"الليبراليون ابتعدوا عن الشارع وتحدثوا إلي الشعب من خلال الإعلام فقط وأهملوا العمل الجماهيري وتفتتوا وعوقبوا على ذلك وكانت نتيجة منطقية أن يسيطر التيار الإسلامي".. هذه هي النتيجة التي توصلنا إليها من خلال حوارنا مع د. عمرو حمزاوي.. والذي يحدثنا عن خطايا الليبراليين في مصر وعلاج أخطائهم ورؤيته للمرحلة السابقة من حكم الدكتور محمد مرسي.. تصوير: محمود شعبان في البداية نريد منك تحليلا سياسيا لما وصلنا إليه .. مصر باختصار أمام خطوة إيجابية وللأمام، وتمثلت في إلغاء الإعلان الدستوري التكميلي، وتغيير قيادات القوات المسلحة، لأن الرئيس بذلك استجاب لقاعدة أساسية في الدولة المدنية وهي أن المؤسسة العسكرية لا علاقة لها بالحكم ولكنها تخضع للرئيس، فهو ألغي الوضعية الاستثنائية لهذه المؤسسة، وهي وضعية مرت بمراحل مختلفة وبدأت سنة 1952 وآخرها كانت بعد 11 فبراير، وبذلك أخرج المؤسسة العسكرية من حكم مصر، وهي خطوة إيجابية تستجيب لمضمون أصيل في الدولة المدنية. وما هو تقييمك للمرحلة السابقة من حكم الرئيس مرسي؟ نحن أمام رئيس منتخب مارس صلاحيات خاصة بالمنصب متمثلة في تعيين فريق رئاسي وحكومي، والقاعدة الأساسية هي أن الرئيس عندما يمارس اختصاصاته يصبح تقييم الرئيس أو الحكم عليه مرتبطا بالمردود ، وبالطبع هناك خطوات إيجابية متمثلة في إلغاء الإعلان الدستوري التكميلي وتغيير موقع المؤسسة العسكرية، وبجانب ذلك هناك عدد من الأمور غير المطمئنة، أولها: مرتبط بالدلائل المتعاقبة في ملف مصادرة الحريات بتعقب الصحفيين ببلاغات ترتبط بتهمة سيئة السمعة ولا توجد لها مثيل في أي دولة ديمقراطية وهي تهمة إهانة الرئيس، وفي مسألة مصادرة صحيفة وفي حجب بعض المقالات وإغلاق قناة بقرار إداري رغم اختلافي معها، والرئيس عندما تحرك تدخل في مسألة جزئية وهي إلغاء الحبس الاحتياطي، أيضا هناك ما يمكن أن نسميه التعامل باستخفاف بعض الأمور الهامة مثل قرض صندوق النقد، وذلك عندما رفضه حزب الحرية والعدالة وتحدثوا هم والنواب السلفيون علي أنها قروض ربوية ثم تتحول ذلك إلي مصاريف إدارية دون أن توضح للشعب حقيقة الأمر فهذا نوع من الاستخفاف، والاستخفاف الأكبر هو التعامل مع القرض وصندوق النقد بدون شفافية كاملة ، فالاستخفاف مع قضايا شديدة الأهمية خطأ، ملف آخر هو أن الرئيس مرسي يحاول أن يكون رئيسا للمصريين جميعا ولكنه لم يزر أي كنيسة حتى الآن، ويتعامل مع ملف الوحدة الوطنية بجملة "محدش محتاج مني تطمينات" فهذا انفصال عن الواقع ، فعدد من المسيحيين يشعرون بقلق وهناك إجراءات في دول أخري مثل هولندا، فكل هذه الأمور لا تكفي للطمأنة فقط، فهي علامة قلق في ملف الوحدة الوطنية. "الأخونة" مصطلح جديد طرأ على الحياة السياسية المصرية.. فلأى مدى تشعر بذلك كليبرالي؟ من الأشياء غير المطمئنة أيضا هي هيمنة فصيل سياسي على مؤسسات الدولة مثلما حدث في الصحف القومية والمجلس الأعلى للصحافة والمجلس القومي لحقوق الإنسان وعدد من المحافظين، والإشكالية هي أن البعض يتعامل مع الديمقراطية على أنها صندوق انتخابات، وأن لرئيس الجمهورية المنتخب الحق في أن يعين من يشاء في الموقع الذى يشاؤه، وهذا الأمر يعصف بقاعدة في الديمقراطية وهي أن أجهزة الدولة مستقلة ومحايدة ويشغلها منتخب، ومن يساعد المنتخب وبقية الجسد التنفيذي للدولة ينبغي أن تبقي مستقلة وبعيدة عن سيطرة فصيل سياسي واحد، فنحن في هذا المأزق فرض هوي حزبي وسيطرة فصيل سياسي على أجهزة الدولة وهي علامة قلق. وماذا عن رؤيتك لملف السياسة الخارجية؟ هناك خطوات جيدة، أولا: لا يمكن أن تفصل الأمن القومي عن السياسة الخارجية، فهناك تحد في سيناء والتعامل مع البؤر التكفيرية والتنمية وإغلاق الأنفاق، وفي هذه الملفات الرئيس يجيد بعملية أمنية جيدة، وبإعادة النظر في العلاقة مع غزة بصورة تضمن الأمن القومي، ومصلحة أهلنا في غزة، بجانب تحديات تنموية، وخطوة زيارة الصين والانفتاح على إيران مسألة جيدة، ولكن يجب أن تكون بضوابط، فليس من المنطقي أن تنظر مصر غربا فقط، فالصين دولة هامة وإيران أيضا ، ولكن دورها خطير في المنطقة فانفتح عليها بضوابط ، ويجب الإدراك أنه يحدث انتهاك لحريات حقوق الإنسان هناك، وأريد أن ألفت النظر إلي أنه من غير المقبول أن نعود إعلاميا في التعامل مع زيارات الرئيس مثلما كان قبل 25 يناير، فنصبح بذات التهليل والتضخيم من أهمية زيارات الرئيس الخارجية، فالرئيس لا يشغل دوما الصفحات الأولى في صحف الدول الغربية، فلابد أن نهدأ. وماذا عن العلاقة مع أمريكا وإسرائيل؟ أعتقد أن العلاقة مع إسرائيل يجب أن تدار من زاوية الأمن القومي المصري، فهناك معاهدة سلام تحتاج إلي إعادة النظر فيها، وخصوصا في الملحق الأمني، ونحتاج إلي إدارة علاقة مع إسرائيل بصورة تخدم المصلحة المصرية والعربية، أما عن الولاياتالمتحدة فهي قوة عظمي لنا مصلحة في أن يكون لنا علاقة جيدة بها، ولكن المهم إعادة التوازن في السياسة الخارجية والأمر لا يجب أن يختزل في أمريكا فهناك أوروبا والصين وغيرها. لو أقيمت الانتخابات الآن فما هو شكل البرلمان الذي سنراه؟ أتمنى أن نصل إلي تنوع في مراكز صنع القرار داخل مصر، فالتنوع مهم حتى يكون هناك رقابة وتوازن بين السلطات، ونجاح التيارات الليبرالية مرتبط بالتكتل والتحالف والاجتهاد على الأرض، بالتأكيد الخريطة البرلمانية سوف تختلف عن السابقة وربما يكون بها مفاجآت، وما أتمناه أن نخرج من دائرة سيطرة فصيل واحد، ولكننا مازلنا نعاني من خلط الدين بالسياسة، وعندما ننافس مرشح حزب الحرية والعدالة فهو تنافس مع مرشح الإخوان، ونفس الشئ بالنسبة لحزب النور والبناء والتنمية، فإن لم يحدث تشدد قانوني في تطبيق القوانين التي تمنع وتحظر على الجماعات من ممارسة السياسة فهذا الخلط بين العمل الدعوي والحزبي يعصف بقواعد النزاهة، كما أن عدم تقنين أوضاع الجماعة يعصف بالنزاهة لأني لا أعرف مصدر الأموال التي تصرف على الانتخابات، ويرتبط بذلك أنه على الأحزاب السياسية الإعلان عن مصادر التمويل، فخطر المال السياسي يؤثر على الانتخابات ولابد أن يواجه بتشدد في تطبيق القانون فيجب الإعلان عن مصادر التمويل. من بعد الثورة رأينا العديد من الأحزاب فشلت في التصدى للتيار الإسلامى.. ولكن الآن البعض يتحدث عن تكتلات.. فهل هذا نضج سياسى.. وهل ستكون نتيجته مختلفة؟ الأكيد أن صندوق الانتخابات في مصر لم يصل بعد إلي درجة عالية من التنافسية، فكل مرة ذهب فيها المواطن إلي صناديق الاقتراع تحسم النتيجة لأحزاب وكيانات الإسلام السياسي، والتنافس مفتاحه التداول ويجب رفع درجة التنافسية ، ولكي نصل إلي هذا فعلى التيارات الليبرالية واليسارية والقومية أن يتجنبوا خطأ وقعنا فيه جميعا، الأولى هي التفتيت فينبغي أن نتعامل مع ذلك بصورة واقعية عن طريق الوصول إلي تحالفات وتكتلات انتخابية تضمن خوض هذه التيارات للانتخابات بالقائمة الموحدة من المرشحين، وبرنامج الحد الأدنى يهدف إلي ضمان عدم سيطرة فصيل سياسي واحد على الحالة السياسية، وبالتالي التحالف والتكتل بالمعنى الانتخابى، وبرنامج يجمع القواسم المشتركة ثم نختلف داخل البرلمان ، وهذا لا يعني معاداة الإسلام السياسي، الشق الثاني في مسألة التنافسية هي مسألة قواعد النزاهة والشفافية، ونحن اقتربنا منها في مصر ، أما المعني الهيكلي وهو عدم ضمان صندوق الانتخابات الآن، فهناك احتياج شديد لضمان استقلالية وضمان حياد أجهزة الدولة لكي لا تتورط في مسألة دعم مرشحي حزب الرئيس، فيجب أن يكون هناك عمل تشريعي لضمان استقلالية أجهزة الدولة فلن يبتعد شبح التلاعب والتزوير الهيكلي للانتخابات، "ديكتاتورية باسم الليبرالية و" ليبراليون من منازلهم".. هذان عنوانان لمقالين لك.. فهل هذه خطايا الليبراليين في مصر؟ المشجع في مصر أن الجميع في مرحلة تعلم، فالمواطن يتعلم والسياسي ومن في الحكم ومن في المعارضة يتعلم، فهي ممارسة بأخطاء وأثمان نتمنى ألا تكون فادحة، فيما يخص الليبراليين نعم هناك ابتعاد عن الشارع يحتاج إلى تجاوز فهناك عمومية في الطرح يجب أن يتوقف، فلا يصح أن نتكلم ليل نهار عن مدنية الدولة، فلابد أن نضيف مضامين أخرى لما نقوله، ونهتم بقضايا العدالة الاجتماعية ولابد أن نقبل بفكرة التعبير عن الرأي وقبول الآراء المختلفة وتقبل قواعد اللعبة الديمقراطية ولا يمكن أن يأتي رئيس بانتخاب وتكون هناك دعوات لإسقاط الرئيس، فلا يجب أن يقوم الليبرالي بذلك، فهناك الكثير من الأخطاء، هذا بجانب أن التيارات الليبرالية استساغت الحوار مع المواطنين عن طريق الإعلام فقط ، وأهملت العمل الجماهيرى والشعبى وعوقبت في كل مرة لهذا السبب، الناس تحتاج إلي أن ترانا وتسمعنا وتعرف ما نقوم به. ألم تفكر في خطوة الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ هذا الحديث مؤجل ، لأني مازلت أرى أن مدخلي الصحيح ودورى الأفضل في العمل البرلماني، وأنا شخصيا رغم الإرهاق والصعوبات كنت سعيدا بالعمل البرلماني، وأزعم أني اجتهدت بكل الأدوات الممكنة كي أكون عند حسن ظن الناس، واستفدت من خبرتي في العلوم السياسية، وأريد أن أكرر التجربة في برلمان أكثر توازنا، فمازلت عاشقا للعمل البرلماني.