بأسعار عالية لذلك تضطر للبحث عن فصيلة ابنها فى المراكز التابعة لوزارة الصحة فقط لا تلجأ لبنوك الدم الخاصة. معاناة مع المارة ويقول محمود صقر" 28 سنة " يعمل بوزارة الصحة ويذهب مع حملات التبرع بالدم فى الأماكن المختلفة أنهم يتخذون من محطات مترو الأنفاق مقرا لهم فى كثير من الأحيان لجذب أكبر عدد ممكن من المتبرعين لكنهم يعانون بشدة من عدم الإقبال على التبرع بدرجة كافية ،إما بسبب الخوف من الإصابة بالأمراض المعدية أو لمشاكل صحية يشكون منها ،ويضيف أنهم يضطرون لإقناع المارة بشتى الطرق للتبرع بالدم وفى النهاية لا يتبرع أكثر من 3 أو 4 أشخاص على مدار اليوم ! المركز القومى لنقل الدم وبعد ذلك توجهنا إلى د.عفاف أحمد السيد مدير المركز القوى لنقل الدم والتى تقول: عملية التبرع بالدم آمنة جدا وتتخذ فيها كافة الاحتياطات والإجراءات ولا توجد أى خطورة على صحة المتبرع حيث يتم استخدام السن لمرة واحدة كما تستخدم "القرب" لمرة واحدة أيضا، ودور المركز يقتصر على توفير الدم اللازم للمرضى .. والدم لا "يباع" لكن يتم توفيره بثمن أقل كثيرا من تكلفته وهو 90 جنيهاً للكيس، فى حين أن تكلفته الفعلية 310 جنيهات ، والرقابة على مراكز بير السلم أو سماسرة الدم ليست من مسئوليتي لكنها مسئولية إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة، والناس لا ينتظرون بالطوابير أمام المركز،كل ما فى الأمر أن إعداد كيس الدم يحتاج إلى ما يقرب من ساعة ونصف الساعة وهذا ما يسبب تواجد أعداد من المواطنين داخل استراحة المركز. أما د.مجدى الإكيابى "مدير بنك الدم بمستشفى الشبراويشى" وهو أكبر بنك خاص لخدمات نقل الدم فى مصر فيقول: لن تكون خدمات نقل الدم آمنة بالقدر الكافى مادام لدينا عجز أو مشكلة فى نقل الدم لأننا نكون تحت ضغط ومن يقع تحت ضغوط يقبل ما هو متاح بدون تفكير، والاضطرابات الأمنية فى الأعوام القليلة الأخيرة أثرت بشكل ملحوظ على ثقافة التبرع بالدم فى مصر، وكلما تطورت الخدمات الصحية زاد الاحتياج للدم .. لذلك لابد من وضع خطة مستقبلية لمواجهة أزمة نقص خدمات الدم خاصة وأن أهم عنصر فى هذه العملية هو أمان نقل الدم، ونحن فى حاجة إلى زيادة الحملات الدعائية لنقل الدم .ولابد من البحث عن أماكن وظروف مناسبة للمتبرعين فمثلا يفضل الذهاب إلى أماكن التجمعات الشبابية مثل الجامعات والأندية مع التركيز عى التوقيتات المناسبة لذلك.