عقدت كلية الإعلام بجامعة القاهرة ندوة بعنوان "تطور الخطاب الديني" تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمود يوسف وكيل الكلية لشئون تنمية البيئة وخدمة المجتمع، حاضر فيها الأستاذ الدكتور محمد وهدان أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر، وأدارها الأستاذ الدكتور خالد صلاح الدين أستاذ الإذاعة والتليفزيون بالكلية، وحضرها عدد من الباحثين وأعضاء الهيئة المعاونة بجامعتي القاهرة والأزهر، وعدد من طلاب كلية الإعلام بجامعة القاهرة. كتب: محمد وليد بركات وخالد جلال وقد أشار الدكتور وهدان إلى أن الخطاب الديني الإسلامي يحتاج إلى تجديد حقيقي، ويواجه ظروفا صعبة، وإلى أن المسلمين ظلموا الإسلام حين قدموا صورة سيئة عنه، وحين خالفوا القرآن والسنة، لافتا إلى أن بعض العلمانيين يطالبون بهذا المطلب وما يلحقه من تغيير مناهج التعليم؛ إرضاء للغرب وتجفيفا لمنابع التدين الإيجابي، ولذلك فهو "حق يراد به باطل". وشخّص وهدان مشكلة الخطاب الديني الإسلامي في إهمال فقه الأولويات، وإغفال القضايا الهامة والعاجلة كالانهيار الإخلاقي وإهدار المياه وغيرها، لمصلحة الأمور الهامشية والتافهة، كفتاوى إرضاع الكبير، وأكل البيض الملون، وهدم الهرم! مضيفا أن المشكلة الثانية تتمثل في إفتاء غير المتخصصين في الدين، وتصديهم للفتوى بغير علم، مُدينا "شيوخ السراديب" الذين تعلموا الدين في القرن الأول الهجري، ثم هاجموا علماءهم وشيوخهم! كما أشار إلى أن من ضمن مشكلات الخطاب الديني الدعاء على غير المسلمين، مشيرا إلى الآية الكريمة: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين". وأضاف أن توظيف النصوص الدينية في الدعاية السياسية أمر مرفوض شكلا وموضوعا، "فالدين مقدس وثابت والسياسة بشرية ومتغيرة". وقدم وهدان في ختام الندوة "روشتة" علاج الخطاب الديني، فأكد على أن أول طريق الحل يتمثل في تولى المتخصصين من علماء الأزهر الشريف مسئولية الفتوى، لضمان أن تقوم الفتوى على أساس علمي وفهم عميق لمقاصد الشريعة وعلات النصوص وأسرار اللغة العربية، مذكرا بحديث للإمام محمد الغزالي رحمه الله حين قال: "أتعجب من أن بعض الذين لا يحسنون قراءة صحيفة أو مجلة يجتهدون ويتجرأون على كتاب الله"، كما فرق بين مفهومي الفتوى والدعوة إلى الإسلام والتي يمكن لكل فرد مسلم أن يقوم بها بقدر استطاعته، لافتا إلى أنه من الواجب استعادة الثقة بين العلماء والعامة، وهذه مشكلة حقيقة نشأت بسبب فتوى غير المتخصصين. .. وفي إجابته عن سؤال مراسل "الشباب" قال وهدان أن عدد الطلاب بجامعة الأزهر يقرب من نص مليون طالب، وأن الطلاب المشاغبين والمخربين الذين يعملون لمصلحة جماعة الإخوان المسلمين لا يمثلون أغلبية بين طلاب الجامعة، وأن عددهم يتراوح ما بين خمسة وعشرة آلاف وهو ما يعني أنه لا يمكن تشويه سمعة الأزهر كمؤسسة دينية عريقة بسبب قلة ضلت الطريق. كما أشار إلى دور القنوات الفضائية في الدعوة إلى الإسلام بشكل سليم شريطة أن يتولى المتخصصون القيام بهذا الدور عبر برامج مسموعة ومرئية مناسبة، لافتا إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه في إعادة العامة إلى الحق الذي لم يأنف الخليفة عمر بن الخطاب نفسه في الاعتراف به بالعودة إليه والتراجع عن خطأه علانية، مشيرا إلى أن الأزهر الشريف بصدد إطلاق قناة فضائية تعبر عن منهجه الوسطي. كما أعرب عن أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه خطبة الجمعة، بما تمثله من فرصة ممتازة للدعوة. وفي نهاية كلمته ناشد وهدان شعب مصر العمل الجاد والمخلص، والتوقف عن الجدل العقيم، مشيرا إلى مكانتها في القرآن، وإلى أنها البلد الوحيد الذي تجلى الله عز وجل عليه، وسار على أرضها الكثير من الأنبياء والصحابة. وفي نهاية الندوة أكد الدكتور محمود يوسف على أن "فصل الدين عن السياسة" تعبير غير سليم، لأن الدين ينظم كل مجالات الحياة، ويدخل في كل تفاصيلها، مصداقا لقوله تعالى: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين"، أما غير السليم فهو التوظيف السياسي للنصوص الدينية، كما أشار إلى أن وسائل الإعلام لعبت دورا في حالة الانهيار الأخلاقي في المجتمع، لافتا إلى أن عودة منظومة القيم مسئولية الأسرة والمسجد والكنيسة والأحزاب والنخبة والإعلام معا.