ملك القلوب وفارس الطب وصائد الأوسمة وتاجر السعادة وصاحب الأنامل الذهبية .. مكتوب عليه الترحال منذ صغره ، وكأن قدره أن يزرع نجاحه فى كل خطوة ليحصد الملايين الأمل في الحياة ، مرضى القلوب في العالم كله يعتبرونه " المنقذ " ويتساوي في ذلك مشاهير أهل الفن والرياضة والسياسة مع الفقراء والبسطاء الذين لا أمل لهم - بعد رحمة الله أولاً وأخيراً – سوى عبقرية مجدي يعقوب ، فهو بحق فخر لكل مصرى لديه وفاء وانتماء حقيقي لهذا البلد . قليلون جداً في عالم الطب علي مستوي العالم الذين وصلوا لهذا المستوي من العبقرية الممزوجة بالإنسانية والشهرة والتواضع والسيرة الحسنة ، ولد في 16 نوفمبر 1935 بمدينة بلبيس بمحافظة الشرقية لعائلة تنحدر أصولها من أسيوط ، درس الطب بجامعة القاهرة وتخرج عام 1957 وعمل لفترة بمستشفيات قصر العيني ثم واصل دراساته العليا في أمريكا بجامعة شيكاغو ثم انتقل إلى بريطانيا عام 1962 ليعمل بمستشفى الصدر بلندن ، وهو أخصائي جراحات القلب والرئتين في مستشفى هارفيلد طوال 32 عاماً في الفترة من 1969 إلى 2001 ، ورغم نبوغه كطبيب فإنه ضمن أشهر الباحثين في مجال الطب عالمياً مما أهله لرئاسة قسم الأبحاث العلمية والتعليم بجامعة لندن منذ عام 1992، كما عين أستاذاً في المعهد القومي للقلب والرئة بلندن عام 1986 ، لكن مجاله الأبرز كان اهتمامه بتطوير تقنيات جراحات نقل القلب منذ عام 1967، وفي عام 1980 قام بعملية نقل قلب للمريض دريك موريس والذي أصبح أطول مريض نقل قلب أوروبي على قيد الحياة حتى وفاته في يوليو 2005 ، ومن بين المشاهير الذين أجرى لهم عمليات الممثل الكوميدي البريطاني إريك موركامب، وحين أصبح عمره 65 سنة اعتزل إجراء العمليات الجراحية واستمر كاستشاري ومُنظر لعمليات نقل الأعضاء ، وفي عام 2006 قطع الدكتور مجدي يعقوب اعتزاله العمليات ليقود عملية معقدة تتطلب إزالة قلب مزروع في مريضة بعد شفاء قلبها الطبيعى ، فهو لم يقم بإزالة القلب الطبيعي للطفلة المريضة " هانا كلارك " خلال عملية الزرع السابقة والتي قام بها .. لكنه ابتكر طريقة طبية عجيبة نجح خلالها في الابقاء عليه لعلاجه ، وقد حصل على زمالة كلية الجراحين الملكية بلندن ونال ألقاباً ودرجات شرفية لا تحصي من جامعات برونيل وكارديف ولوفبرا وميدلسكس البريطانية ، وكذلك من جامعة لوند بالسويد ولاهور بباكستان وسيينا بإيطاليا . مداوي القلوب قدم أكثر من 400 بحث علمي فى زراعة القلوب ، وأجرى فى حياته المهنية أكثر من 25 ألف عملية عملية قلب مفتوح منها ما يزيد عن2500 عمليات زرع قلب أو قلب ورئتين منذ أولى عملياته فى زراعة القلب عام 1980 ، وهذا اعلى عدد حققه جراج قلب فى مجال زراعات القلب على المستوى العالمى، والمثير للإعجاب أنه ظل يجري هذه الجراحات لمدة 3 سنوات على نفقته ونفقة فريقه ومن تبرعات المرضى لإحجام نظام التأمين الصحى في بريطانيا عن تحمل تكاليفها ، علاوة على أن الدكتور يعقوب قام بأكثر عمليات زرع القلب تعقيدا وله العديد من العمليات المعقدة جدا المسجلة بأسمه يعرفها المختصون مثل جراحة " الدومينو " التي تتضمن زراعة قلب ورئتين في مريض يعاني من فشل الرئة، وفي الوقت نفسه، يؤخذ القلب السليم من المريض عينه ليزرع في مريض ثان ، وأيضا سجل فريق طبي مصري وبريطاني بقيادة الدكتور مجدي يعقوب أول إنجاز فريد من نوعه في العالم بعد أن نجح هذا الفريق في تطوير صمام قلب من خلايا جذعية، ويقول الدكتور مجدي يعقوب أنه في خلال 10 أعوام سيتم التوصل إلى زراعة قلب كامل باستخدام الخلايا الجذعية ، كما تمكن الدكتور مجدى يعقوب من التوصل إلى أسلوب يستبدل بالصمام الأورطى الشريان الرئوى وهو مابعث الأمل فى نفوس مرضى القلب فخر بريطانيا .. وأسطورة الطب منحته الملكة إليزابيث الثانية لقب فارس " سير " عام 1992 ويطلق عليه الاعلام هناك لقب " ملك القلوب " ، كما كانت الأميرة الراحلة ديانا لا تتكلم عنه نهائيا إلا مسبوقاً بلقب " السير بروفيسور " حتى من قبل حصوله علي اللقب الفخرى ، كما فاز بجائزة " فخر بريطانيا " في 11 أكتوبر 2007 والمقدمة على الهواء مباشرة من قناة اي تي في البريطانية بحضور رئيس الوزراء جوردن براون ، وهذه الجائزة تمنح للأشخاص الذين ساهمو بأشكال مختلفة من الشجاعة والعطاء أو ممن ساهم في التنمية الاجتماعية والمحلية ، ورأت لجنة التحكيم ان الدكتور يعقوب قد ساهم بعمل جمعية خيرية لمرضى القلب الاطفال في دول العالم النامية ، ولا يزال يعمل في مجال البحوث الطبية ، وكانت اللحظة الرائعة عندما تسلم الجائزة وسط حضور مئات الاشخاص الذين ساهم في أنقاذ حياتهم ، ورغم إنه كان آخر فائز بوسام قلادة النيل العظمى من الرئيس الأسبق حسنى مبارك يوم 6 يناير 2011 .. لكن هذا للآسف الشديد لا ينفي أن مصر – وطنه – كانت آخر من تذكر تكريم هذه العبقرية الفذة ، وبخلاف تواجده الدائم علي مدي 30 عاماً ضمن ال100 شخصية علمية الأقوى تأثيراً عالمياً .. فقد حصل مؤخراً على لقب أسطورة الطب فى العالم من جمعية القلب الامريكية بشيكاغو وتم اختياره ضمن خمس شخصيات طبية عالمية أثرت فى تاريخ الطب ، فهو ثاني طبيب يقوم بزراعة القلب بعد كريستيان برناري وأجري اكثر من ألفي عملية زرع قلب خلال ربع قرن، كما حصل على الميدالية الذهبية من المؤتمر العالمي لعلاجات القلب ببرشلونة عام 2006 وحرصت الملكة الإسبانية "صوفيا" علي تسليمه الميدالية الذهبية بنفسها تقديراً من جانبها لتاريخه العلمي الكبير ، لكن جائزته الكبرى التى ينتظرها دائماً هي ضحكة طفل ساهم في شفاءه .. وكلمة شكر من أم وأب عادت إليهما الحياة برؤية طفلهما يلعب من جديد . العودة إلي الوطن أكثر من 50 عاماً قضاها ملك القلوب خارج مصر .. لكنه لم يفعل مثل كثيرين حققوا النجاح في الغربة ونسوا أوطانهم ، بل واظب علي زيارة بلاده كل فترة ليجري خلالها العديد من عمليات القلب المفتوح بالمجان ، ورغم أنه تعرض مثل كثيرين من طيورنا المهاجرة للخارج إلي مشكلات في بداية حياته عقب تخرجه من الجامعة .. لكنه لم " يتاجر " بهذه الصعوبات ، وعظمة مجدى يعقوب أنه لم يتأثر مطلقا بما حدث له، ولم تتسلل المرارة إلى نفسه، ولم يترك شيئا يعكر سلامه ولا قلبه الملئ بالحب وعقله الذى يشع عبقرية وصفاء، ولم يترك اثرا على وطنيته الصادقة المعطاءة، لكنه يقول " من السهل جدا أن يقول أي شخص إنهم يضطهدونني وعندما وصلت إلي انجلترا كانوا يقولون إنني أجنبي ولن أحقق شيئا, المهم ألا يجد الانسان عذرا لنفسه ليبرر عدم استمراره في العمل والاجتهاد والتقدم " ، كما ساهم فى تأسيس وحدة رعاية متكاملة فى مستشفى القصر العينى لعلاج التشوهات الخلقية فى القلب ، ورغم أن الدولة لم تطلب منه التوسط مثلاً لحل مشكلة أزمة سد النهضة الاثيوبي .. لكنه من منطلق وطني وانساني استخدم " القوة الناعمة " لمصر وذهب لأثيوبيا ليجري هناك 25 عملية قلب مفتوح مع فريقه الطبي المعاون الذي يضم 12 طبيبًا من أمهر المتخصصين في أمراض القلب من مصر ، ومن هناك طار إلي بورندي ليؤدي المهمة نفسها وينشيء مركزاً لعلاج أمراض القلب بالمجان برعاية مؤسسة "سلاسل أمل" الخيرية التى أنشأها فى انجلترا وتعنى بإجراء عمليات جراحية مجانية لأبناء الدول الفقيرة، وهو ما يمكن اعتباره قوة مصرية ل " دبلوماسية الجراحة " لو صح التعبير ، فهو لا يحتاج إلي منصب أو مال أو شهرة .. لكن رسالته هي تخفيف آلام البشر مهما كانت هويتهم أو ألوانهم أو أديانهم . لماذا أسوان ؟ عشق الأسطورة مجدى يعقوب الطب منذ صغره .. خاصة وأن والده كان طبيباً جراحاً أيضاً ، لكن لماذا جراحات القلب بالتحديد ؟ الحكاية أنه كان يحب عمته بشدة .. وبينما كان عمره 7 سنوات تعرض لصدمة شديدة بسبب وفاتها وعمرها 22 عاماً متأثرة بضيق في صمامات القلب ، وقتها كانت هذه الجراحات تجري في الخارج ولم يكن في استطاعتها مادياً السفر فتوفيت في الصعيد ، ومن يومها قرر ليس فقط أن يصبح طبيب قلب .. لكنه أيضاً لم ينس آلام وضيق حال آلاف المرضي في صعيد مصر .. وظل طوال 70 عامأً يحلم بأن يساعدهم حتى حقق حلمه مؤخراً بإنشاء مستشفى لعمليات القلب في مدينة أسوان بأحدث التقنيات الطبية الحديثة ، وكثيرون لا يعرفون أنه استثمر كل خبراته الطويلة وعلاقاته العالمية فى بناء المركز بتكلفة تتعدى 250 مليون دولار جمعها من اصدقاءه ومتبرعين حول العالم ، والمركز يعتمد حالياً بالكامل علي تبرعات المصريين لمواصلة رسالته في إجراء آلاف العلميات الجراحية سنوياً للأطفال بالمجان ، فهو رسالة محبة وعلم تضع نفسها دائماً في خدمة البشرية .. ورغم هجوم البعض عليه لأسباب " حاقدة " لكن الرجل يفعل حسناً بالصمت .. وهو قليل الاختلاط ولا يورط نفسه فى السياسة نهائياً ويراها " ضارة جداً بالصحة " ، ولا اصدقاء له سوي الفقراء والمحتاجين ، وكما يقولون .. كثيرون جداً علي قيد الحياة .. لكن قليلين جداً علي قيد الإنسانية ، وأحدهم بلا شك هو مجدي يعقوب الذى يتمتع بثقافة راقية اكتسبها من قراءاته واطلاعاته على مختلف أنواع الأدب والفلسفة والفن ، وقد تزوج من سيدة ألمانية الليدي " ماريان " وقد توفيت منذ عامين بعد زواج ناجح دام ل45 عاماً ، ويوم وفاتها قال : لا وقت للبكاء عليها .. ما يسعدها هو أن أعمل لشفاء البشر ورزقه الله بثلاثة ابناء " أندور وصوفي وليزا " .. أندور يعمل طياراً وليزا تعمل اخصائية اجتماعية ، واحدة منهن هي " صوفي " التى اكملت مشواره الطبي وتعمل حالياً طبيبة متخصصة في طب المناطق الحارة بأفريقيا وأمريكا الجنوبية ، والطريف أنها تنافس والدها علمياً حالياً .. فهي تجري أبحاثاً في فيتنام علي فيروس خطير يهدد حياة ملايين الأطفال ، وللدكتور يعقوب كلمة شهيرة يختصر فيها فلسفته في الحياة ، يقول : أشعر بالضآلة أمام كل إنجاز علمي جديد لأن أمامنا الكثير كلمة أخيرة .. مجدي يعقوب عندما كان يأتي إلي مصر ، كان دائم الإقامة في فندق فخم 5 نجوم يطل علي النيل ، ويومياً لم يكن يتناول افطاره من الفندق .. بل يشترى من مطعم قريب ساندوتشات الفول والطعمية ثم " يحبس " بالشاى ليشعر بأنه في مصر .