حكومتان للفريق أحمد شفيق ثم حكومتان للدكتور عصام شرف ثم حكومة للدكتور كمال الجنزوري .. و أخيرا حكومتان للدكتور هشام قنديل ، هذا هو التسلسل الزمني الذي مرت به التعديلات الوزراية منذ عامين من الآن ، وهى التعديلات التى أنتجت 7 وزارات تولي رئاستها 4 شخصيات مختلفة ، ويبق السؤال : ما هو حصاد هذه الوزارات .. ماذا حققت ، وفيما فشلت ؟. البداية كانت بعد يومين من إندلاع ثورة 25 يناير 2011 .. فقد كلف الرئيس السابق مبارك الفريق شفيق بتشكيل حكومة لتهدئة الثوار ، واستمرت حكومته من يوم 29 يناير الي يوم 3 مارس 2011 ، ثم قام شفيق بتشكيل الحكومة مرة أخري بعدما كلفه المجلس العسكري بتسيير الأعمال عقب تنحي مبارك في 11 فبراير ، وبعد الاعتراضات الكبيرة علي أحمد شفيق .. قام المجلس العسكري بتكليف الدكتور عصام الشرف بتشكيل الحكومة ، واستمرت هذه الوزارة منذ حلف اليمين في 7 مارس 2011 و حتي 21 يوليو 2011 ، ثم قام د. شرف باجراء تغيير وزاري واسع شمل 14 وزيراً نتيجة الاحتجاجات الفئوية التي سادت في البلاد وقتها ، إلي جانب المظاهرات التي أدت الي أحداث محمد محمود ، لكن بسبب استمرار الاحتجاجات تم تكليف الدكتور كمال الجنزوري بتشكيل حكومة جديدة ، وقد أبقي د. الجنزوري على 13 وزيراً من وزارة عصام شرف ، وعقب فوز الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية تم تكليف الدكتور هشام قنديل برئاسة الوزراء يوم 25 يوليو ، وتشكلت بالفعل الوزارة يوم 2 أغسطس ، وهذه كانت أول حكومة تضم وزراء من الإخوان المسلمين ، وبعد الانتهاء من الاستفتاء علي الدستور قام د. هشام قنديل بتعديل وزاري نتج عنه تشكيل وزارة جديدة . وفي الحوار التالي .. سيقدم لنا الدكتور فخري الطهطاوي أستاذ إدارة الازمات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة تحليلاً لحكومات مصر ما بعد الثورة ، إلي جانب تقويم أداء الحكومة الحالية وأهم التحديات التى ستواجهها . في البداية 7 حكومات خلال عامين .. هل هذا الرقم طبيعي في هذه الظروف التى مرر بها البلاد ؟ لا يمكن تحليل المشهد بشكل عام أو استشراف المستقبل الاقتصادي والسياسي في مصر قبل تحليل الظروف التى مررنا بها ، وطبعاً 6 حكومات خلال عامين لم يكن شيء طبيعياً لكنه كانت نتيجة سوء ادارة البلاد سواء خلال الأيام الأخيرة لمبارك في الحكم مروراً بفترة تولي المجلس العسكري مقاليد الأمور ووصولا إلي الفترة الحالية ، ولا يمكن أيضا أن نحلل الملفات الاقتصادية والسياسية والأمنية بدون أن ننظر لتجربة حكومة الدكتور أحمد نظيف التي كان أداؤها من أهم أسباب ثورة 25 يناير ، فهو كان يتحدث عن معدلات تنمية لكنها كانت بدون نمو حقيقي ، فلم تكن توجد عمليات اصلاح اقتصادي حقيقي والدولة كانت مستمرة في سياسة البيع والخصخصة بدون النظر الي العدالة الاجتماعية ، وبالتالي ازداد الفارق بين الطبقات الاجتماعية ، ومنذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء يتحمل كل السخط الشعبي عن الرئيس ، ولكنه علي أرض الواقع كان لا يملك أصدار القرار . هل يمكن الحكم علي أداء الفريق شفيق كرئيس وزراء خلال فترة توليه الوزارة ؟ لا يمكن الحكم عليه اطلاقا في هذه الفترة لأنها كانت قصيرة والتحديات كبيرة والاحتجاجات واسعة ، والقاسم المشترك بين أحمد شفيق ومبارك هو الفشل ، فأسلوب ومنهجية ادارة البلاد لم تتغير ، فنحن كنا نقول عقب الثورة إن النظام تغير ، بينما هو لم يتغير ، بدليل استخدام مصطلحات مبارك مثل الدولة العميقة واستخدام نفس آليات نظامه ، وبالتالي كل الحكومات التي جاءت بعد الثورة فاشلة ولم تغير نظام مبارك وظلت وجها أخر له نتيجة غياب النموذج السياسي الذي يمكن تطبيقه والرؤية الحقيقية من المسئولين عن الحكم وانخفاض الاحتياطي الأجنبي وانتشار الاحتجاجات الفئوية والانفلات الأمني ، ولذلك حدث انهيار في معدلات النمو والتنمية ولم تكن هناك أي موارد دخل للدولة فاضطروا للسحب من الاحتياطي ، كما لم يكن لدي المجلس العسكري الخبرة السياسية الكافية للتعامل مع الموقف ، فهو يريد انهاء دوره لأنه تورط فيه ، وكان كل قرار يتم اتخاذه تخرج ضده المظاهرات ، وبالتالي أحمد شفيق كرئيس وزراء كان وجه مبارك وتعامل كرئيس وزراء بمنطق " كله كويس " ، ولذلك انهيار حكومته كان طبيعياً . نأتي إلي وزارة د. عصام شرف .. فرغم الترويج لأنه كان " ثورياً " الا أن قرارته لم تكن كذلك علي الاطلاق ، ما السبب ؟ هذه هي المشكلة بالتحديد .. فقد تم تضخيمه اعلامياً باعتباره من أبناء الثورة رغم أن ظهوره في الميدان كان من خلال مظاهرة واحدة لأساتذة الجامعة ، كما إنه كان وزير نقل سابق في عهد مبارك ، وعموماً هو رجل طيب لكنه كان بلا صلاحيات ، وكما قلنا المجلس العسكري لم تكن لديه رؤية في الادارة ، فدفع هو الضريبة لأن الأوضاع كانت يوميا تزداد صعوبة والملف الأمني كل يوم وضعه يسوء ، فقبل الثورة الهاجس الأمني كان مسيطراً علي مبارك لدرجة أنه خصص جزء كبيراً من الموازنة لتسليح الداخلية لخدمة مشروع التوريث ، والأمن كان يتدخل في كل شيء ، لكنه فجأة بعد الثورة لم يعد موجوداً في أي شيء والوضع الاقتصادي كان ينهار يوميا بسبب عدم وجود خطة عاجلة للانقاذ ، وعصام شرف كان مشغولاً بالمظاهرات الفئوية ، ورغم انشاءه لجنة لادارة الأزمات إلا أنها لم تقم بدورها وكانت تعمل بدون آلية واضحة ، وبالتالي فشلت لأننا في مصر ننتظر حتي تحدث الكارثة ونتعامل معها ، رغم أن المفترض وجود تخطيط قبل وقوع الكوارث من الأساس . رغم الاعتراضات الواسعة علي حكومة الدكتور الجنزوري الا أنه كان مفاجأة للجميع ، هل تتفق مع هذا الرأى ؟ طبعا ، فالدكتور الجنزوري رجل تخطيط ولديه خبرة في ادارة البلاد ، وسبق له تولي رئاسة الوزارة منذ فترة طويلة ، وهو مقارنة ببقية رؤساء الوزارة الذين سبقوه كان الوحيد الذي استطاع وقف النزيف الاقتصادي المستمر ، فهو لديه خبرة اقتصادية أهلته للتعامل مع الموقف وحقق استقراراً نسبياً شعر به الجميع ، كما أن وزير الداخلية في عهده اللواء محمد ابراهيم استطاع ان يحقق توازناً أمنياً جيداً وشعر المواطنون بوجود وزارة الداخلية في هذه الفترة ، وعموماً د. الجنزوري حقق التوازن المطلوب رغم الظروف الضاغطة ورفض شباب الثورة لوجوده ، وذلك علي عكس د. عصام شرف الذي لم يحقق أي شيء رغم الترحيب بوجوده . ما هو تقويمك لأداء حكومة د. هشام قنديل الأولي ، وذلك علي اعتبار أن التعديل الوزارى لم تتح له الفرصة بعد للحكم عليه ؟ الاستقرار الاقتصادي اساسه الاستقرار السياسي ، ولكي نكون منصفين .. الوضع الاقتصادي الذي وصلت له مصر الآن كانت سوف تصل له سواء قامت الثورة أم لا ، وسواء جاء الأخوان الي الحكم أم استمر حتى حكم نظام مبارك ، وذلك بسبب سياسات الحزب الوطني وأسلوب ادارة البلاد والعشوائية وعدم وضوح الرؤية المتعلقة بالملف الاقتصادي والعمل علي جني رجال الأعمال لكل الأرباح ، ولكن الخطأ الآن علي من يدير البلاد أنه مستمر بنفس الطريقة ، ولذلك كل ما يقوله د. هشام قنديل رئيس الوزراء عن خطة لاصلاح منظومة الأمن والسكك الحديد لا يعبر عن رؤية واقعية للأمور ، ولذلك طبيعي أن نجد معارضة كبيرة له ولحكومته لأنهم يعملون بدون رؤية واضحة أو خطة ، اضافة الي أن نظام الميزانية الطويلة التي يتبعها لن تحل مشاكل المواطن البسيط لأنه يحتاج الي نظام موازنة قصير المدي للعمل علي مشروعات معينة وانجازها ، وبصراحة .. الأخوان لابد أن يكونوا أذكياء ويستغلون حالة الزخم الموجودة في الشارع ويعدلوا طريقتهم وألا يهتموا بالملفات الخارجية أكثر من الشأن الداخلي ، فالمصريون سيفرحوا بوقف اطلاق النار في غزة وشعور المواطنين في فلسطين بالأمان .. ولكن هذا لن يوفر لهم حق رغيف العيش ، كما يوجد أهمال واضح لملفات الصحة والتعليم والتي تعتبر أول آلية للحكم علي رؤية أي حكومة مستقبلا . عقب الانتهاء من الانتخابات البرلمانية سيتم تشكيل حكومة خالصة من التيار الذى سيحصل علي الأغلبية .. كيف تري مستقبل هذه الحكومة ، خاصة لو كانت أخوانية ؟ أرحب كثيراً بوجود حكومة أخوانية من الألف الي الياء بصرف النظر عن اسم رئيس الوزراء ، ولا أري أي مشكلة في ذلك ، بل أري في ذلك حلاً واضحاً لمشكلات كثيرة بداية من تحمل الأخوان المسلمين والتيار الاسلامي عموما لمسئولياته في الحكم ، لأن الحكم ليس تنظيراً في التلفزيونات فحسب .. ولكنه قرارات ورؤية مستقبلية واضحة ، واذا تشكلت هذه الحكومة لن يكون لهم أي حجة بعدها ، فلن يقولوا الدولة العميقة تحاربنا وبعض الوزراء يعملون ضد مصالحنا وحكومة هشام قنديل تشوه صورتنا لدي الرأي العام وغير ذلك من التصريحات ، ووجود حكومة اخوانية سوف يضع الأمور في نصابها الصحيح ، وتتضح كل العلامات المعلقة والمتعلقة بالاقتصاد والمنح والقروض وغيرها من الملفات الشائكة .