في ظل الأحداث المتسارعة في مصر والعالم العربي، وفي ظل الأنفاس المحبوسة حينا واللاهثة أحيانا خلف قطار الوقائع والقضايا يجب ألا ينسينا كل هذا عمليات التهويد المستمرة في القدس، والمساعي الخبيثة لإسرائيل لطمث الهوية العربية للأراضي المقدسة، في محاولة دنيئة لسرقة التاريخ والحضارة كما سرقت الأرض والجغرافيا. تحل علينا في الخامس والعشرين من فبراير 2014 الذكرى العشرين لحادث الحرم الإبراهيمي عام 1994 في مدينة الخليل الفلسطينية التي راح ضحيتها 33 مصليا وإصابة وإصابة أكثر من 300 آخرين عندما فتح عليهم المستوطن الإسرائيلي الجنسية الأمريكي الأصل باروخ جولدشتاين المنتمي إلى حركة (كاخ) المتطرفة النار من بندقية آلية أثناء صلاة الفجر بحرم المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل بالقدسالمحتلة في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، قبل أن ينقض عليه بقية المصلين ويقتلوه، وقد تواطأت قوات الاحتلال معه عندما سمحت له بدخول الحرم أثناء الصلاة وبحوذته تلك الأسلحة. وبعد انتهاء المذبحة أغلق جنود الاحتلال الموجودون بالحرم أبواب المسجد لمنع المصلين من الهرب، كما منعوا القادمين من خارجه من الوصول إلى ساحته لإنقاذ الجرحى، وخلال تشييع ضحايا المجزرة، قام الجنود الإسرائيليون بإطلاق الرصاص على المشيعين، الأمر الذي زاد من عدد الضحايا حتى وصل إلى ما يزيد عن 60 شهيدا. وعلى إثر هذه المذبحة تم إرسال ما أطلق عليه الوجود الدولي المؤقت في الخليل، بهدف القيام بأعمال المراقبة والمتابعة وكتابة التقارير. .. وعلى إثر المذبحة البشعة سادت حالة من التوتر والغضب والغليان فى مختلف أنحاء الأراضى المحتلة ووقعت مصادمات عنيفة بين الجانبين، كما حاصر الجنود الإسرائيليون المخيمات والقرى الفلسطينية، وقد عقد مجلس الأمن جلسة طارئة بناء على طلب ياسر عرفات لحماية الشعب الفلسطينى بعد المجزرة ولاتخاذ خطوات عاجلة لوقف المذابح ضد الشعب الفلسطينى، وللعمل على تهدئة الوضع عينت حكومة الإسرائيلية لجنة لتقصي الحقائق أطلق عليها لجنة (شمغار) ضمت عددا من الشخصيات الصهيونية ومؤسسات إنسانية أخرى، وقد خرجت اللجنة بعد عدة أشهر على تشكيلها بقرارات هزيلة تدين الضحية، وبعد إغلاق البلدة القديمة في الخليل لأكثر من ستة أشهر تم تقسيم الحرم الإبراهيمي إلى قسمين، يسيطر الإسرائيليون على القسم الأكبر، فيما يخصص الجزء الآخر للمسلمين، ويستخدم المستوطنون الإسرائيليون المسجد بكامله خلال الأعياد اليهودية ولا يُسمح فيها برفع الآذان في الحرم أو دخول المصلين المسلمين. وتعد هذه المذبحة أسوأ مذبحة ضد الفلسطينين منذ حادث مذبحة مسجد قبة الصخرة في أكتوبر 1990، والذي أسفرت عن استشهاد 18 فلسطينيا.
وعلى شاكلة أبيه وفي خطوات عنصرية متسارعة يقوم المستوطن إلياهو باروخ جولدشتاين نجل منفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي بأعمال عدوانية منظمة يوميا في المدينة، ويترأس جولدشتاين مجموعات من المستوطنين القاطنين في "كريات أربع" وبيت هداسا وبيت رومانو والمستوطنات المحيطة بالخليل مثل كارمي تسور وماعون وحاجاي وغيرها، وينطلق برفقتها للاعتداء على السكان الفلسطينيين في البلدة القديمة بالضرب ورجم بيوتهم بالحجارة، كما تعمل هذه المجموعات على بناء بيوت ومنازل بطريقة خاطفة على أراضي الفلسطينيين تحت حماية الشرطة والجيش الإسرائيليين. ويعد الحرم الابراهيمى أقدم مساجد مدينة الخليل، وأبرز ما يميّزها، ومن أهم الأماكن المقدسة لكل من المسلمين واليهود، للاعتقاد القوي بوجود جثمان النبي إبراهيم الخليل عليه السلام فيه، ويحيط بالحرم سور كبير يرجح أن أساساته بنيت في عصر هيرودوس الأدوي قبل حوالي ألفي عام، كما تعود الشرفات الواقعة في الأعلى إلى العصور الإسلامية. .. كما تقع مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربيةالمحتلة، وتبعد 35 كيلومترا عن جنوب مدينة القدس، وتعتبر من أكبر المدن الفلسطينية من حيث عدد السكان حيث يزيد عدد سكانها على ثلاثمائة ألف نسمة، جميعهم من المسلمين، كما تعد من أكبر المدن الفلسطينية من حيث عدد المساجد بعد مدينة غزة، وهي مركز محافظة الخليل، التي يتبع لها مائة قرية فلسطينية، ووقعت الخليل شأنها شأن المدن الفلسطينية بالضفة الغربية تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، وقد استشهد الكثير من أبنائها في المعارك التي خاضوها ضد قوات الاحتلال، وخلال الانتفاضات التي أطلقها الفلسطينيون سعيا لنيل حريتهم والحصول على دولتهم المستقلة، وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام، ويعتقد سكان المدينة أنها كانت تسمى في السابق بقرية أربع، نسبة إلى ملك كنعاني اسمه أربع، ثم سميت ب حيرون قبل أن يطلق عليها اسم الخليل.