للشاعر الكبير سيد حجاب كلمات رائعة تغني بها علي الحجار اسمها " هنا القاهرة " يقول في مقطع منها . هنا القاهرة الهادرة السائرة الساخرة هنا القاهرة العاطرة الشاعرة النيرة الخيرة الطاهرة هنا القاهرة الصابرة المنذرة الثائرة الظافرة صدي الهمس في الزحمة و الشوشرة نشا الغش في الوش و الإفترا هنا القرش و الرش و القش و السمسرة تلك هي القاهرة التي وصفها سيد حجاب بتلقائية رائعة وموهبة من الصعب تكرارها ، وهي أيضا قاهرة المعز التي لا تقهر و التي كانت في يوم من الأيام واحدة من أجمل مدن الدنيا و أكثرها رقيا ، فما الذي حدث لتلك المدينة ..و ما الذي أصاب أهلها و جعلهم يقسون عليها بهذا الشكل العنيف ؟! هل هي طفرة جينية أم " وكسة " سلوكية و خيبة لم تكن علي البال ، و ما السبب في حالة البرود و التبلد التي أصابت ناسها ؟! . النهاردة مثلا نزلت الصبح لقيت عربية قافلة علي عربيتي قافلة سودا .. وأنا طبعا مستعجلة علشان الشغل ، المهم بعد أكثر من ساعة من البحث عن صاحبها بلا فائدة ظهر الرجل الهمام و هو شاب لا يتجاوز 35 سنة حاولت أن أمسك أعصابي و أنا اشرح له المصيبة اللي عاملها فيّ وإني " مرزوعة " في الشارع في إنتظار بسلامته ، فكانت المفاجأة أنه لم يعتذر أو يطيب خاطري بكلمتين إنما قال لي " معلش هي الدنيا طارت " ساعتها بجد لم أجد كلمة ينفع أرد عليه بها لأنه مش حاسس أصلا إن فيه مشكلة ، لكن أنا شعرت - خاصة أنني طالما تعرضت لمثل هذا الموقف - بأن هناك من يجور علي حقي و يغتصبة بلا أدني إحساس بالمسئولية ، الله .. ده كده يبقي محمد دياب عنده حق عندما نزع فتيل قنبلة التحرش في فيلمه الأخير 678 ووجه بها صرخة تحذير للمجتمع كله قبل ان تنفجر فينا جميعا ، لكن ما أحب أن أضيفة ان التحرش ليس بالضرورة أن يكون جنسياً أو جسدياً فقط ، فكلمة تحرش في اللغة العربية تعني " أخذ ما ليس من حقك " إذن فكلنا نتعرض للتحرش كل يوم ، وهذه المشكلة ليست صغيرة كما كنا نتصورها ، المصيبة بقي أنه كل ما يطلع فيلم يناقش مشكلة معينة في مصر يطلع معه أيضا من يدعون أنهم حماة الوطن ليدعوا بأنه يشوه سمعة مصر ، وكأن مصر دي بلد إتوجدت علي الخريطة إمبارح علشان يشوه سمعتها فيلم سينما مدته ساعتين ، بالذمة دي مش حاجة تجنن ؟! طيب وفي موضوع التحرش الجنسي تحديدا يا تري من إدعي بأن الفيلم يشوه سمعة مصر عنده فكرة إن القاهرة تعد من اكثر مدن العالم معاناة من هذه المشكلة و إن إول نصيحة توجه للسائحين قبل أن يأتون إليها أنهم لابد أن يأخذون حذرهم من التحرش الجنسي ، وهل يتخيل مدي تأثير تلك المشكلة التي يتصور سيادته أنها بسيطة علي السياحة و الإقتصاد القومي ؟! طيب بلاش دي .. هل وضع نفسه مكان رجل جاءت له زوجته او إبنته او حتي والدته وقد تعرضت لمثل هذا الموقف ؟! لا اظن .. لأنه لو كان شعر بمثل هذا الإحساس المخيف لكان أول من يحاربه . و لو تركنا حكاية سمعة مصر دي علي جنب سنجد من يقول لنا شيئا أخر ..و هو أكيد البنت التي تعرضت لمثل هذا الموقف تستاهل لأنها كانت ترتدي ملابس مثيرة أو تمشي لوحدها وكأن البنات محتاجة لمحرم معها الأن علشان تمشي في الشارع ، و علي من يقولون هذا الكلام أن يعلموا أولا أن الدراسات تؤكد أن 83% من الذين يتعرضون للتحرش من المحجبات و المحتشمات و المنقبات .. يعني الحكاية ليست باللبس ، وحتي لو كان فكل واحد حر في أن يرتدي ما يحلو له بدون أن يتعرض للأذي في الشارع ، و لو كان اللبس مبرراً يصبح من حقك أيضا إذا رأيت محفظة واحد تقع منه في الشارع أن تمد يدك و تأخذها بحجة أنه لم يأخذ باله منها أو كان عليه أن يخيطها في جيبه حتي لا تضيع منه !! . يارب .. إيه اللي حصل فينا .. وما الذي أصاب ضمائرنا وأماتها بالسكتة القلبية ؟! زمان كانت البنات و السيدات يرتدين ما يحلو لهن بدون أن يتعرض لهن أي أحد ، بالعكس كل واحد كان يعتبر نفسه أخاً أو أباً لأي بنت في الشارع ، هذا طبعا ليس مبررا للبنات لأن يرتدين ملابساً قد تكون من وجهة نظر البعض مثيرة ..ولكنه أيضا ليس مبررا للتحرش بهن ، الحقيقة انا لا أستطيع أن أجزم أين المشكلة بالضبط .. هل هي في التربية أم فى مستجدات العصر التي طرأت علينا و ما صاحبها من إنترنت و موبايل و بلاوي سوداء ، و برضه مقدرش أتكلم عن الحل لأنه مرتبط بتغيير ظروف جيل بأكمله ، و ده طبعا هيأخذ وقت طويل ، إذن فعلي الأباء أن يعيدوا النظر في اسلوب تربيتهم لأبنائهم و تحديدا الأطفال الذي لم يتجاوز عمرهم خمس سنوات فلو تعلم الطفل في هذه المرحلة المبكرة كيف يحترم حقوق غيره ولا يأخذ شيئا ليس من حقه ولا يمد يده علي ما ليس له سنجد بعد 20 عاما جيلا كاملا يعرف كيف يحافظ علي حقوق غيره ويصرخ مطالبا بحقه اذا تحرش به احدا ، وساعتها نقدر نغني بقلب جامد " هنا القااااااااااااااهرة " حتي لو كانت مليانه بالغش و الرش و القش و السمسرة.