أكد الخبير الاقتصادي الأمريكي بول كروجمان أن الوضع في أوروبا سيء للغاية، حيث تختبر اليونان ركودا هو أسوأ من أزمة "الكساد الكبير" التي ضرب الاقتصاد العالمي في ثلاثينات القرن الماضي. ورأى كروجمان - في مقال بعنوان (حلم أوروبا المستحيل) نشرته صحيفة (نيويورك تايمز) - أن لا شيء يحدث يبعث على الأمل في التعافي ، حتى في إسبانيا ، فعلى الرغم من أن اقتصادها سجل أخيرا نموا ، إلا أنها لا تزال تعاني بطالة بنسبة 22 بالمئة. ورصد كروجمان "قوسا من الركود" يمر عبر شمال القارة ، ذلك أن فنلندا تعاني ركودا شبيها بذلك الذي يشهده جنوب أوروبا ، كما أن الدنمارك وهولندا تؤديان أداء اقتصاديا بالغ السوء. وألقى الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل مسؤولية الوضع الراهن في أوروبا على عاتق السياسيين ، وقال إن الأمور تصل إلى هذا الحد من السوء عندما يتجاهل الساسة المتبعون أهواءهم علم الاقتصاد ولا يعتبرون من دروس وحقائق التاريخ. ونفى كروجمان أن يكون مقصده اليساريين في اليونان أو في أي مكان آخر ، قائلا " إنني أتحدث عن رجال يحظون باحترام فائق في برلين وباريس وبروكسل ، رجال قضوا ربع قرن من الزمان يحاولون إدارة أوروبا على أسس اقتصادية خيالية". وأضاف أنه بالنسبة لأشخاص لا يعرفون الكثير عن الاقتصاد ، أو اختاروا تجاهل الأسئلة الصعبة ، فإن تدشين عملة أوروبية موحدة يبدو فكرة عظيمة من شأنها تيسير التجارة خارج الحدود الوطنية، كما تبدو رمزا قويا للوحدة ، ولكن أشخاصا كهؤلاء لم يكونوا ليتنبأوا بالمشاكل الكبرى التي ستنجم عن تلك الفكرة رغم تحذير أكثر من خبير اقتصادي أوروبي. وأكد كروجمان أن الفكرة لم يكن من الصعب أبدا رؤية كم هي سيئة منذ البداية ، ذلك أن تدشين عملة موحدة دونما وحدة سياسية سابقة على ذلك يعتبر مشروعا غير جدير بالثقة. وتابع أنه على الرغم من ذلك إلا أن أوروبا مضت قُدما في تنفيذ الفكرة لا لشيء إلا لأن أصداءها كانت ساحرة، كما بدت متطلعة وأوروبية الطابَع وهي صفات تروق ذلك النوع من الشخصيات التي تدلي بأحاديث في منتدى ديفوس الاقتصادي، تلك الشخصيات التي لا تريد أن يقول لها خبراء اقتصاديون إن تخيلاتها البراقة ليست إلا أوهاما سيئة الفكرة. ومضى الكاتب قائلا إنه سرعان ما بات من الصعوبة جدا داخل النخبة في أوروبا إثارة أي اعتراض على مشروع العملة الموحدة ، ففي بداية التسعينات كان يتم إقصاء أي شخص من تلك النخبة يثير تساؤلات حول مزايا اليورو من النقاش ، أما إذا كان هذا المتسائل أمريكيا يُعبّر عن شكوكه، فكان يتم اتهامه بمعاداة أوروبا أو الرغبة في احتفاظ الدولار بتفوقه ، ثم كان اليورو، وفي أعوامه العشرة الأولى تغطت مشاكله الحقيقية بفقاعة مالية ضخمة ، لكن الآن ها هي كافة التحذيرات قد بدأت تجد سبيلها للوقوع". وأعاد كروجمان إلى الأذهان كيف أنه عندما بدأت الأزمات تواجه اليورو، تمثلت استجابة أوروبا سياسيا في فرض تدابير تقشف قاسية على الأممالمدينة، في إنكار سافر للمنطق البسيط وتجاهل لدروس التاريخ وحقائقه التي تشير إلى أن مثل هذه السياسات كفيلة بأن تورث تدهورا اقتصاديا بالغا بينما ستفشل في التقليص المرتجى للديون. ورصد الكاتب كيف تكّشف الآن الحجم المذهل للامبالاة التي تجاهل بها الساسة الأوروبيون تحذيرات الخبراء الاقتصاديين من أن خفض الإنفاق الحكومي مقابل رفع الضرائب من شأنه أن يتسبب في مستويات عميقة من الركود، وكيف أصرّ هؤلاء الساسة على أن الأمور ستكون على ما يرام لأن الانضباط المالي كفيل بالبعث على الثقة ، وهو ما لم يكن أبدا. وقال كروجمان " إن محاولة التعاطي مع الديون الضخمة عن طريق فرض تدابير تقشف فقط، وبالذات في ظل الدفع بسياسة العملة الصعبة، لم تنجح أبدا ، وإذا كانت لم تنجح في بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى رغم التضحيات الهائلة ، لم إذن يتوقع أي شخص أن تنجح في اليونان الآن؟". وتساءل : ماذا يتعين على أوروبا عمله الآن ؟ وقال إنه لا توجد أجوبة جيدة، والسبب في ذلك هو أن اليورو تحول إلى مصيدة يتعذر الهروب منها. وأضاف " لو أن اليونان لا تزال لديها عملتها، لكان خفض قيمة تلك العملة ومن ثمّ تحسين قدرة الدولة على التنافسية وإنهاء حالة الانكماش الاقتصادي، كان سيكون عملا مجديا ، لكن حقيقة الأمر هي أن اليونان لم يعد لديها عملة، وهي حَرية بأن تسكّ لنفسها عملة جديدة". وتابع " في رأيي ، لا يزال خروج اليونان من اليورو أمرا ضروريا، وعلى أي حال، سيكون من الضروري شطب الكثير من ديون اليونان". واختتم كروجمان قائلا "غير أننا نفتقر إلى وجود نقاش واضح لتلك الخيارات، لأن الخطاب الأوروبي لا تزال تسيطر عليه أفكار يتمنى نخبة القارة العجوز أنْ لو تحققت، وهو ما لن يكون ، لتدفع أوروبا ثمنا باهظا جزاءً لتمادي ساستها في اتباع أهوائهم".