نشر الكاتب الكبير صلاح منتصر فى عموده اليومي بالأهرام " مجرد رأى " مقالاً بعنوان " يا ابنتي " .. وبقدر ما أثار شجوناً وشعوراً بالمواساة لدى الآلاف من قرائه . . تسبب أيضاً فى حالة من القلق لديهم خاصة وأن الكلام كان موجهاً لسيدة مجهولة لم يفضل هو أن يشير إليها صراحة .. المقال حمل خبرة السنين وكان أشبه ببرقية عزاء رقيقة بكلمات مطرزة بأحاسيس طبيعية ومشاعر دينية وإجتماعية .. وحمل نصيحة لكل من فقد عزيزاً لديه بأن يتأمل دنياه وسيجد المواساة الحقيقية في نعم الله عليه .. وفي اتصال هاتفي لبوابة الشباب مع الأستاذ صلاح منتصر .. سألناه عن " الابنة " التى كان يقصدها في المقال ، وكعادته كان رده أشبه ببرقية مختصرة وافية وقال " أعذرونى لن استطيع الكلام عن أي تفاصيل .. هى قريبة لي مرت بظروف صعبة وأنا أردت مواساتها .. يكفيني أن تقرأ هى هذا الكلام والله يكون في عونها ، وشكراً على اهتمامكم " .. واحتراماً منا لرغبة الكاتب الكبير وخصوصياته .. لم نضغط عليه لمعرفة تفاصيل أكثر .. لكن تقديراً لما كتبه سنعيد نشره من جديد .. يا ابنتي .. بقلم: صلاح منتصر ## قد يكون صعبا أن أقول لك لا تحزني , لكن الأصعب تصورك أن تتخلين عن أحزانك ومع ذلك تعالي نحسبها . هل في يدك أو في يد من هو أكبر منك ما يمكنه أن يعيد ما استرده الله واختاره إلي جواره , فلماذا الاستمرار غريقة في بحر الأحزان اذا كانت المشكلة أكبر من قدرات البشر , وإذا كنا جميعا لا نملك أمام مشيئته سوي الاستسلام؟ . من في العالم لم يعرف الحزن ولم يصب في فقد عزيز وغال , ومن في العالم لم تدهمه المفاجأة ببلاء صعب , ومع ذلك هل توقفت بهم الحياة ووصل قطار الأمل إلي منتهاه وأظلمت الدنيا في وجوههم ولم تشرق عليهم شمس يوم جديد؟ لو كل من أصابه ابتلاء أغلق علي نفسه أبواب الحزن وتصور أن هذه نهاية الدنيا لتوقفت بنا الحياة , وتجمدت حركة التقدم والاختراعات , وانطفأ نور الشمس وسط النهار , وجف اللبن في الضروع وأجدبت الأرض عن العطاء , والبشر عن الإنجاب . ولكن من نعم الله علينا أنه عندما أوجد الحزن جعله يولد كبيرا ثم يصغر مع الأيام .. ولكن حتي يحدث ذلك علينا أن نساعد أنفسنا علي النسيان , ليس لأننا نتنكر لما فقدناه وهو غال وعزيز , ولكن لأننا إذا نظرنا جيدا إلي ما حولنا سوف نري ما في أيدينا وما حولنا ما يجعلنا نرضي بما منحنا الله بل ويمكننا أيضا تعويض ما فقدناه .. فالحياة مستمرة ولابد أن تستمر . ولقد أسعدني أنك ذاهبة إلي أداء فريضة الحج وأنك ستهاجرين إلي الله في هذه الأيام المباركة .. وهي فرصة لأن تقفي علي عرفات وتتوجهي خالصة إلي الأكبر الأعظم الخالق الواهب .. فابكي في هذه اللحظات كما تريدين . إغسلي بدموعك صفحة مضت , وفكري كثيرا فيما أعطي لا فيما أخذ , وناشديه الصفح والعفو وأن يساعدك علي رؤية النور لا الظلام , والأمل لا اليأس والابتسامات لا الدموع . وإياك أن تتصوري أن الحزن حب لمن ضاع , بل هو عذاب له ولكل من حولك , ونكران لنعمة الخالق الذي ستتوجهين إليه . فما هو حي وأمامك أبقي , وما يمكن أن يجيء سيكون بإذن الله أجمل .