بعد عودة ايمن من زيارته للولايات المتحدةالامريكية، رفضنا اسلوبه معنا، فقد اقسم باغلظ الايمان انه لن يتناول اي شيء من يدي "امه"!والسبب أن الاكل الذي اعتاد علي تناوله في البيت طعمه "مش حلو" كما أن عصير المانجو الذي يحبه وتحتفظ ست الحبايب له بكميات كبيرة في الديب فريز مذاقه (مش اللي هوه) نتيجة التخزين، وكذلك كميات الاسماك واللحوم المخزنة! والحكاية باختصار أن ايمن تذوق في رحلته الامريكية "الايس كريم" و"المكرونة الاسباجيتي" من مطعم امريكي يتفنن في الطبخ بتقنية وصيحة اوروبية -علمية يقول عنها انها مستقبل الطبخ في القرن العشرين اسمها (المطبخ الجزيئي ) أو كما يقول الفرنسيونLa Gastronomie moleculaire حيث تعتمد تقنية "الطبخ الجزيئي " علي الطهي بمواد كيميائية معقدة وخطرة ك" النيتروجين السائل" و"الأكسجين السائل" و "الازوت" لإنتاج قائمة جديدة من الاطعمة لم نعتدها من قبل و تختلف جذريا عن مواد الطبخ التقليدي ! والنتيجة مذاق طبيعي، خيالي وشهي للاكل ولذة مابعدها لذة. وقد رسم أيمن ما راي ثم قال، مطبخ المطعم يشبه معمل التجارب، الشيف يختفي وسط سحابة من الدخان وهو يسكب "النيتروجين السائل"من علبة معدنية كبيرة مرتديا نظارات امان بلاستيكية. والنتيجة وجبة حسب خيالك، يعني مكرونة بطعم الفراولة أو المانجو! وبيتزا بمكونات لم تكن تتخيل انها يمكن أن تجتمع مع بعضها وبمذاق لايوصف !
اسرار المطبخ الجزيئي : تنتشر فنون "الطبخ الجزيئي" في أكثر المطاعم شهرة في العالم وبين انامل طباخي زعماء ومشاهير العالم، ومع هذا فلكل شيف طريقته في الابتكار، فهم يبتكرون وجبات لم تكن تخطر علي بال بعد تحليل التركيب الكيميائي للاغذية فالاغذية المتشابهة في تركيبها الكيميائي يمكن أن تكون وجبة جديدة بطعم غير مسبوق. لكن يبقي هناك اسس واسرار لهذا العلم( الفن الوليد) "الطبخ الجزيئي" وهو استخدام النيتروجين السائل، أوالاكسجين السائل، أو الازوت للطبخ عند درجة حرارة قريبة من الصفر المطلق ( اي درجة حرارة تبلغ 273 تحت الصفر) وهذا ما يفسر أن الاغذية تحتفظ بطعم حقيقي وغير مسبوق.علي عكس الاغذية التي نحفظها في الثلاجة أو الديب فريزي والتي يتغير طعمها بعد فترة (كالمانجو) أو حتي الاسماك واللحوم. وبالتالي فإن تقنية التجميد الشديدة تنتج مواد جديدة بالاساس ستجدها شبيهة ببياض البيض لكنها ليست كذلك كما انها تعطيك حرية اختيار لتصنيع المعكرونة الخاصة بك بالطعم الذي تحبه فكل شيء هنا مدروس بالنسب عبر انبوبة الاختبار واي خطأ أو اسلوب غير احترافي وعلمي في الطبخ يعرض المطبخ والطاهي للانفجار!
وجبات مجنونة : الطباخ الاسباني الشهير "فيران ادريا" يعتبر رائداً في تطبيق هذا العلم حيث يستخدم علوم الفيزياء والكيمياء لتطبيقها علي الاغذية. ويستخدم الازوت الذي يصبح سائلا علي حرارة 200 درجة مئوية تحت الصفر تقريبا، خصوصا في المثلجات والايس الكريم. ومن اجل ابتكار وجبات غير تقليدية مثل الجمع بين السبيط (الكالماري) المحمر والبطيخ والشمام، "يحلل" ادريا التركيب الجزيئي للمكونات "بمطياف" يعمل بالاشعة تحت الحمراء! وجهاز يعمل بالرنين المغناطيسي النووي، وهي معدات يستخدمها عادة باحثو الفيزياء والكيمياء التخليقية. وهو يعتقد أن الاطعمة ذات التركيب المتشابه يمكن أن تتوافق معا بصورة جيدة.ويلتقي ادريا اسبوعيا لبحث المشروعات مع انجيلا بوفون وهي بروفسور زائر للكيمياء العضوية في جامعة سوفولك وشريك في تجارب مافيو في مجا الطهو. ولاعداد طبقه المميز من "كبد الاوز الممزوج ببيضة ذهبية عيار 24 قيراط" يستخدم ادريا برميلا صغيرا من النيتروجين السائل وهو غاز يستخدم بصورة اشيع لعلاج بعض الامراض الجلدية. وتوضع كبدة الاوز المحمرة علي قطع بيضاوية منفوخة من حلوي اللارنج المصنوعة من مزيج السكر وبياض البيض المخفوق ثم توضع في كريما مخفوقة بعض الشيء قبل أن تغمس في النيتروجين السائل.ويتسبب الغاز الذي تبلغ درجة برودته 184 درجة تحت الصفر في تجميد فوري للكريما مما يؤدي الي تكون نسيج يشبه قشرة البيضة. وباستخدام محقن يقوم ادريا حينئذ بحقن عصارة المانجو الي حلوي اللارنج التي تغمس حينئذ في الحمام البارد.وكلمسة اخيرة يتم لف البيضة في ورقة ذهبية عيار 24 “قيراط” وتوضع علي طبق وحين يحدث شق في قشرتها تتسرب منها عصارة مانجو مثل صفار البيض.
اتساع ومعارضة: تشهد "ليون" عاصمة فنون الطبخ في فرنسا والعالم، افتتاحات عديدة لمطاعم من هذا النوع، ونصيحة قم بزيارة موقع الطاهي الفرنسي برتراند سيمون أول من بدأ العمل علي تسهيل وصفات تحضير المطبخ الجزيئي www.chefsimon.com ورغم الفوائد الصحية والجمالية المرحة لفن الطبخ الجزيئي الا انه يجد معارضة كبري في انتشاره فمعارضو هذا المطبخ الجديد، يتحججون بأنه، ليس في متناول البيوت أو العامة من الناس. إذ يصعب فعليا، الحصول علي مواد مثل النيتروجين السائل والأكسجين السائل وغيرها من مواد كيميائية معقدة جدا، ويعتبر من المستحيل العثور عليها خارج مراكز الأبحاث. كما أن استخدامه للبيض في معظم الوصفات، يعرض الناس للاصابة بداء السلمونيلا الذي يصيب حوالي 40 ٪ من الذين يتناولون البيض المصاب، وذلك في أوروبا وحدها. كما انه حتي الآن لاينبغي علي البيوت أو غير المتخصصين تجربة فنون الطهي الجزيئي في المنازل، والا تعرضوا لخطر بالغ، فمؤخرا وفي احد ضواحي برلين فقد شاب في ال24 يديه في انفجار تسببت به محاولته الشخصية لاستخدام الأزوت السائل فلم يتبق منه سوي ملابسه الممزقة ويديه المبتورة. ومع ذلك فإن فن الطبخ الجزيئي يأخذ حظه بالمزيد من الانتشار، مع خاصية صعوبة شرح عملية تحضير طبق معين بهذه الطريقة لما تستلزمه من تفنيد وشرح مسهب للعمليات الكيميائية، التي، وإن كانت لا تتدخل بشكل مباشر في الطعم، إلا أنها تصنعه.
مستقبل جزيئي: ثمة دراسات تفيد بأن هذا النوع من الطبخ" الطبخ الجزيئي " بدأ في عصر الفراعنة علي جانبي نهر النيل في عهد الأسرة الثامنة عشرة 1550 1307 ق.م وهي الأسرة التي خرج منها الفرعون الشهير أمنحوتب الرابع المعروف باسم “إخناتون” زوج الملكة الشهيرة نفرتيتي. وتستند هذه الدراسة علي الطريقة التي ابتكرت في ذلك الوقت في عملية (تخمير اللحم) التي كانت تخضع لمعايير كيميائية بدائية معقدة. وتشير دراسات قام بها عالم الفيزياء النووية الانجليزي ذو الاصول الهنغارية نيكولاس كورتي (1908 - 1998 والذي كان صاحب الفضل في اكتشاف المطبخ الجزيئي إلي أن التسمية "الطهو الجزيئي" تعود إلي ما يسمي علميا البيولوجيا الجزيئية. يقول الاسبان والفرنسيون ومعهم الامريكان والطليان أن الطبخ الجزيئي أو المطبخ الجزيئي هو بلاجدال مستقبل الطبخ وكل ما يقدم علي الفضائيات الآن من برامج وقنوات طبخ مع احترامنا لها هي "old fashion " وصيحات مستهلكة.صحيح أن الطبخ الجزيئي لم يصل بعد الي الصفر المطلق أو "درجة حرارة 273 تحت الصفر" الا انه اقترب منه وهو مايجعل هذا المطبخ العلمي بلا نظير،ويفسر تزايد اعداد المهووسين باطعمته حيث المشهد المميز بتحول متناول هذه الاطعمة الي مصنع دخان فبعد تناوله للطعام يخرج من فمه وانفه دخان ابيض كثيف كدخان الحريق وكانت هناك حريقة في (الزور أو الحلق) والواقع أن الاكل بارد مثلج وشهي !