عادة ما يثار الجدل حول أى فيلم سينمائى بعد عرضه وحكم الجمهور والنقاد عليه ، إلا أن الأمر جاء مختلفا فى فيلم "براءة ريا وسكينة" للمؤلف أحمد عاشور والذى تحول من مجرد رواية سينمائية لقضية رأى عام خاصة بعد أن رفضته الرقابه عندما عرضه عليها لأول مرة بحجة أنه يتنافى مع الوقائع التاريخية مما إضطره لأن يبقى فى حالة بحث لمدة عشر سنوات كاملة حتى إستطاع أن يوثق كل معلومة ذكرها فى الفيلم والتى تؤكد براءة ريا وسكينة من كل التهم المنسوبة إليهما بالأدلة والمستندات القانونية وعرضه على الرقابة مرة أخرى فوافقت عليه على الفور بل وأشادت بمستواه الفنى ومن ثم سيعرض الفيلم فى شهر يناير القادم ، فما قصة هذا العمل وما الذى دفع مؤلفه لإعادة فتح تلك القضية التى تخص أشهر سفاحتين فى تاريخ مصر والعالم كله وحكم الإعدام الذى نفذ فيهما عام 1921هذا ما سوف يرويه لنا . أولا ما هو هدفك من إثبات براءة ريا وسكينة وإعادة فتح قضية قديمة مضى عليها أكثر من مائة سنة تقريبا ؟ لأن مصر أرض طيبة والأرض الطيبة لاتنبت نبتا شيطانيا بهذا الشكل بالإضافة الى أنه ليس شيئا مشرفا أن يكون إسم ريا وسكينة من ضمن أسوأ عشر نساء فى تاريخ البشرية . تقدم رواية تتنافى تماما مع كل الأدلة التاريخية التى سبق وقدمت عن تلك القضية فما الذى دفعك للتعرض لها ؟ أسئلة كثيرة طالما دارت فى ذهنى كلما شاهدت أو قرأت عن تلك القضية الشهيرة منها مثلا أنه لم يكن هناك أى سبب يدفع ريا وسكينة للقتل خاصة أنهم كانوا يمتنهنون الدعارة والتى كانت تجارة مقننة ومربحة جدا وقتها، وما قيل عن إنهم كانوا يعملون فى البيوت السرية أى التى تعمل دون تصريح غير حقيقى أيضا فأنا حصلت على المستندات التى تؤكد أنهم كانوا يعملون بتصريح من الحكومة التى كانت تبيح تلك التجارة وجئت بالتصريح نفسه ، بالإضافة الى أن النساء الاتى اتهمن فى قتلهن لم يكونوا من عليه القوم كما أدعى به فى القضية وظهر فى الأعمال الدرامية إنما كانوا كلهن من "المقطورات" وهو لقب كان يطلق على فتيات الليل وكانت ريا هى المسئولة أو "المعلمة" التى يعملن لصالحها هؤلاء البنات وكان يطلق عليها " العايقه " ومن ثم فليس من الطبيعى أن تقتلهن خاصة أن كلهن بنات فقيرات لن يفيدها قتلهن فى شىء، والأهم من هذا كله هو توقيت إثارة القضية نفسه وهو نفس توقيت ثورة 1919 التى قام بها سعد زغلول والذى كان شقيقه القاضى فتحى زغلول هو الذى حكم على الشباب المصرى البرىء بالإعدام فى حادثة دنشواى قبل أن تثار قضية ريا وسكينة بسنوات قليلة ، فكل تلك الأسئلة كانت دافعى لأن أعيد فتح تلك القضية. تقصد أن هناك ثمة علاقة بين توقيت إثارة تلك القضية التى هزت الرأى العام وقتها وبقيت حديث الناس لسنوات طويلة بثورة 1919 وسعد زغلول ؟ هذا سؤال مهم ستجدى إجابه عنه فى الفيلم . ولكن معلومات مثل تلك التى تتعرض لها تحتاج الى توثيق قانونى من عدة جهات .. فما حجتك فيها ؟ أولا أنا من الأساس دارس للقانون يعنى أعلم جيدا أنه حتى أتعرض لمعلومة معينة خاصة إذا كانت تلك المعلومة تناقض أو تتنافى مع وقائع تاريخية سبق التعرض لها فلابد أن يكون كلامى موثق بالأدلة والبراهين التى لاشك فيها وهذا هو ما فعلته طوال العشر سنوات الماضية حيث قضيتهما فى حالة بحث دائم عن كل ما يتعلق بتلك القضية و حصلت على الملف الكامل والموثق الخاص بها من دار المحفوظات ومن خلاله إستندت الى مجموعة من المعلومات المتناقضة التى شهدها الملف نفسه والتى تؤكد وجهة نظرى أن القضية بالكامل كانت ملفقة عن قصد لأسباب سياسية كما إنى نزلت الى منطقة "اللبان" فى الأسكندرية والتى شهدت أحداث تلك القصة من أولها لأخرها وأجريت حوارات مسجلة مع أحفاد العرابى حسان فتوة المنطقة فى تلك الفترة والمعلم عبد الرازق الذراع اليمين له ، و وصلت الى المستندات التى تؤكد أن محمدعبد العال زوج سكينة كان يعمل فى القوة المصرية والتى كانت مسئولة عن تجنيد الشباب المصريين فى خدمة الجيش الإنجليزى حتى أن بعضهم والذى كان يتمتع بصحة جيدة كان يحارب مع الإنجليز ولم يكن عسكرى فى الداخلية المصرية كما أشيع كما ، ومن ضمن الوثائق التى إستندت إليها أيضا وحصلت عليها من مكتبة الأسكندرية كل ما نشر فى جريدة الأهرام ومجلة اللطائف المصرية التى ذكرت الواقعة كلها فى تلك الفترة هذا طبعا بخلاف البحث الميدانى الذى إستطعت من خلاله أن أوثق كل معلومة ذكرتها فى الفيلم والذى سيعرض فيه أيضا مصادر التوثيق . ولكن هذا عمل مؤرخ وليس سيناريست ؟ ربما يكون كلامك صحيحا ولكنى فى الحقيقة لست مؤرخا وإنما كان لابد أن أوثق وأثبت كل معلومة سترد فى السيناريو فقد كان من الطبيعى حتى أقدم عملا ناحجا ومنصفا أن أبحث عن كل ما يؤكد كلامى فقد عانيت أكثر من عشر سنوات حتى أقدم دلائل وحقائق ثابتة ومؤكدة وهذا لايعنى إننى مؤرخا . هل إستندت فى بحثك على ما ذكره الأستاذ صلاح عيسى فى كتاب "رجال ريا وسكينة " ومحمد عبد الوهاب فى كتاب " أسرار ريا وسكينة " ؟ طبعا قرأت الإثنين ولكن الحقيقة لم يفيدونى كثيرا خاصة أن محمد عبد الوهاب تناول القصة من منظور روحانى وجرائم ما وراء الطبيعة ، أما الأستاذ صلاح عيسى وهو من أساتذه فن التوثيق عجز عن تفسير الأمر وقال فيما يتعلق بالتحقيقات أنه لابد من أن سوء تفاهم ما قد حدث أثناء التحقيق والمراجعة بين النائب العام ووكيله الأول إنتهى بإعتكاف "كامل بك عزيز" وكيل النيابة المسئول عن القضية وعدم عودته لإستئناف التحقيق فى الموعد الذى كان قد حدده هو بنفسه لذلك وهو الثالثة والنصف من عصر نفس اليوم الذى إعتذر عن استكمال التحقيق فيه هذا فضلا عن أن أول ضابط حقق فى القضية قبل أن يتولها إبراهيم حمدى مات مخنوقا بشبهة جنائية. معنى هذا أن وكيل النيابة المسئول عن القضية تنحى بكامل إرادته ؟ لا هذا الكلام إتضح بعد ذلك أنه ليس حقيقى ولكن بعدما كاد كامل عزيز أن يصل الى الحقيقة تم إبعاده عن القضية بأمر من النائب العام وقتها وآتى بسليمان عزت من القاهرة مخصوص لمتابعة وإستكمال القضية وسليمان عزت هذا كان أحد أعضاء جمعية الصداقة البريطانية التى أسسها أمين عثمان صاحب الجملة الشهيرة أن العلاقة بين مصر وإنجلترا علاقة زواج كاثوليكى والذى أتهم السادات فى قتله . ولكن حسب ما ذكر فى تاريخ تلك القضية أن سليمان عزت هذا إستند على شهادة بديعة إبنة ريا فى إثبات التهم ضدهم ؟ العكس هو الصحيح فقد رفض سليمان عزت الإستناد الى شهادة بديعة بحجة إنها مازالت صغيرة لأنه كان يعلم أن شهادتها كانت حتما ستثبت براءتهما وقد تم إيداعها بعد ذلك فى ملجأ العباسى للأيتام بالأسكندرية وبعدها بفترة قصيرة تم حرق الملجأ بكل الأطفال الموجودين فيه ومنع النائب العام وقتها النشر فى تلك القضية بمجرد موت بديعة وإعدام ريا وسكينة وتم إغلاق هذا الملف نهائيا وتم هدم كل بيوتهم . ولكن مازال هناك بيت فى الأسكندرية بالفعل يقال أنه بيتهم ؟ هذا غير حقيقى فأنا ذهبت الى هذا البيت الموجود بجوار قسم اللبان فقد تم بناءه بمستندات هيئة المساحة فى الأربعينات أى بعد إعدامهم بعشرين سنة تقريبا وهذا البيت هو الذى صور فيه أنور وجدى أول فيلم قدم عن ريا وسكينة أما بيوتهم الحقيقية فقد تم هدمها وإخفاء كل ما كان له علاقة بريا وسكينة بعد إعدامهم مباشرة. إذا كان الأمر كذلك وريا وسكينة لاعلاقة لهم بكل جرائم القتل التى حدثت وقتها فلماذا تم إختيارهم بالتحديد لتلفيق تلك القضية لهم ؟ هذا أيضا سؤال سأطرحه فى الفيلم وأجيب عنه فأنا لم أترك سؤالا يمكن أن يخطر على بال المشاهد لم أطرحه وأجيب عليه وبالمناسبة ما وجد فى بيوت ريا وسكينة حوالى 114 جثة إلا إنهم لم يحاسبوا إلا على 17 جثة فقط وكل هذا موثق بالمستندات التى سأذكرها فى الفيلم أيضا . ولكنك بهذا الشكل تشكك فى نزاهة القضاء وقتها ؟ هذا حقيقى ولاتوجد به أى مشكلة فى هذا فالقضاء المصرى وقتها كان خاضعا للإحتلال الإنجليزى ومن ثم فطبيعى جدا أن يسير على هوى هذا الإحتلال . معنى هذا إنهما كانتا مناضلتان ضد الإحتلال الإنجليزى ؟ تلك قصة ثانية سيتعرض لها الفيلم بالأدلة والبراهين . ماذا عن موقف الرقابة من الفيلم وهل إعترضت عليه وطلبت حذف بعض المشاهد منه ؟ إعترضت مرة واحدة عندما قدمته بإسم "رد إعتبار ريا وسكينة" ولكنى عندما ألحقت بالنص كل المستندات والوثائق التى تؤكد صحة كلامى لم يشهد الفيلم أى إعتراض ولم يحذف منه مشهد واحد بل أشاد السادة الرقباء بمستواه الفنى . معظم الأعمال التى تناولت قصة ريا وسكينة أخذتها إما من زاوية كوميدية أو كفيلم رعب وتشويق .. فماذا عنك ؟ لاهذا ولاذاك فأنا كل ما أريده هو إثبات الحقيقة حتى لو كانت تتنافى مع الخداع الإعلامى الذى تعرضنا له على مدى مائة سنة تقريبا ومن ثم فطبيعى أن تتضمن الأحداث قدر من التشويق فقط ولايوجد أى ملمح كوميدى لأنه يتنافى تماما مع جدية الحدث . هل حقيقى إنك وجدت صعوبة فى موافقة بعض النجمات على أدوار ريا وسكينة؟ أبدا ولكن المشكلة كانت فى كون الأدوار كلها مساحتها صغيرة فدور ريا 27 مشهد ودور سكينة 12 مشهد فضلا عن إن أعمارهم أيضا كانت صغيرة ريا كان عمرها 35 سنة وسكينة 20 وهذا وقت إعدامهم ومن ثم تم الإتفاق مع رانيا يوسف على دور سكينة ولكنها إختلفت مع الشركة المنتجة على الأجر وبوسى سمير فى دور ريا وهى من الوجوه التى ستقدم الدور بأفضل ما يمكن أما البطولة الأولى فهى ليسرا اللوزى والتى تلعب دور الصحفية أمل التى تساعد أحمد حاتم الذى يحقق فى قصة ريا وسكينة لأن الفيلم يدور بفكرة الفلاش باك . لماذ إخترت مخرج سورى لهذا العمل ؟ الحقيقة أنا لم أختار المخرج وإنما هو كان إختيار الشركة المنتجة وأنا لم أكن متحمس له ولكنى بمجرد أن شاهدت أعماله وإستمعت لوجهة نظر فى التصوير إنبهرت به وإقتنعت إنه أفضل من يستطيع أن يقدم الفيلم بالصورة التى تخيلتها بالضبط . هل تتوقع أن يقابل هذا الفيلم بهجوم من المؤرخين ؟ ربما ولكنى على أتم إستعداد لمناقشة أى شخص أو مؤرخ يدعى أن هناك معلومة واحدة فى الفيلم غير صحيحة أو موثقة فالأمر لم يعد مجرد فيلم وإنما أصبح قضية رأى عام وفى النهاية التاريخ ليس حكرا على أحد .