لا تشبه القاهرة أى مدينة أخرى فى عراقتها وسحرها..لا تقبل اعتذار من يُخطئ وهى القاهرة تعمل بلا توقف! تشبه فى أعين عشاقها امرأة أسطورية لها سحر كليوبترا وصلابة حتشبسوت وثراء بلقيس وعناد شجرة الدر وزهد رابعة العدوية.. وحكايات أكثر من ألف عام شابت خلالها الدنيا بينما لا تزال هى تزهو بشبابها وتقف أمام مرآة الدنيا ترتشف ماء الحياة من شباب عشاقها وتهمس بدلال هنا القاهرة الزاهرة العاطرة.. الشاعرة النيرة .. الخيرة الطاهرة الساحرة. هنا القاهرة. حيث يعيش الملايين.. منهم من تضحك له فى دلال وود وهى تضمه فى حضنها المخملى ومنهم المطحون بين رحى مزاجها المتقلب. وهو الراضى الصابر الصاغر لقدره وهو يرجو منها ابتسامة مستحيلة لا تمنحها إلا للقلة الموعودة بالحظ والجاه والمال.. هنا القاهرة حيث المتناقضات . هى تكتظ بالفنادق الفاخرة الضخمة، والمولات العصرية وأحدث السيارات بجوار عربات الكارو والبنايات العشوائية.. وبجوار باعة الذرة المشوى وحمص الشام وتزهو القاهرة بعلامات العولمة وبجوار كل المتناقضات. تضم القاهرة- فى تسامح- أبناءها وإن اختلفت عقائدهم، فالجميع من رحم واحدة الا من خرج كالابن العاق الجاحد لأمومته وطن. هنا القاهرة المتسامحة المتناقضة فى كل شىء الفقر. والثراء. الحكمة وجنون الأبناء الهمس والصخب مدينة عولمية ولكنها تتمتع بأخلاق القرية. حتى ولو ارتدت أحدث ملابس الغرب مدينة عصبية المزاج .. هنا القاهرة التى كانت حديث الدنيا فى الأيام الماضية به أن اختار أبناؤها الديمقراطية عنواناً للمستقبل وبعد أن قال لا بأعلى صوت لكل من أراد أن يفرض عليه الوصاية. هنا القاهرة حديث الدنيا ومقصد العالم هنا القاهرة التى تسامح أحيانا بعض الأبناء الذين يخرجون عن طوعها ويجرحون سيرتها أمام الميكروفونات ولكنها لا تنساهم فى سجل الأبناء العاقين المارقين العولمة هنا القاهرة حيث مقاهى الليل والتى أصبح اسمها كوفى شوب حيث قرقرة المياه فى الشيشة، مع رنات المحمول الذى ينفق عليه أبناء القاهرة الملايين من الجنيهات وفى الكوفى شوب كل المتناقضات فتجد الحجاب العصرى الذى يفوح بأحدث العطور فى استعراض صارخ للأنوثة والأناقة. أما الشباب الذى أصبح يجيد لعبة العولمة وأهمها الكمبيوتر ويترجم الحياة.. فى وظيفة وشقة وسيارة والجميع ساهرون والكوفى شوب أصبح مقصد الجميع فى مشهد لا يخلو من التناقض حتى فى نوعية المشروبات فتجد الكابتشينو مع الشاى بالنعناع والخروب والدوم والعرقسوس، تماما كما تجاور المسمط بجوار مطاعم البيتز والتيك أواى وأحياء العباسية والوايلى مع مصر الجديدة.. وحى جاردن ستى مع حى المنيرة فالجميع فى حالة سهر وصخب ومع نسمات الفجر تجمع القاهرة فى أحضانها الأشتات هؤلاء عائدين من سهر الملاهى إلى بيوتهم. وهؤلاء ذاهبون مهرولون إلى المساجد لصلاة الفجر. وبجوار تناقضات السلوك تناقضات العمارة فهذه عمارة عتيقة تترحم على أيام ولى النعم الخديو إسماعيل عاشق المحروسة الباريسية وعشوائيات تختفى وراء الأبراج العالية فى قلب الأحياء الراقية.. من الدويقة إلى عزبة بخيت وعزبة خيرالله إلى جوار الإمام الليثى والبساتين إلى أسطبل عنتر وحتى عزبة النصر ومقابر اليهود .. ومع كل هؤلاء البشر المنسيين هناك سكان المقابر من باب النصر حتى مقابر الغفير والتونسى والإمام الشافعى حيث يتجاور الموت والحياة الكاملة والقاهرى هو الوحيد الذى يحتفى بالحياة وسط القبور مثلث السحر هنا القاهرة.. حيث مثلث السحر فى وسط البلد والذى ارتبط فى ذاكرة الصبا بدور العرض السينمائى والمسارح والملاهى والفرجة المجانى التى كانت ملاذنا بعد الزوغان من المدرسة وحيث مقهى النخب والمثقفين والصعاليك ومدعى الفن والثقافة وهنا تحولت مداخل العمارات العتيقة إلى زوايا للصلاة ومخابئ لباعة الشوارع يخفون فيها البضائع الرخيصة خوفاً من رجال المرافق فالقاهرة لا تعطيك مفاتيحها إلا إذا مشيت فى شوارعها وجلست على مقاهيها وتصعلكت بين أزقتها وقرات الفاتحة لأوليائها.. وغسلت همومك فى الحسين والسيدة نفيسة. وحيث الأضرحة ملاذ التائهين هنا شريان الرحمة فى قلب المدينة هنا القاهرة حيث كورنيش النيل والشوارع المطرزة بالحكايات التى تناجى الأرض والسماء، هذه القاهرة الزاهرة الساحرة التى أكدت للدنيا مؤخراً أنها لا تزال تقود الأبناء والأشقاء حتى ولو بلغت الغيرة والحسد حداً يدفع الجميع إلى الصراخ من هذه المدينة التى يحرسها الله والأبناء المخلصون، لا تترك القاهرة بداخلك إلا أجمل الذكريات تتذكرها وأنت تضحك . القاهرة. يا أمى البعيدة.. القريبة.. بحبك .. بحبك.. يا أجمل مدينة سامحينا على عصيانك أحيانا فأنت أكبر منا جميعاً بتسامحك ومروءتك.