رحل الزعيم الأفريقي العجوز.. فقد أعلن رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما وفاة الرئيس الأسبق نيلسون مانديلا بمنزله في جوهانسبرج عن عمر ناهز 95 عاما بعد معاناة طويلة مع مرض في الرئة... وقال زوما في كلمة عبر التلفزيون إن جثمان أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا سيشيع في جنازة رسمية وإن أعلام البلاد ستنكس اعتبارا من اليوم الجمعة وحتى موعد الدفن، ونعى العالم هذا الرجل الشجاع الطيب.. 28 عاما أمضاهم الزعيم نيلسون مانديلا في سجون العنصرية في جنوب أفريقيا.. تلك السنوات التي زادته صلابة، وظل مؤمنا بقضية تحرير بلاده من تلك العنصرية، أو نظام «الأبارتايد» العنصري الذي اعتمد على سيطرة أهل البشرة البيضاء في جنوب أفريقيا على أقرانهم من من أبناء البشرة سوداء، الذين حُرموا من حقوقهم السياسية بل والاجتماعية، فلا حق لهم في المسكن ويمكن أن تذهب ملكيتهم إلى شخص أبيض إذا أراد ذلك ولا عزاء لصاحب الحق إن كانت بشرته سوداء، وحمل مانديلا المسؤولية فقد بدأ مانديلا رحلة السياسة في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، المعارض لسياسة التمييز العنصري، عام 1944، وبمرور 8 سنوات تولى مسؤولية جناح الشباب للحزب، وآنذاك افتتح أول مكتب محاماة لذوي البشرة السوداء في جنوب أفريقيا، عام 1952، وهو نفسه العام الذي أصبح فيه نائبًا لرئيس الحزب، وكان عام 1952 يحمل شعار «حملة التحدي»، التي تولى «مانديلا» رفع رايتها فطاف أرجاء أرضه السوداء يغذي لدى عقول أقرانه ضرورة التمرد على قوانين التمييز العنصري، فيأتي رد الحكومة البيضاء بمنعه من مغادرة «جوهانسبرج» لمدة 6 أشهر. وقاوم «مانديلا» الفصل العنصري بين أبناء وطن واحد بنضال سلمي، ولكنه بعدها قرر اللجوء للسلاح وأصبح رئيسًا للجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وثارت زوبعة في جنوب أفريقيا نتج بعدها حكم بالسجن 5 سنوات، بتهمة التدبير للإضراب والسفر غير القانوني، ليبدأ دفع ثمن القضية، التي يكافح من أجلها، فيأتيه حكم آخر، عام 1964 بالسجن مدى الحياة بتهمة الخيانة العظمى، ولكنه ظل يحث المؤمنين بفكرته على الاستمرار في الضغط من أجل تحويلها إلى واقع حتى ولو السلاح، بينما سعت السلطة لتشديد قبضتها عليها بتعذيبه داخل السجن حتى يتوقف عن بث أحلامه في نفوس من يناصره، حيث يدعوهم إلى «مقاومة مسلحة» ل«سحق الفصل العنصري»، ورفض الحصول على الحرية مقابل وقف المقاومة المسلحة عام 1985.
وتدخلت القوى الدولية، وتم الإفراج عن مانديلا لإعلان بدء إنهاء التناحر العنصري بين البيض والسود، وخرجت جنوب أفريقيا لتستقبل المناضل الباحث عن حرية بني وطنه، فكان ثمن ما حاز عليه بعد 28 عامًا، حصوله على جائزة نوبل للسلام، عام 1993، مناصفة مع «دي كليرك»، ويصبح رئيسا للجمهورية عام 1994، ليصبح أول رئيس أسود منتخب في جنوب أفريقيا ثم يودّع السياسة بعد 5 سنوات، عمل خلالها على إصلاح منظومة حكم، هذا الزعيم الذي كان يتمنى أن يقابل زعيمنا جمال عبد الناصر، فقال سنة 1995 «كان لدي موعد قد تأخر ربع قرن ، مع رجل رفعت رأسي من بعيد كي أراه ، ثم حالت ظروف قاهرة بيننا ، و كان من سوء حظي حين جئت إلى مصر أن جمال عبد الناصر لم يعد هناك ، سأزور في مصر ثلاثة أماكن: الأهرامات والنيل العظيم وضريح جمال عبد الناصر». وعندما أخفقت مصر في استضافة كأس العالم لكرة القدم لعام 2010 وفازت بها جنوب إفريقيا، قال مانديلا «لو كان عبد الناصر على قيد الحياة ودخلت مصر المنافسة أمام جنوب إفريقيا، لانسحبنا على الفور من الوقوف أمام مصر، ولكن الظروف تغيرت الآن ومصر لم تعد مصر عبد الناصر»