نظرية المؤامرة، أو (Conspiracy theory)، هو مصطلح يردده المؤمنون بالتشكيك فى كل الأحداث العالمية والمحلية، والذين يصنعون سلسلة من الأحداث السياسية والاجتماعية والتاريخية، بحيث تبدو كأنها سلسلة من الأكاذيب، التى ينسبونها دوماً للحكومات، باعتبارها أنظمة متآمرة، على نحو منظم، ويرون أن كل حدث ما هو إلا حلقة من سلسلة مؤامرة كبرى، تهيمن عليها أنظمة علنية أو سرية كاذبة، تدير الأحداث من وراء ستار ... وأوَّل ما فكرت فيه حروب الجيل الرابع (4GW)، هو النظر إليها باعتبارها جزءاً من نظرية المؤامرة، التى يقف المتعاملون معها دوماً على أقصى طرفى النقيض، فإما أن يروا المؤامرة فى كل شىء، أو يسخروا من فكرة المؤامرة فى كل شىء ... ولأن حرب الجيل الرابع هى فى أساسها وخطواتها المعلنة مؤامرة واضحة، تستغل وضوحها فى التأثير على الكثير من العقول؛ فإن أوَّل ما فعلته؛ لتصرف أنظارالناس عن كونها مؤامرة، هو نشر السخرية من فكرة نظرية المؤامرة على نطاق واسع ... فالانغماس فى فكرة نظرية المؤامرة هوس كبير، وجزء من مرض الوسواس القهرى، ورفض نظرية المؤامرة فى حسم هو أيضاً هوس كبير؛ لأن كثيراً ما تكون المؤامرة أوضح من رفضها، ولعل الرافضين لها، فى هذه الحالة، لا يرفضون نظرية المؤامرة فى حد ذاتها، ولكنهم يرفضون فكرة أن يكون هناك من يعبث بهم وبعقولهم ومشاعرهم هكذا، كما لو كانوا مجرَّد دمى، أو أحجاراً على رقعة شطرنج كبيرة ... ولكن من يقرأ كتاب رجل المخابرات الأمريكى السابق مايلز كوبلاند (لعبة الامم)، والذى أثار ضجة كبيرة عند نشره عام 1969م؛ باعتبارها المرة الأولى، التى يتحدَّث فيها رجل مخابرات، عن كيفية التلاعب بالشعوب والنظم الحاكمة؛ من أجل تغيير مقادير دول كاملة، وتوجيهها إلى ما يخدم المصالح الأمريكية، سيدرك فوراً أن هناك شيئا حقيقيا اسمه نظرية المؤامرة، التى تحاك على مستو عال جداً، من أجل إعادة تشكيل العالم، بما يخدم المصالح الامريكية، ويحافظ على تفوَّقها، وزعامتها للعالم، وأن هذه المؤامرة تحاك منذ عقود، فى توال منظم مدروس، يؤتى ثماره، على الرغم من نشره علانية أكثر من مرة !! وأمريكا لا تفعل هذا لأنها شريرة، أو لأنها الشيطان الأعظم، كما يحلو للبعض وصفها، وخصوصاً بين الأوساط المتطرَّفة (مع ملاحظة أنهم أكثر من يتعامل معها)، ولكن أمريكا، على عكسنا استفادت جيداً من دروس التاريخ، وأدركت أن القوى فى العالم ليست ثابتة أو مؤمنَّة، ولكن مثلها مثل غيرها، يمكن أن تسقط أو تنهار؛ لتحل محلها قوى أخرى ... فقديماً، كان يحكم العالم قوتان ... الفرس والروم، وكانت كل منهما إمبراطورية عظيمة، تكاد تهيمن على نصف العالم، ولكن سرعان ما سقطت كلتاهما؛ إما بسبب أخطاء وتجاوزات، أو لظهور قوى جديدة احتلت الساحة، وأزاحتهما من عرش القوة ومقعد الزعامة .... ثم ظهر العرب المسلمون كقوة عظمى، انتشرت على نظاق واسع، وفتحت الأندلس، وبقيت فيها أكثر من سبعة قرون، ولكنها لم تنتبه إلى ظهور ونمو قوى أخرى، مثل القشتاليين، الذين سرعان ما استعادوا الأندلس، فى عهد فرناندو وايزابيلا؛ لتظهر قوة جديدة إسبانية، نجحت فى الوصول إلى الأرض الجديدة فى امريكا، وكان يمكن أن تسيطر على العالمين، القديم والحديث، لولا أن نافستها انجلترا، وحدَّت من سلطاتها، وسرعان ما سيطرت على النصف الشمالى من الأرض الجديدة؛ لتتحوَّل إلى قوة كبرى، اغترَّت بنفسها، ولم تهتم بصعود قوة أخرى، وهى فرنسا، حتى فوجئت بأن فرنسا تتقاسم معها المستعمرات، وتكاد تتحوَّل إلى إمبراطورية منافسة، لا تغيب عنها الشمس أيضاً ... فى الوقت ذاته، كانت هناك امبراطورية عثمانية تنمو، وتمد نفوذها إلى شرقها وغربها وشمالها وجنوبها، وتتحوَّل إلى قوة عظمى، يخشاها العالم كله، راحت تنافس انجلتراوفرنسا على زعامة العالم، حتى قررَّت ألمانيا دخول اللعبة، وأشعلت الحرب العالمية الأولى، على أمل أن تصبح امبراطورية عظمى، تمتد من الشرق إلى الغرب، وتحالفت معها الامبراطورية العثمانية، وأيضاً على أمل أن تمد نفوذها، ولكن الهزيمة كانت من نصيبهما معاً، لتنهض انجلتراوفرنسا كقوتين عظميين، وتنكمش الامبراطورية العثمانية مع ألمانيا، وتفقدان قوتيهما ونفوذهما .... قبلها حاول محمد على أن يجعل من مصر قوة عظمى، وكاد ينجح فى هذا بالفعل، ويصل بجيوشه إلى الأستانة نفسها، مقر الخلافة العثمانية، ولكن الكل تآزر ضده، خشية أن يهدد امبراطورياتهم فى المستقبل، وأجبروه على التراجع، والاكتفاء بمصر والسودان ... ولقد احتفظت انجلتراوفرنسا بعرش القوى العظمى، من الحرب العالمية الأولى، التى خرجتا منها منتصرتين قويتين، حتى تسَّلم هتلر السلطة فى ألمانيا، كزعيم للحزب النازى، عام 1933م، وبدأ يخطَّط لاستعادة مجد الامبراطورية الألمانية ... اندلعت الحرب العالمية الثانية، عام 1939م، وانجلتراوفرنسا هما القوتان العظميان فى العالم، وانتهت عام 1945م، وقد انقلبت موازين القوى، وصارت أمريكا هى زعيمة العالم، بعد اختراعها القنبلة الذرية، أعظم وأقوى سلاح عرفه العالم عسكرياً، حتى هذه اللحظة، وسرعان ما لحقت بها روسيا، التى صارت الاتحاد السوفيتى، عندما فجَّرت قنبلتها الأولى، عام 1949م، لتتقاسم القوتان العظميان العالم، عبر الأسلوب الاستعمارى الحديث، الذى لا يستخدم حرب السلاح العسكرية، وإنما الحرب الاقتصادية والاجتماعية ... أمريكا وعت درس التاريخ، وسعت لأربعة قرون، لإسقاط الاتحاد السوفيتى، دون أن تحتاج إلى شن حرب عسكرية، أو تضطر إلى مواجهة حربية، حتى نجحت فى هذا عام 1991م، وربما كان هذا السقوط هو أول اختبار حقيقى، لما يمكن أن تفعله حروب الجيل الرابع ... والمؤامرة الأمريكية المعلنة هى جزء من منظومة كبيرة، تسعى من خلالها الولاياتالمتحدةالامريكية؛ لضمان عدم نهوض أو نمو قوى عظمى جديدة، قد تصير منافسة لها مستقبلاً، أو طامعة فيها، ساعية لإسقاطها، كما فعلت هى مع الاتحاد السوفيتى من قبل .... أمريكا إذن لا تفعل هذا من منطلق شرير أو شيطانى، وإنما من منطلق أمن قومى بحت، ولكن مشكلتنا أننا دائماً نغضب؛ لأن أمريكا ترعى أمنها القومى، دون أن تبالى بنا وبأمننا القومى، على الرغم من أن هذا هو واجب امريكا تجاه شعبها .. أن تحميه هو وتحافظ على أمنه، حتى لو كان هذا عن طريق هدم أمننا نحن !!... ومن غير المنطقى فى الواقع، أن نطلب من غيرنا أن يرعى مصالحنا؛ فكل كيان على الأرض، وكما كان منذ الأزل، يحمى كيانه هو وحده، حتى ولو اضطر لمحاربة وهدم أية كيانات أخرى تهدَّد وجوده، أو حتى قد تهدَّد وجوده يوماً ما ... نحن إذن لسنا أمام نظرية مؤامرة، فى حرب الجيل الرابع، بل نحن أمام مؤامرة واضحة، لم يحاول حتى أصحابها إخفاءها، فالمؤامرة معلنة، بما يتم تداوله عسكرياً وعلمياً، تحت مسمى (الحرب الجديدة)، ويتم تدريسها، وعمل محاضرات علنية لها، فى المعاهد الاستراتيجية، فى كل أنحاء العالم تقريباً، بحيث لم يعد الأمر يحتاج سوى لدراسة كيفية التعامل معها ومواجهتها، وحماية أمننا القومى منها، علماً بان السخرية من نظرية المؤامرة، هى الخطوة الأولى لنجاح المؤامرة؛ لأننا لو سخرنا من فكرة المؤامرة واستبعدناها؛ فسيعنى هذا أنه لم يتبق لنا سوى تصديق كل الشائعات، وترديد كل الأكاذيب، والسعى لخراب وطننا، دون حتى أن ندرى !! والسخرية من نظرية المؤامرة تؤدى إلى خلافات حادة، بين المؤمنين بالنظرية والساخرين منها والرافضين لها، مما يؤدى إلى أهم أسلحة حرب الجيل الرابع .... الفوضى ... وهذا يحتاج إلى حديث جديد.