سفر البابا تواضروس الثاني اليوم الخميس للقدس أمر محير. يصطدم بكل أفكار الذهن المصري، المسيحي والمسلم.، وفيه تختلط كل المتناقضات، وكل الأوراق السياسية والدينية، قرار البابا شنودة منع السفر لإسرائيل تدخل الديني فيما هو سياسي، بينما قرار البابا تواضروس السفر للقدس تدخل السياسي فيما هو ديني. ولا يصح التعامل مع قرار أي منهما دون قراءة كامل المشهد، أو وفق المبدأ العقيم " مع أو ضد". قرار البابا شنودة الثالث منع السفر إلى إسرائيل ليس موقفا وطنيا خالصا، وليس هو مخترعه؛ لأن البابا كيرلس السادس السابق للبابا شنودة أخذ قرارا بمنع السفر إلى إسرائيل بعد نكسة 1967؛ لأن إسرائيل مكنت بعض الرهبان الأحباش من الأديرة وكنيسة القيامة هناك. ثم جاء بعده البابا شنودة الثالث الذي أضاف لقرار البابا كيرلس سلطة بابوية بسبب استيلاء إسرائيل على دير السلطان بالقدس، ووقتها أخذ المجمع المقدس قراره الشهير بمنع السفر للقدس، والحرمان الكنسي لكل الأقباط لحين استعادة الكنيسة رسميا لدير السلطان، أي أن القرار يخص شأن إداري كنسي، وليس وطنيا كما يزعم البعض. لكن مع أجواء الحرب مع إسرائيل، ونتيجة ميل البابا شنودة الثالث للسياسة، قال تصريحه الشهير :"الشعب الإسرائيلي المحتل لفلسطين ليس هم شعب الله المختار"، ثم ظهور موقفه السياسي بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، والذي أعلنه كثيرا أن "الأقباط لن يسافروا للقدس إلا مع المسلمين بعد تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي". وهكذا نسى البعض أسباب المنع، وتم التركيز فقط على عدم التطبيع مع إسرائيل؛ مما جعل البابا تواضروس الثاني نفسه يعلن أنه مع قرار منع السفر وأن الكنيسة موقفها ثابت وتاريخي، وعدم عن السفر للقدس إلا مع المسلمين. وسفر البابا تواضروس الثاني اليوم إلى القدس ل"الصلاة فقط" لم يمنع إثارة الجدل؛ رغم أن الهدف من الزيارة هو المشاركة في جنازة الأنبا "أبراهام" مطران القدس والشرق الأدنى (دول الخليج) وهو الأقدم بين مطارنة الكنيسة، وينظر للكرسي المقدسي على أنه الأكثر اعتبارا وسط الكراسي الأسقفية الأخرى بالكنيسة القبطية بعد الكرسي البطريركي". ورغم أن "الزيارة هنا استثنائية للصلاة الجنائزية" إلا أن تداخل السياسي بما هو ديني والعكس أثار الجدل، وجعل البابا يمشي على الجمر؛ بحيث لا يجوز له أو لغيره التعليل أن الزيارة للصلاة، أو أن الكنيسة لا تضع في حسبانها أية معادلات سياسية، أو لولا وصيته أن يدفن هناك ما كان هناك داعي للسفر". سفر البابا تواضروس الثاني قرار غير موفق؛ طالما أنه سيظل مصمما على قرار الحرمان والمنع للسفر إلى القدس. وكما كنت أنادي أن البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث ليس ممثلا سياسيا للأقباط، كذلك أقول إن البابا تواضروس الثاني في سفره للقدس ليس ممثلا لكل الأقباط. الكلام الليبرالي حول فصل الدين عن السياسة لا يجوز في تبرير زيارة البابا للقدس؛ لأننا بذلك ندخل بإرادتنا الدين في السياسة. ولا يجوز التهليل بالمنع أو السماح لموقف الكنيسة، من البداية لا يجب قبول تصريحات سياسية لرمز ديني، سواء البابا شنودة أو البابا تواضروس.