شاء الله سبحانه وتعالي ألا يقتصر رتباط المصريين بشهر رمضان بالإحتفال الدينى فقط ، فقد عرف المصريون الإسلام مع أول يوم في رمضان عندما قام عمرو بن العاص بفتح مصر ، فشاهدوا جيش المسلمين وهم يصومون ويصلون ويؤدون الزكاة ، وبمرور السنوات أصبح رمضان رمزاً للانتصارات العسكرية وإحتفظت ذاكرة المصرى ببعض هذه العادات إلى وقتنا هذا ، حكايات كثيرة ارتبطت بشهر رمضان كانت فى أصلها مصرية نعيش معها في السطور القادمة .. . . فتح مصر نتوقف مع شيخ المؤرخين المصريين تقي الدين المقريزي الذى ولد في القاهرة عام 764 هجرياً وتوفي يوم الخميس 16 رمضان عام 845 هجرياً ، ومن مؤلفاته كتاب (عقد جواهر الأسفاط من أخبار مدينة الفسطاط) الذي حاول فيه المقريزي أن يكتب عن تاريخ مصر خلال الفترة التي امتدت منذ الفتح العربي إلى مرحلة ما قبل تأسيس الدولة الفاطمية، وحسبما يؤكد فإن في الجيش الإسلامي بقيادة عمرو بن العاص أخترق سيناء وفتح العريش بلا مقاومة ، ولم يشتبك الجيش مع جند الروم في قتال حتى وصل إلى مدينة الفرما ذات الحصون القوية ، فحاصرها المسلمون أكثر من شهر ، وتم الفتح في أول شهر رمضان عام 20 هجرياً ، وقد شهد فتح مصر من الصحابة رضي الله عنهم كثيرون ، منهم الزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص وعبد الله بن عمرو وخارجة ابن حذافة العدوي وعبد الله بن عمر بن الخطاب وقيس بن أبي العاص السهمي والمقداد بن الأسود وعبد الله بن أبي سعد بن أبي سرح العامري ونافع بن عبد قيس الفهري وأبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عبدة وابن عبد الرحمن وربيعة ابنا شرحبيل بن حسنة وعبادة بن الصامت ومحمد بن مسلمة الأنصاري وغيرهم ، وكانت أخلاق هؤلاء العظام وسلوكهم أكبر دليل عملي شاهد من خلاله المصريون عظمة الإسلام .. خاصة في رمضان . المسجد أولاً . . بعد 24 يوماً فقط من فتح مصر بدأ المسلمون في بناء مسجد عمرو بن العاص ، وقد لاحظ المؤرخ المقريزي أن أول معرفة المصريين بالإسلام كانت عن طريق الصيام بعدما تصادف فتح مصر مع دخول شهر رمضان .. وبعدها بأيام قرر عمرو بن العاص بناء مسجده ليس لأداء الفرائض الدينية فحسب ، بل كان مسجداً جامعاً لأمور الدنيا والدين، حيث كانت توجد به محكمة لفض المنازعات الدينية، وبيت للمال، كما كانت تعقد فيه حلقات دروس لكبار العلماء بعد ذلك أمثال الإمام الشافعي والليث بن سعد، والعز بن عبد السلام ، الشيخ محمد الغزالي ، ويروي المقريزي إنه كان من الطبيعي أن يحكي عن جامع عمرو الجامع العتيق وأول جوامع مصر الإسلامية الكثير من القصص والأساطير، كما يعتبره الناس من الأماكن التى فيه يستجاب فيها الدعاء، ويقال يوجد علي يسار الداخل من الباب البحري الكبير عمودان متجاوران يزعم الناس أنه لا يمكن المرور بينهما إلا لطاهر ، لذلك فإن من دنس بالذنوب والخطايا يقصدونهما بالمرور بينهما ليختبر الإنسان حاله ويزدحمون عليهما بعد صلاة الجمعة الأخيرة من رمضان ازدحاما شديدا وأمام المنبر من الجهة اليسري عمود من الرخام يضربونه بالنعال والعصي بعد فراغهم من الصلاة لزعمهم أنه عصي عن الحضور مع الأعمدة التي أحضرت لبناء الجامع زمن الفتح ، وقد بنى عمرو رضي الله عنه المسجد .. ثم بنيت حوله مدينة الفسطاط التي هي أول عواصم مصر الإسلامية، وكان بذلك أول مسجد في مصر وإفريقيا ، والرابع في الإسلام بعد مسجد المدينة الذى بناه الرسول صلى الله عليه وسلَّم في العام الهجري الأول ، ومسجد البصرة الذى بناه عقبة بن غزوان رضي الله عنه عام 14 هجرياً ، ومسجد الكوفة الذى بناه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عام 17 هجرياً ، وأشرف على بناء مسجد عمرو بن العاص أربعة من الصحابة هم أبو ذر الغفاري، أبو بصرة، محمية بن جزء الزبيدي، نبيه بن صواب البصري ، وقام بتحديد القبلة فيه جمهور من الصحابة رضوان الله عليهم، منهم: ربيعة بن شرحبيل، عمر بن علقمة القرشي، الزبير بن العوام، المقداد بن الأسود، عبادة بن الصامت، رافع بن مالك، أبو الدرداء، فضالة بن عبيد الله، عقبة بن عامر. وغيرهم من أجلاء الصحابة الفاتحين.وافتُتح بأول صلاة جمعة مباشرة فكان بذلك أول مسجد جامع في مصر والقارة الإفريقية ليخرج منه نور الإسلام والإيمان إلي باقي البلدان ، وأنشئ هذا المسجد بشكل كامل عام 21هجرياً على أرض كانت حديقة تبرع بها " قيسبة بن كلثوم " وكان يشرف على النيل ، ومساحته وقت إنشائه 50 ذراعًا في 30 ذراعًا وله ستة أبواب، وظل كذلك حتى عام 53 هجرياً وتوالت التوسعات فزاد من مساحته "مسلمة بن مخلد الأنصاري" والي مصر من قبل "معاوية بن أبي سيفان"، وأقام فيه أربع مآذن، وتوالت الإصلاحات والتوسعات بعد ذلك على يد حكام مصر حتى وصلت مساحته بعد عمليات التوسيع المستمرة نحو أربعة وعشرين ألف ذراع معماري، وهو الآن حوالي 13200 متر ، ويُعدّ أقدم أثر إسلامي باق حتى الآن في مصر والقارة الإفريقية. . . . العالم يعيش رمضان مع المصريين علي مدى قرون طويلة ارتبط شهر رمضان فى عقول وقلوب المسلمين بطقوس كثيرة ، كلها بلا استثناء مصرية الأصل ، بداية من إحياء ليالي رمضان مع مشاهير المقرئين والمبتهلين والمنشدين ، كما يعود ارتباط المصريين برمضان وولعهم به إلي العهد الفاطمي حيث كانت قاهرة المعز تزدان لاستقبال الشهر الفضيل ، ويستقبله المصريون بصناعة الحلوي كالكنافة والقطائف ، وأيضا اخترع المصريون الفانوس ليكون تعبيرا عن فرحهم بقدوم الشهر الكريم ، ومن أشهر ما قدمه المصريون لشهر رمضان المبارك كان صوت مدفع رمضان الذي يعلن عبر طلقاته موعد الإفطار والإمساك ويعود تاريخه لأكثر من 560 عاما ، أما أول مسحراتى عرفته مصر فكان عنتبة بن إسحاق ، والى مصر فى عهد الخليفة المنتصر بالله العباسى، فرغم مكانته حاكماً للمحروسة، كان ينزل إلى الشارع سيراً على قدميه، ليطوف أحياء مصر القديمة حالياً، حتى يصل لمسجد عمرو بن العاص، أيضاً من مظاهر الاحتفال بشهر رمضان اغنية وحوى ياوحوى التى يرددها الاطفال وهم يحملون الفوانيس ..يقول البعض ان الاغنية عرفها المصريين القدماء منذ الاف السنين ، وان كلمة ايوحة ماخوذة من ايوح وهو اسم القمر عند الفراعنة ، فكانوا يرددون هذه الاغنية فى مطلع كل شهر ، كذلك ارتبطت الأكلات الشعبية الاخرى بشهر رمضان فى مصر , مثل طبق الفول المدمس , والزبادى , والمقبلات المتنوعة , اضافة الى ياميش رمضان ومشروب قمر الدين المصنوع من المشمش , وكذلك بعض الفواكه المجففة كالمشمش والتين والعنب (الزبيب) والقراصيا وغيرها , وفي عام 155هجرياً خرج أول قاضي لرؤية هلال رمضان وهوالقاضي أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة ، وتبعه بعد ذلك القضاة لرؤيته ، فلما كان العصر الفاطمي بنى قائدهم بدر الجمالي مسجداً له على سفح المقطم اتخذت مئذنته مرصدًا لرؤية هلال رمضان ، كما ترجع فكرة "موائد الرحمن" إلى الولائم التي كان يقيمها الحكام وكبار رجال الدولة والتجار والأعيان في أيام الفاطميين .