يتمتع الكاتب السياسي الكبير فهمي هويدي بنظرة ثاقبة للأمور وقد استطاع من خلال كتاباته في الشروق أن يقدم تحليلا وافيا لما تشهده الحياة السياسية في مصر الآن .. تصوير : محمد لطفي لذلك اتجهنا إليه في هذا الحوار لنعرف الكثير من التفاصيل حول مسيرة الاصلاح الاجتماعي والسياسي في مصر بعد ثورة يناير ومدي صحة التهديدات والأصابع الخارجية التي تم التلويح بها لإجهاض عمليات التغيير . * هل أخطأ النظام السابق بكل أجهزته في تقدير قوة الشباب والجيل الصاعد في إحداث التغيير؟ النظام السابق كان عنده أدواته منها مثلا الحكومة الإلكترونية وكنا نسمع ونقرأ كلاما عن أنها تسمع دبة النملة لكن اتضح من أحداث ثورة يناير أن هذا الكلام كان وهما وخداعا حيث إن النظام بالفعل لم ينصت لصوت المجتمع إما متعمدا أو متجاهلا كما أن مبارك نفسه عندما وصل إليه كلام بأن قوي المعارضة تسعي لعمل برلمان مواز بعد كارثة انتخابات مجلس الشعب الماضية فكان رده " خليهم يتسلوا " إذن هذا يعني أنه كان هناك انفصال شبكي بين الحكومة والنظام السابق من ناحية وبين الشارع بكل أطيافه من ناحية أخري . ولهذا لم يعملوا حسابا لقوة هؤلاء الشباب الذين قاموا بالثورة . * في ثورة يوليو 1952 كان لدي القادة العسكريين برنامج إصلاح سياسي واقتصادي واضح لكننا مع هذه الثورة هناك حالة من التشتت في الشارع حول مصير مسيرة الإصلاح فكيف تري هذه الحالة؟ ثورة يوليو قالت إنها ترفض الملك والإقطاع وثورة يناير أعلنت أنها ترفض النظام والطوارئ والدستور بشكله الحالي هناك فارق لكنك ممكن تعمل ثورة فقط علي أساس ' إنت مش عايز إيه ' أو علي أساس ما ترفضه أما ما تريده فهذه شغل النخب والمثقفين وهؤلاء الشباب كانوا يعرفون جيدا ما يرفضونه ويترتب علي هذا الأساس ما يمكن أن يرغبوا فيه من حيث وجود نظام آخر ضد الاقطاع الرأسمالي الذي اتضح في ثروات رجال الأعمال وكبار رموز النظام المنهار وضد الاستبداد واحتكار السلطة وضد الانتخابات المزيفة بحيث يكون هناك في نهاية المطاف نظام آخر وانتخابات أخري حرة ونزيهة . * هل تري أن هناك تراجعا لشعار العدالة الاجتماعية أمام المطالب السياسية في ثورة يناير؟ أبدا الناس طالبت بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وليس من المفروض أن يقولوا كل شيء فكانت هناك منذ البداية قضية أساسية ومحورية يدور حولها الكلام وهذه القضية هي إسقاط النظام برمته وإحلاله بنظام آخر يحقق جميع هذه المطالب . * ما رأيك فيمن يقول إن هناك فراغا سياسيا في الشارع بعد زوال رموز النظام المنهار؟ لن يكون هناك أبدا فراغ سياسي علي الإطلاق مادام هناك جيش ومادام هناك دولة ومحكمة دستورية عليا .. فالمجتمع هو الذي يمسك البلد ويملك زمام الأمور وليس الأشخاص فمصر ليست حظيرة مواش وإنما تضم خيرة الرجال من القضاة والمحامين والمفكرين والشخصيات البارزة فالحياة ليست مظلمة هكذا وأنا شخصيا أري أن الفرغ السياسي كان موجودا عندما كان في مصر 24 حزبا لا يعملون شيئا وعندما كانت العقول معطلة وعندما كانت الحياة السياسية واقفة فهذا هو الفراغ السياسي أما ترك شخص للحكم فهذا لن يؤدي لهذه النتيجة علي الإطلاق . لأن مصر أكبر من ذلك بكثير . * ما رأيك فيمن يقول إن هناك جماعات متطرفة حاولت أن تركب موجة الثورة بهدف أن تسرقها؟ لم يكن يستطيع أحد أن يركب الموجة فهذه حركة شعبية عامة وحدث أن خرجت الملايين عدة مرات إلي الشارع فالموضوع ليس مجرد موجة وإذا كان المقصود هو الإخوان فإنهم قد صححوا موقفهم فالذين قبلوا منهم الحوار لم يكونوا هم الموجودين في ميدان التحرير الذين أصروا علي موقفهم وفيما يتعلق بالسلطة فسوف يكون هناك انتخابات وشرعية . * هل استشعرت أنه كانت هناك مخاطر أجنبية تهدد مصر بعد خلو مقعد الرئاسة حسبما ردد النظام السابق؟ هذا كلام معيب تماما حيث إن بقايا النظام المنهار كانت تسعي لإخافة الناس بعفاريت أصلا مش موجودة فإذا تكلمنا عن إسرائيل سنجد أنهم يتابعون الموقف عن كثب وأنا أعرف أنهم قلقون لكنهم يرغبون في أن يعرفوا هل القيادة الجديدة في مصر التي ستأتي عاجلا أم آجلا ستلتزم ببنود معاهدة السلام أم لا وإن لم تلتزم فلن يكون بمقدور إسرائيل أن تفعل شيئا أيضا أما الكلام عن إيران أو حزب الله أو خلافه فكل هذا في تقديري كلام مختلق وليس له أساس من الصحة في مجمله اللهم إلا اللعب علي وتر الاستقرار . * رغم أننا نعيش في فقر وبطالة ومشكلات اجتماعية مزمنة .. لماذا تحرك الشارع عندما حدثت أزمات سياسية في الأساس وهل صحيح أن الدافع السياسي أقوي من الدافع الاجتماعي في هذه الثورة؟ الثورة هي نتيجة تراكمات سياسية واجتماعية واقتصادية عديدة ولكن القاسم المشترك في كل ذلك هو الإهانة السياسية .. الشاب وائل غنيم نفسه عندما خرج قال إنه يملك أحسن سيارة وإنه يعيش في أحسن حال لكن هناك حالة من التهميش السياسي والاجتماعي وهذا أخطر بكثير من أي اعتبار خاصة في المجتمعات الحديثة التي تبحث عن التحرر . أيضا كانت هناك حالة غضب موجودة في كل القطاعات وهذا الغضب كان نذيرا للثورة . * مستقبل مصر بعد هدوء عاصفة الثورة كيف تراه؟ مستقبل مصر مرهون بإرادة أبنائها في المقام الأول وتوقعاتي كلها مرهونة بمدي ثبات الشباب لأن هؤلاء هم القوة الحقيقة بل والوحيدة في مصر الآن والمستقبل لكي يكون أقوي يجب أن ندفع وأن نقدم الكثير مما نملك . * في تقديرك كيف سيحكم التاريخ علي الرئيس السابق حسني مبارك؟ أنه كان ظالما بأكثر مما كان مظلوما وستكون هناك محاولات تاريخية لتحسين صورته وسيكون في هذه المحاولات قدر من المغالطات وخصوصا دوره فيما سمي بالضربة الجوية التي لم تكن كذلك حيث كانت مجرد طلعة جوية ولم يكن للرئيس دور بعد ذلك .. يعني ضحكوا علينا ! * التزام الجيش بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية هل يعني ذلك ثباتا في السياسة الدولية المصرية خصوصا فيما يتعلق باتفاقية كامب ديفيد؟ الجيش لم يقل كامب ديفيد تحديدا .. وإنما طبيعي جدا أن يقوم الجيش بعد أي حركة انقلاب أو ثورة تطيح بنظام الحكم بالإعلان عن التزامه بجميع الاتفاقيات الدولية المبرمة وهذا عرف سائد لكن ليس معناه ثبات السياسة الخارجية فالأمر مرهون بتتابع الأحداث . * في البيان الرابع للقوات المسلحة أعلن الجيش أنه يحترم مدنية الدولة في إطارالانتقال السلمي للسلطة المدنية فهل هذا تأكيد كاف علي أن الرئيس القادم سيكون مدنيا؟ مين قال إنه هييجي رئيس مدني؟ المهم قبل أن تقول من سيأتي لابد أولا أن يكون هناك مناخ للحرية يسمح بوجود سلطة وبعدين أيه المشكلة في أن يكون الرئيس عسكريا وعلي كل حال الجيش ليست له علاقة بالسياسة الداخلية فهناك انتخابات وهناك محكمة دستورية تتابع الموقف لكن إذا حدثت فوضي ووجد أن هناك عنادا في الانتقال السلمي للسلطة ووجدت مقاومة فإنه في هذا الموقف يتدخل .