تتلاقى عبقريتا مخرج الواقعية صلاح أبو سيف والموسيقى المبدع فؤاد الظاهرى فى مجموعة من الأفلام لكن تبقى فى أذهان الجمهور العربى لقطات إبداعية من فيلم الزوجة الثانية وذلك سواء فى حوار الممثلين أو فى سياق السيناريو ،كما لعبت موسيقى هذا الفيلم دور فى نجاح الفيلم وإبراز جمالياته حيث رسخت فى وجداننا بعض المشاهد التى بنيت على سياق موسيقى متميز ،برع فيه الظاهرى بتوظيف كل عناصره الموسيقية لخدمة النص الدرامى ،وبالفعل كانت الموسيقى من أقوى العناصر المكونة له بجانب العناصر الأخرى المتعارف عليها. ومن أجمل ما أبدع فيه الظاهرى هو استخدامه لفكرة اللحن الدال التى ابتدعها ريتشارد فاجنر فى أوبراته مع بعض التغيير على الفكرة العامة حيث وضع المقامات للدلالة على شخصيات الأبطال فمثلاً نجده عبر عن الشخصيتين الأساسيتين محور الفيلم بالموسيقى ،ويتجلى هذا مع الزوجة الثانية سعاد حسنى والتى دلل على وجودها بمقام الراست بشرقيته وطابعه المبهج المستخدم فى كثير من الألحان الشعبية وموسيقى الزفاف فى الريف معبراً عن الفرحة والنصر الذى سنشهده فى ختام الفيلم ،أما الزوجة الأولى المغلوبة على أمرها سناء جميل فعبر عنها بمقام الهزام الشرقى الشائع استخدامه فى الموالد وللتعبير عن حالة الدجل والخرافات التى اتبعتها البطلة داخل الفيلم بالإضافة لحالة الانكسار التى تستشعرها كأنثى فى سياق الأحداث وهو ما يؤكد قراءته الجيدة والدقيقة لأدق التفاصيل فى سيناريو الفيلم حتى تتماشى الموسيقى مع الدراما. أيضاً توظيف الظاهرى للحن الأيوب الشعبى بما يخدم النص الدرامى ،أما المزج بين الشرقيةوالغربية فى جديلة واحدة متسقة تماماً من خلال استخدام القانون والناى وآلات الإيقاع الشرقى والمزمار بجانب آلات الأوركسترا وفى مقدمتها الآلات الوترية آلة الهارب كآلة منفردة ،وآلة الأبوا ،والفلوت ،هو ما يعطى رنين صوتى مميز. كذلك جاءت تيمة ليلة الدخلة فى مقامى الكرد والصبا زمزمة الذى يفتقرا لوجود ثلاثة أرباع النغمة الشرقية وبالتالى يسهل أداؤه على الآلات الغربية ، ،والوتريات لها دور البطولة بمشاركة الفلوت والناى مع تبادل موقعهما مع القانون والهارب والعود وذلك فى بعض الموتيفات الصغيرة جداً بتصاعد لحنى وعبر بالقانون والهارب كأنها قطرات دموع تعبر وبمنتهى الأسى عن المعاناة الداخلية. كما تباينت الألحان ما بين المبهج والمعبر عن الفرحة والانتصار على الظلم وبين مشاعر القلق والخوف بل والقهر التى شعر بها أهالى البلد ،وكان للتقنيات الأدائية جزء فى تعضيد البعد الدرامى والجمالى للصورة منها الكروماتيك وما يترتب عليه من توتر ،بالإضافة للهبوط اللحنى المتدرج أحياناً يعبر عن الحالة النفسية المتراجعة والإحباط وخيبة الأمل ..ومن التقنيات الأخرى الجليساندو والتريموللو وكل منهما له اثر نفسى على المتلقى. ولعب الإيقاعى الفلاحى دور فى التأكيد على التعايش داخل هذه البيئة البسيطة. وقد ناقش صلاح أبو سيف فى هذا الفيلم قضايا فلسفية فى غاية الأهمية والخطورة حيث القهر والتعذيب النفسى من الحاكم للمحكوم ،وكذلك سيطرة رأس المال تحت أى شكل ،وتطويع القانون لما يخدم الحاكم بلا حسيب أو رقيب ،قهره وسلطته حتى فيما ليس له قوة أو حكم بالأمر لتطليق زوج لزوجته بما يخالف شرع الله ،ليتزوجها وبدون إتمام العدة الشرعية وكل أوامره ونواهيه لا تتفق مع الشرع والقانون لكنه يتخذ الدين ستاراً لأفعاله. ولم يتعامل صلاح أبو سيف مع موسيقى هذا الفيلم بإفراط فهى ليست مرافقة للمشاهد ،لكننا نلمح نضج فى استخدام الموسيقى وتوظيف جيد لكل آلة موسيقية وكل تيمة لحنية كان لها مغزى وقصد وظفه درامياً بما يخدم سياقه الفيلمى العام.