حملة "كفرني شكرا " تجوب كل المجالات في مصر الآن .. فالكفر حاليا تهمة سابقة التجهيز والتغليف من يريدها بغلاف ديني فليضعها فيه ومن يريدها بغلاف سياسي فليكن له ما أراد وطبعا الغلاف الفني لتهمة الكفر "سوقه ماشى" وأكثر رواجا جماهيريا . ففتاوى التكفير التي بدأت تتزايد على مدار الأسابيع القليلة الماضية تعطى مؤشرا غاية في الخطورة حول حالة الانحدار الاخلاقى التي وصل إليها البعض لاسيما ممن يطلق عليهم زورا وبهتانا شيوخ . ولا اعرف لماذا صارت هذه الكلمة على المشاع في استخدامها بلا ضوابط أو تحديد واضح لمعناها الذي صار يعطى هالة واحترام لمن لا يستحقوا في بعض الأحيان... ويربط بينهم وبين الدين بطريقة قد تحدث لبسا عند البسطاء الذين يرون فمن تطلق عليهم هذه الكلمة مصدرا من مصادر العلم الديني فيأخذ عنهم دون تدقيق وهنا تكمن الكارثة . التكفير وصل لمستويات مرعبة الآن وبدأنا في دفع ثمنه في سيناء حيث وصل الأمر ببعض الجماعات السياسية ذات المرجعية الدينية والتي يطلق عليها الجماعات التكفيرية في تكفير المجتمع والجيش بل والرئيس محمد مرسى بعد أن واجه نفس الاتهام الرئيس السابق مبارك . فكل من يختلفوا معهم يصبحوا كفارا والنتيجة تقاتل أبناء الوطن على ارض سيناء المباركة في معركة غامضة التفاصيل والملبسات وان كانت نتائجها حتى الآن مروعة حيث بدأ تهجير عدد من الأسر القبطية الموجودة في رفح واليوم أعلن مصدر سيادي بشمال سيناء عن أن الأيام المقبلة ستشهد تحركات لجماعات مسلحة، تضم عناصر تكفيرية وجهادية، من محافظات متعددة، يجرى تدريبهم داخل المحافظة، للسيطرة على المناطق الحدودية، وفصلها عن مصر، وتنفيذ عمليات ضد إسرائيل. ويبدو أن القادم في سيناء أسوأ لاسيما مع عدم مراجعة أحد من علمائنا الكبار الأجلاء الموثوق فيهم من قبل هذه الجماعات بمراجعتها في أفكارها التي تضعهم في خندق مواجه لجيش بلادهم وبعض أبناء وطنهم. هذا الخندق الذي علينا أن ندعو الله ألا تزيد مساحته ليمتد لمواقع أخرى في مصر خاصة مع تزايد فتاوى التكفير لكثير من أفراد وطوائف المجتمع تلك الفتاوى الغريبة التي بدأت تظهر بقوة قبل تظاهرات 24 أغسطس الماضي عندما أفتى احد خريجي جامعة الأزهر بقتل المتظاهرين في سابقة مرعبة قوبلت بحالة رفض كبير من كل التيارات الإسلامية على الساحة السياسية. إلا أنه من الواضح أن هذا الرفض لم يكن كافيا لردع من استخدموا الدين كسلاح يشهروه في وجه خصومهم السياسيين إذ رأينا بعد ذلك سيل من فتاوى التكفير في حق عدد من السياسيين أبرزهم محمد أبو حامد وفاطمة ناعوت والكثير من الفنانين منهم نور الشريف وإيناس الدغيدي والهام شاهين . وأخيرا صدرت فتوى بتكفير كيان سياسي كامل بكل ما فيه ومن فيه وهو حزب الدستور الذي أفتى أحد خصومه السياسيين بأنه حزب كافر وعلماني والانضمام له حرام شرعا..وحمل منشوراته يعادل حمل زجاجة خمر. ولا اعرف ما العلاقة بين حمل المنشورات والخمر وبين الانضمام لحزب والكفر إلا إذا كان حزب أبو جهل أو أبو لهب وهذا غير واقع لكنها الطريقة الجديدة في التعامل مع الخصوم .. بدليل أن شخصية سياسية بارزة وقفت على منبر احد المساجد لتقول حمدين والبرادعى أهل باطل ويحاربان الشريعة. سيل التكفير الذي يغرقنا به دعاة الفتن السياسية ونجوم القنوات الدينية حمل الكثير من الشباب على صفحات التواصل الاجتماعي للرد عليهم بحدة قائلين "كفار أحرار هنكمل المشوار " في تحدى لتلك الفتاوى التي تقسم المجتمع لمسلمين صالحي الإسلام طالما وافقوا إغراضهم وأهواهم وكفار وضالين ماداموا يخالفوهم في الرأي و الفكر. بالتأكيد الدين اكبر وأجل من هذه السخافات والفتاوى البعيدة كل البعد عن جوهره السمح الذي ينهانا عن التكفير حيث يقول الرسول (ص) " أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما " (رواه البخاري) .. كما قال سيد الخلق (ص) "لعن المؤمن كقتله ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله " رواه البخاري . فلماذا نقتل بعضنا البعض بمثل هذه الفتاوى ولماذا نسهل على البعض استخدام هذه الكلمة التي تدفع بالمجتمع لمزيد من الانقسام والتعصب .. لماذا لا نناقش الأمور السياسية في إطارها السياسي والأمور الاجتماعية في نسقها الاجتماعي ونترك مطاردة الفنانات للجمهور الذي من حقه رفض أو قبول ما يقدمونه .. والاهم أن نترك الدين لعلمائه ورجاله المعتدلين البعيدين عن العمل السياسي ونراجع استخدامنا المسرف لكلمة شيخ .. ووقتها لن نسمع شباب يصرخ دفاعا عن حقه في الاختلاف على أي مستوى بأنهم كفار أحرار وسيكملوا مشوارهم..لان الاختلاف رحمة من الله وليس كفرا.