في مقال بعنوان "أوروبا غير المستعدة"، نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، قال الخبير الاقتصادي الأمريكي الحائز على جائزة نوبل، بول كروجمان، إن عيد الشكر كما نعلم لا يعود إلى الحقبة الاستعمارية، لكن إلى منتصف الحرب الأهلية عندما جعله الرئيس الأمريكي الأسبق أبراهام ليكون عيدا وطنيا. مضيفا أن عيد الشكر يعتبر احتفالا بالوحدة الوطنية، و"وحدتنا الوطنية هي حقا شئ جدير بالشكر". ومضى كروجمان في سرد أسباب كون عيد الشكر احتفال بالوحدة الوطنية في الولاياتالمتحدة، مشيرا إلى التدبر في الكارثة بطيئة الحركة التي تضرب المشروع الأوروبي من عدة جبهات. وفسر كروجمان "المشروع الأوروبي" لهؤلاء الذين لا يعرفونه، بقوله إنه يشير إلى الجهد طويل المدى لتعزيز أوروبا مزدهرة سلمية عبر تكامل اقتصادي واجتماعي؛ جهد بدأ منذ ما يزيد عن 60 عاما بالتزامن مع تشكيل الجماعة الأوروبية للفحم والصلب. واستمر هذا الجهد مع إنشاء السوق المشترك في 1959؛ وتوسيع هذا السوق ليشمل دول ديمقراطية جديدة في جنوب أوروبا، والقانون الأوروبي الموحد، توفير حرية حركة للأشخاص وللبضائع أيضا؛ مزيد من التوسيع للاتحاد الأوروبي ليشمل دول الشيوعية السابقة؛ واتفاقية شنجن التي محت كثير من الضوابط الحدودية داخل القارة؛ وبالطبع توفير عملة أوروبية مشتركة، بحسب الاقتصادي الأمريكي. الطريقة الوحيدة للتفكير في كل هذه الخطوات، كما أشار كروجمان، هي أنها كانت محاولات لمنح أوروبا العديد من الصفات الخاصة بإحدى الدول دون اتحاد سياسي رسمي. ولفت الكاتب أن الأمل الواضح للعديد من النخبة الأوروبية كان أن التكامل الاقتصادي والتقني، ربما يعزز تدريجيا الوحدة السيكولوجية وفي النهاية يمهد الطريق إلى "ولايات متحدة في أوروبا". وأوضح أن المشروع عمل جيدا جدا لمدة طويلة، حيث نمت أوروبا بشكل ثابت وأصبحت أكثر ازدهارا وسلمية وحرية. وأشار إلى أنه ربما لا يوجد شئ مشترك، للوهلة الأولى، بين الأزمة المالية وأزمة اللاجئين والهجمات الإرهابية التي تعاني منها أوروبا الآن. مستطردا أن قدرة أوروبا على حماية نفسها في كل موقف من هذه المواقف أصبحت مقوضة ب"الاتحاد المنقوص". في ما يتعلق بالأزمة المالية في أوروبا، قال كروجمان إنها شهدت إجماع بين خبراء الاقتصاد على أن مشكلات أوروبا كان سببها الأساسي التقلبات المزاجية للمستثمرين من القطاع الخاص، الذين ضخوا المال بتهور في جنوب أوروبا بعد طرح اليورو، ثم تراجعوا فجأة بعد ذلك بعقد. وحدث شيئا مماثلا في أمريكا أيضا، وفقا لما أوضح أوضح كروجمان، حيث تم ضخ المال أولا في الإقراض العقاري، ثم تغيرت الأوضاع. وفي الولاياتالمتحدة، بالرغم من ذلك، كان الألم المصاحب لهذا التراجع في الولاياتالمتحدة محدودا بفضل المؤسسات الفيدرالية، من الأمن الاجتماعي وحتى تأمين الودائع. أما في أوروبا للأسف، تحملت الحكومات تكلفة خطط الإنقاذ المصرفية، لذلك تحول تجاوز القطاع الخاص إلى أزمة مالية. ثم انتقل كروجمان إلى أزمة اللاجئين، قائلا إن سياسة الهجرة بصفة عامة، واللاجئين بصفة خاصة، مكروهة تقريبا في كل مكان، لكن أوروبا تحاول أيضا الحفاظ على حدود داخلية مفتوحة، في وقت تترك فيه إدارة الحدود الخارجية للحكومات مثل اليونان الفقيرة التي دمرها التقشف، ولا عجب إذن أن ضوابط الحدود تعود، بحسب الكاتب. وحول الإرهاب، قال كروجمان إنه لا يمكن لمجتمع حر أبدا أن يؤمن نفسه بشكل مثالي من الهجمات الإرهابية، مضيفا أن أوروبا يمكنها الاستجابة لهذه الانتكاسات عن طريق تقوية اتحادها، وإنشاء مزيد من المؤسسات اللازمة لإدارة اعتمادها المتداخل، لكن على ما يبدو أن الرغبة السياسية وراء هذا النوع من الخطوات، غير موجودة. وتساءل الكاتب عن البديل الواقعي لهذه الخطوات؟ مختتما بإنه لا يعلم الإجابة، لكنه أعرب عن امتنانه أن أمريكا لديها نوع الوحدة الذي يمكن لأوروبا أن تحلم به فقط، على الأقل حتى الآن.