هناك سوء فهم، وسوء تقدير، وسوء نية تم في التعامل مع " أحلام فترة النقاهة .. الأحلام الأخيرة" للأديب الكبير نجيب محفوظ. سامح سامي سوء الفهم جاء من تداول أخبار غير صحيحة حول العثور على الأحلام الجديدة، منها أن " دار الشروق هي صاحبة اكتشاف الأحلام الجديدة"، ولماذا تكتب سناء البيسي مقدمة الأحلام؟، ولماذا ظهرت الأحلام بعد مرور تسع سنوات على رحيل محفوظ؟ وقد تم توضيح هذه الأمور والإجابة على تلك الأسئلة لإزالة سوء الفهم وفك اللبس، ومنها أن العثور على الأوراق الأصلية للأحلام الجديدة حدث بعد رحيل زوجة الكاتب الكبير، حيث عثرتا عليها ابنتا محفوظ في صندوق صغير، ولم تكن تعرف ابنته أم كلثوم هل تلك الأحلام منشورة من قبل أم لا؟ لذلك اتصلت بدار الشروق للسؤال والاستفسار. وأعرف أن دار الشروق كونت فريقا لبحث وتدقيق تلك الأوراق. بدأ أولا بالاتصال بالدكتور زكي سالم الذي أكد أن محفوظ ترك مئات من الأحلام غير المنشورة، وأنه كتب أكثر من مرة يناشد أسرته البحث عن تلك الأحلام غير المنشورة، ثم الاتصال بالدكتور يحيي الرخاوي الذي أكد، في جلسة كنت مشاركا بها، أن هذه الأحلام هي إبداع محفوظ بلاشك. لكنه قال إن الخط هو خط سكرتيره الحاج صبري، وأنه يجب العثور على الحاج صبري لسؤاله عن هذه الأحلام، ولمعرفة بعض الكلمات غير الواضحة. وبالفعل ذهبت إلى الحاج صبري وأكد أن محفوظ كان يمليه الحلم بالكلمة والفاصلة والنقطة، وأكد أيضا أن تلك الأحلام كانت جاهزة للنشر، وتوالت الاتصالات بعد ذلك بالكاتب محمد سلماوي والذي أكد أيضا أن الأحلام صحيحة، وأن محفوظ كان يريد نشرها. أما الخطوة الأهم في مسألة التدقيق هي الذهاب إلى الناقد المعروف ورئيس دورية نجيب محفوظ وأحد المقربين منه الدكتور حسين حمودة أستاذ الأدب العربي، الذي جلست معه قرابة الخمس ساعات، قرأ فيها الأحلام الجديدة قبل النشر كلمة كلمة، وقال إن هذه الأحلام كنز حقيقي للإبداع في العالم، وأنها لا تقل في المستوى الفني عن الأحلام الجزء الأول، مشيرا إلى واقعة تخصه تتمثل في أن محفوظ أملي عليه- وقت مرض الحاج صبري- 12 حلما بالطريقة نفسها، وكان محفوظ يحفظها بالكلمة والفاصلة والنقطة. أما سوء التقدير فجاء من تداول موضوعات صحفية ناقشت الظاهر، وتركت الباطن، حيث ناقشت أمورا لا علاقة لها بإبداع محفوظ، وإنما راحت تناقش المستوى الفني للأحلام، وكيف لدار الشروق أن تنشر هذا المستوى لمحفوظ؟ وطبعا كل قارئ وكل ناقد حر فيما يعتقد وفيما يقرأ وفيما يتصور عن الأحلام الجديدة إلا أن نقاش سوء التقدير أغفل ظاهرة عالمية معروفة وهي نشر المسودات والمخطوطات لكبار الكتّاب، بل تكون أحيانا المسودات أعظم وأهم. أقول هذا إذا اعتبر البعض أن مسودات أو مخطوطات، رغم يقيني أنها كانت جاهزة للنشر بشهادة المقربين من الأستاذ محفوظ. ثم جاءت مسألة تقديم سناء البيسي للكتاب، والإجابة القاطعة أن الناشر إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة دار الشروق أكد لي أنه اعتبر شرط محفوظ أن تكتب سناء البيسي مقدمة الأحلام الجزء الأول، وصية نافذة بعد رحيله، لذلك طلب من البيسي تقديم الأحلام الأخيرة. وفي الحقيقة لا أعرف لماذا الجدل المجاني حول مسألة تقديم البيسي للأحلام الأخيرة؟ أما ترقيم الأحلام الجديدة، فكانت النقطة الأبرز في سوء التقدير الذي تم التعامل به مع صدور الكتاب، وطرح سؤال :لماذا بدأت بالحلم رقم 200، رغم أن الأحلام في الجزء الأول تنتهي بالحلم رقم 239، وطالبوا بتعديل أرقام الأحلام الجديدة. وطبعا مسألة الترقيم كان من السهل حلها بضغطة زر واحدة على الكمبيوتر لتحويل الرقم من 200 إلى 240 إلا أن غرض الحفاظ على أصل المخطوطة، المكتوبة بخط الحاج صبري سكرتير محفوظ، كان هو الأهم والأولى، أن يتم نشر المخطوطة كما هي، دون تعديل أو تشويه من الناشر، فضلا أن هناك أمرا غائبا في مناقشة البعض أن الكتاب الصادر حديثا ليس جزءا ثانيا من أحلام فترة النقاهة، لذلك عنوان الكتاب " الأحلام الأخيرة" وليس " الجزء الثاني" من الأحلام الأولى. أما الأهم في المسألة كلها هو إبداع محفوظ سواء رقم الحلم واحد أو مائتي أو ألف. إلا أن مسألة الترقيم تحولت من سوء التقدير إلى موضوعات سوء النية.. وسوء النية جاء نتيجة "بوست" هنا أو "بوست" هناك على صفحات التواصل الاجتماعي في "الفيسبوك"، التقطها البعض بسوء نية مبالغ فيه، إذ تحول الموضوع من مناقشة حول إصدار كتاب لنجيب محفوظ إلى كلام عن اغتيال نجيب محفوظ مرة أخرى، ثم الحديث عن تزوير الأحلام من الأساس، وليس طرح السؤال المنطقي لماذا تنشر الشروق أوراقا لمحفوظ بعد رحيله بتسع سنوات، ثم تحول إلى الأمر، الذي بدا وكأنه حرب ضد دار النشر والتقول بأنها دفعت أموالا إلى شخصيات ثقافية ونقدية- لا يجوز التعامل معها بهذا التدني الصحفي- مثل الدكتور حسين حمودة، الدكتور يحيي الرخاوي، الدكتور زكي سالم، والكاتبة سناء البيسي. وأعتقد أن سوء النية هذا لن ينتهي، طالما ابتعدت الصحافة عن كونها " مهنة ضمير".. وطبعا هنا لا أدافع عن دار النشر ولا مالكها، لكني أذكر ما أعرفه وما كنت شاهدا عليه من بداية العثور على الأحلام، وحتى نشرها.