اغاظنى جدا الشيف اسامة السيد... عندما أخذ حلقة كاملة من برنامجه التلفزيونى بدوله خليجية فى وصف كيفية حشو الاوزى بالمكسرات والارز البسمتى الفاخر .. وفيما يبدو انها وصفة عليها الطلب ..وإلا الشيف ماكانش يتعب نفسه و يشرح باستفاضة كيفية عمل هذه الطبخة و هو يجيب على استفسارات سيدات من كل دول الخليج اثناء قيامه بالعمل .. مما يثبت ان تلك الوجبة مطلوبه وليست حلقة من الخيال العلمى . وما اغاظنى ليس تخيل غنى الناس اللى بتحشى الاوزى ..جوز ولوز.. وبندق.. وفستق..وصنوبر.. وكاجو ..وزبيب .. إلخ...ولا افرانهم الديجيتال اللى بتساع بسلامته.. ولا السرفيز الاستانلس المذهب .. اللى بيتحشكل عليه الباشا بعد خروجه موهوج من الفرن.. وينام فوقه ..ولا اجدع ممثلة اغراء وهو يكاد يتأوه ..:" قطعنى حته حته ..انا كان حايكلنى واحد ..دلوقتى ياكلنى سته " فتلك مقدرات وارزاق.. ولا مجال للحديث عنها الآن . وانما استفزيت من سؤال منى.. ليا.. اغاظنى من نفسى : لما هم بكل الغنى ده..سايبين ستاتهم تقف فى المطبخ ليه تشيل وتحط وتقطع وتحضر وتحشو؟؟؟ إيه؟؟مش قادرين يجيبوا طباخ ؟؟ ولقيت نفسى حاروح فى سكة من التعاطفات ملامحها مريبة من البداية.. قلت لنفسى.. تعاطف بتعاطف ..ماتحرميش نفسك من حاجة..وروحت جرانى على ترابيزة السفرة..وزيحت المفرش من فوق البنورة وللمرة الالف قعدت أ قرأ تقرير الأممالمتحدة عن التنمية البشرية لعام 2007 والذى يذكر فيه أن 14 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر، بينهم أربعة ملايين لا يجدون قوت يومهم..وطبعا التقرير ده كنت محنطاه تحت لوح الإزاز قال إيه كنت باروّض نفسى الأمّارة بالسوء.. علشان كل ما أقعد هنا أكل .. وتكون السفرة عمرانه بالمحمر والمقنبر..اتذكر ان لى اخوة فى الوطن مش لاقيين يتعشوا..واحمد ربنا واختشى على دمى واتبرع لصندوق الطعام بما يوازى تمن ما سيسرى ويمرى عليا من لقمة هنية واخدتنى حالة تأمل فقرية .. نسبة الى الفقر وبلاوية..استشعرت فيها ان هناك ثقافة الفقر.. وهى بالمناسبة متوارثة ومتجدده .. منها الحكم والامثال مثل : الفقر حشمة..وفقير بلا ديون سلطان... ومنها الاغانى مثل اغنية عالبساطة وغدينى جبنة وزيتون وبتعشينى بطاطا ونومة حلوة وهنيه ولو كانت فرشتنا بلاطة..واشياء اخرى خلقت لعالم الفقر كيانا لترسخ وجوده بدلا من مقاومة انتشاره.. حتى الفقراء انفسهم بيتعاملوا مع الفقر تعاملهم مع العاهة المستديمة.. او القدر..وياثواب الصابر عليها فيتحايلون عليه من منطلق الحاجة أم الاختراع ..فكما رأيت معوقون جسديا قهروا عجزهم وتفوقوا على الاصحاء بتفجير قدرات بداخلهم اذهلت الجميع ..وجعلتهم فى مقدمة المبجلون المفتخرون بقدراتهم تلك حتى انهم يصرحّون متباهون: معوَّق .. وافتخر .. رأيت كذلك تعامل الفقراء مع عاهة الفقر من نفس المنطلق.. ويستطيع الفقير ان يفجّر بداخله طاقات .. لكنها سلبيه... ومش بعيد ييجى الوقت اللى يكون شعار كل مجتهد فى مواجهة فقره ..ان يقول بتعالى " فقير.. وافتخر" .. وبكده بيظن الفقير خطأ ان تعايشه مع الفقر انتصارا عليه..بينما ان التعايش السلمى هذا يؤدى لمزيد من الاغراق فى الفقر. .حالة التأمل دى سحبتنى لحالة تخيل .. حيث تخيلت وجود انظمة غير مدونة فى العالم الفقرى ده.. مثل نظامى الاستغناء.. والاستبدال ..وهما تقريبا وجهان لعملة واحدة بمعنى :اللى ما تقدرش توصل إليه..استغنى عنه ..او استبدله ... وهكذا يتحور الفقير ليلائم بيئته .. تماما زى ما بتتحور النباتات بهبة من خالقها لتحيا فى بيئتها المجبرة عليها . وبالطبع اهم مشاكل الفقر هو الغذاء ..وهنا يتم تطبيق نظرية الاستغناء والاستبدال فى نفس الوقت.. اى " نظرية الاتنين فى واحد"..فيتم مثلا الاستغناء عن اللحوم.. واستبدال احتياج الجسم للبروتين الحيوانى ببروتين نباتى ...والبديل النموذجى هنا بالطبع هو "الفول".. بل والابداع والتفنن فى تنويع طرق تقديم الفول.. فهناك الفول المدمس المكمور فى افران.. والفول النابت المسلوق فى شوربته..وفول البيصار المهموك مع الخضر والبصل.. والفول المقشور بصلصة الطماطم..والفول المدشوش الاساسى فى عجينة الطعمية..والفول الحراتى الاخضر ..اى انه تحول الى نبات "فول اوبشن" متاح لكل الاوقات والاغراض.. مرة تانية حسيت انى مستفزة .. بس المرة دى مش من التعاطف مع الفقير.. انما مستفزة من سلبية التعامل مع الفقر..دولة وافرادا.. التقرير بتاع الاممالمتحدة إياه ذكر ان مصر محتلة الترتيب رقم 111 بين دول العالم فى الفقر ..يعنى إيه؟؟ ناقص يطلع لنا مسئول يسخن دماغنا بكلام شايط ويقول الهمه يامصريين شوية.. ننشط اكتر عاوزين نكون من العشرة الاوائل على العالم فى الفقر؟؟؟؟ وطبعا اغنية المصريين اهمه.. حاتكون خلفيه حماسية لنداءه.. .. طيب والحل؟؟ اهو السؤال ده بجد.. اكبر سؤال استفزيت نفسى بيه.. وده اللى فوقنى من تأملاتى الفقريه وخلانى شخطت فى نفسى التى انتفضت من غضبتى عليها وانتصبت لتعى ما سألقيه على مسامعها...وكاننى ادينها لا اجادلها صرخت فيها : انتى فى بلد النيل بيجرى فيها من نص مليون سنه.. ولو ماسورة بترشح على حيطه.. ولا تكييف بينقط على ارض.. فوتى عليهم بعد كام يوم.. حاتلاقى الخضرة نبتت تحتهم... تراب البلد دى خير ومايتها المحاياه... نبنى ليه فى الارض السمرا... ونهدر مايتنا فى الصحرا..؟؟ قال ايه عاوزينها تبأه خضرة...حد يبنى عالنيل ويرش فى الصحارى؟؟ تقوليش الرومانسية واكلانا اوى ..هو غذاء الروح لمليون غنى اهم..ولا طلوع الروح للملايين اهم. ؟؟ ولاّ يعنى علشان كام نفر يفتح عيونه الصبح على نيل مصر الخالد.. يقوموا الاربعتاشر مليون ما يلاقوش غداهم وعشاهم؟؟ وعلى اى حال لسه الوقت ما راحش مننا .. الحل فى بناء مدن منتشره افقيا فى الاراضى الصفراء.. افضل من الانتشار الرأسى فى الاراضى السمراء ..مجتمعات بلا زحام مكتفية اداريا واجتماعيا اكتفاء ذاتى بنفسها .. حاتحل ازمات كتيرة.. وحاتعيد ترتيب الاوراق بشكل صحيح..الحل متاح. وتنفيذه محتاج عزم وصبر واصرار..محتاج فقط نصف ما تم بذله فى الحفاظ على مستوى الفقر اللى وصلنا له .. كلنا عارفين المشكلة وعارفين الحل انما على رأى المثل: اللى مايشوفش من الغربال يبأة اعمى............ وكلك نظر .