كل سنة وأنتم طيبون بمناسبة بداية العام الهجرى الجديد .. وهو يوم لا يجب أن يمر مرور الكرام وإنما يجب أن نتذكر فيه هجرة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قبل 1432سنة من مكة إلى المدينة إيذاناً بأن عهداً جديداً قد بدأ مع انتشار مبادىء الإسلام السمحة فى جميع أرجاء الأرض .. كان الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه قد اختار يوم 16 يوليو من عام 622 هجرية - وهو اليوم الذى شهد هجرة النبى محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة - لإطلاق اليوم الأول من السنة الأولى من التقويم الهجرى والذى يعتمد على دورة القمر ، وكان اختيار سيدنا عمر لهذا اليوم تحديداً له دلالة كبيرة ، حيث اعتبر الهجرة النبوية الشريفة نقطة تحول من عهد الانتكاسة إلى عهد القوة والانطلاق لانتشار الإسلام من خلال المدينةالمنورة . حول أهمية ومكانة هذه المناسبة الدينية يقول فضيلة الشيخ أحمد ترك إمام وخطيب مسجد النور بالعباسية : اليوم الأول من كل عام هجرى يذكرنا بهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث نستلهم منها العبر والعظات لتجديد الدين والدنيا فأحداث الهجرة كلها دروس وعبر تدفعنا للسمو وتدفعنا للعمل والاصلاح النفسى والحياتى والعمل على التغيير من واقعنا ومن ظروفنا ومن معيشتنا للأحسن تماماً مثلما فعل سيدنا محمد فى هذا اليوم المبارك ، وطبعاً سيدنا محمد أسقط عنا الهجرة المكانية وترك لنا باب الهجرة المعنوية مفتوحاً عندما قال فى حديثه " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية " أى أن باب الهجرة من الذنوب إلى التوبة والعمل الصالح مفتوح دائماً والهجرة من الفسوق إلى الإيمان ومن المعاصى إلى طاعة الله ومن البطالة إلى العمل ومن التقدم إلى التأخر ومن الكسل إلى النشاط والهمة .. كل هذه هجرات مطلوبة والهدف الأسمى وراء ذلك هو صلاح حال الإنسان ، كما أن هذه هى الهجرات الباقية وعلينا أن نبادر إليها خاصة وأننا نمر بمنعطفات وتحديات خطيرة . وحول قيام بعض الناس بصيام هذا اليوم تحديداً ظناً منهم بأنه سنة عن النبى صلى الله عليه وسلم يقول فضيلة الشيخ ترك : لم يرد فى حديث أو رواية عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه صام أو أمر بصيام هذا اليوم من شهر المحرم ..ولكن يجوز الصيام فى شهر المحرم كيفما شاء المسلم لأن الصيام فيه مستحب والنبى صلى الله عليه وسلم كان يحب الصوم فيه ومن هنا ممكن أن يصوم المسلم فيه أيام الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر أو أن يصوم أيام الإثنين والخميس على ألا يكون هذا بمناسبة الهجرة ..حيث لم يكن صيام هذا اليوم سنة . وحول أسباب اختيار سيدنا عمر ابن الخطاب ليوم الهجرة تحديداً لاطلاق التقويم الإسلامى بجانب التقويم الميلادى يواصل فضيلة الشيخ أحمد ترك حديثه قائلاً : كان هناك اختلاف بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حول التقويم الإسلامى ، فمنهم من رأى أن تكون بداية التقويم من البعثة ومنهم من رأى أن تكون البداية مع الهجرة فاستقر الرأى على أن تكون البداية من الهجرة وذلك لأنها جعلت الإسلام يتحول من نطاق المحلية إلى نطاق العالمية ومن نطاق أقلية إسلامية ضعيفة إلى نطاق المجتمع الإسلامى القوى ومن نطاق الاستضعاف إلى نطاق القوة ومن هنا يأتى هذا التقويم الذى ينطلق من البداية الحقيقية للمجتمع المسلم القوى فهى كانت نقطة تحول هامة وخطيرة فى مسيرة الإسلام . ونحن يجب أن نحتفل بهذا اليوم باستحضار سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستلهام دروس الهجرة كما قلت . ومعروف أن العام الهجرى يساوى 354 يوماً تقريباً وبذلك ينقص عن العام الميلادى بنحو 11يوما ، ويبدأ العام الهجرى بشهر المحرم وسمى بذلك الاسم لأنه أول الأشهر الحرم التى حرم فيها العرب القتال ، ويليه شهر صفر ويدل اسمه على الخلو بمعنى أن قبائل العرب كانت تخرج فيه للقتال والغزو فكانت تترك بيوتها خالية ثم يأتى شهرا ربيع الأول والثانى وقد جاءت تسميتهما هكذا لأن العرب قد أطلقوا هذه التسمية عليهما فى موسم الربيع ويليهما شهرا جمادى الأول والثانى نسبة إلى جمود الماء فى فصل الشتاء ثم يأتى شهر رجب وهو الشهر الحرام الثانى خلال العام ورجب اسم يحمل معنى الهيبة والتعظيم وفيه حدث الإسراء والمعراج ، ثم يأتى شهر شعبان الذى سمى بهذا الاسم لأن القبائل كانت تتشعب فيه بحثاً عن الرزق ، أما رمضان فقد سمى كذلك نسبة إلى الرمضاء أى شدة الحر ويليه شهر شوال وهو يعنى جفاف لبن الإبل ثم يأتى شهر ذى القعدة الذى كان يشهد قعود العرب عن الحرب فيه لأنه من الأشهر الحرم وأخيراً يأتى شهر ذى الحجة الذى يشهد حج بيت الله الحرام .