فجأة ومع بداية اليوم التالي لحادث رفح المشئوم الذي ذهب ضحيته سبعة عشر شهيدا من زهرة شباب مصر ظهر علي الساحة مصطلح "التكفيريون" من جديد حيث تم توجيه الاتهام إلي من تم وصفهم بالتكفيريين بأنهم يقفون خلف هذا الحادث المشئوم وأخذت البيانات الأمنية المتعاقبة تصف المطاردات التي تتم في سيناء بين عصابات وجماعات مجهولة من ناحية والأمن مدعوم من القوات المسلحة من ناحية أخري بأنها مواجهات بين الأمن والجماعات التكفيرية وكل يوم تخرج علينا البيانات بأرقام تقول القوات تقتل خمسين من التكفيريين ثم تقتل مائة وهكذا تتوالي الأرقام دون أن تكشف لنا ولو هوية تكفيري واحد من هؤلاء حتي نعلم سبب إطلاق وصف التكفيريين عليهم وكيف اعتنقوا ذلك الفكر التكفيري وهو ما دعا الكثيرين إلي القول بأن الحادث المأساوي الذي شهده كمين الماسورة الحدودي في رفح تم تدبيره بإحكام من جانب بعض الجهات التي تريد إيقاع مصر في شراك محكم والوصول بها إلي حالة من الاقتتال الداخلي بهدف شغلها عن المستقبل .... عقيدتي طرحت علي الخبراء والعلماء السؤال الأهم ... هل المعلومات المتاحة عما يحدث في سيناء تقول إن حربنا فعلا مع التكفيريين أم أن هناك طرفاً ثالثاً يريد الوقيعة بين الجيش المصري ومن يعتنقون فكر الجهاد ضد العدو الصهيوني .. الإجابة نرصدها علي ألسنة العلماء في التحقيق التالي : بداية يقول الدكتور يسري حماد القيادي في حزب النور أن الأحداث التي تشهدها سيناء ضبابية للغاية ولهذا لا يستطيع أحد الجزم بمن يقف خلف أحداث رفح وحتي تلك الأحداث التي تشهدها الكمائن الأمنية في سيناء بين الحين والآخر لا يستطيع أحد معرفة من يقف خلفها نعم هناك من يقول إن بعض الشباب المغرر بهم قد اعتنقوا الفكر التكفيري الضال وأصبحوا يرون في مصر دولة كافرة لابد من الجهاد لردها لصوابها قبل أن يتم محاربة الكيان الصهيوني الغاصب ورغم أن الأحداث لم تكشف بالفعل عن هوية مرتكبي هذا الحادث إلي أن حزب النور ومن منطلق وعيه القومي سارع بإرسال وفود عديدة من رموزه ومشايخه لمحاورة الشباب في سيناء لتبصيرهم بالدور القومي والشرعي الذي تلعبه قوات الامن وتبصيرهم أيضا بفريضة الجهاد حتي لا يخلط الشاب بين الجهاد والتكفير. ويطالب الدكتور حماد بضرورة الانتهاء سريعا من التحقيقات حتي نعرف هوية مرتكبي ذلك الحادث ويتم التصرف علي أساسها حتي لا نظل نعيش في تلك الحالة الضبابية البعض يقول عصابات تنتقم لغلق الأنفاق والبعض الاخر يقول جماعات جهادية تكفيرية ولابد أن يعي الجميع ان الاستمرار في الخلط بين التكفيريين الذين يكفرون الناس جميعا وبين الجهاديون الذين يعتنقون فكر الجهاد ضد الصهاينة لأن الخلط سيجرنا بالتالي إلي إنكار فريضة هامة من فرائض الشريعة الإسلامية وهي فريضة الجهاد في سبيل الله فالتكفيريون الذين يكفرون المجتمع بأكمله لا يلتقي فكرهم الضال مع فكر المجاهدين الذين يدافعون عن أمتهم المسلمة ويعتبرون أنفسهم جزءاً منها وطليعة متقدمة لها يذودون عن دينها وعرضها وأرضها. جزء من اللعبة ويري الدكتور أحمد حماد رئيس قسم الدراسات الإسرائيلية الأسبق بجامعة عين شمس أن ما يحدث في سيناء لابد أن تتوقف أمامه كل الأجهزة الامنية وكل المؤسسات الدعوية والمشكلة أننا تركنا الامور تستفحل بقوة قبل أن نفكر في مواجهتها ولابد أن نعي جميعا أن الكيان الصهيوني يشارك في جزء من اللعبة التي تدار في سيناء اليوم والهدف الواضح والجلي من وراء ممارساته هو تشويه صورة المقاومة الإسلامية بحيث يبدو للجميع أن عناصر المقاومة حادت عن طريقها وأصبحت لا تفرق بين دم المصري ودم الإسرائيلي والهدف الواضح من وراء هذا ضرب جماعات المقاومة بأيدينا نحن المصريين ومن وجهة نظري فقد فطن الرئيس محمد مرسي لهذه المحاولات التي تدفعه لتضييق الخناق علي أهل غزة بصفتهم الشوكة التي تقف في حلق الكيان الصهيوني ولهذا حرص مرسي علي فتح معبر رفح ولو بشكل جزئي في إشارة واضحة إلي أن الحادث الجبان الذي تعرض له جنودنا لن يثنينا عن دعم أهل غزة بحال من الأحوال. يضيف د.حماد : ثم أن هناك سؤالا مهما لماذا تم إطلاق وصف التكفيريين علي كل من يتم القبض عليه في سيناء حتي دون أن يكون هناك دليل واضح يربط بين من تم القبض عليه وبين عملية رفح الإرهابية وإذا كانت هناك بالفعل جماعات تكفيرية تعيث فسادا في سيناء فأين كان الأمن منهم وأين الازهر منهم خاصة أن الأزهر سبق وأدار سلسلة محاورات مع الجماعات الجهادية المسلحة في التسعينيات انتهت إلي مراجعة تلك الجماعات لأفكارها والعودة من جديد لطريق الحوار بالحسني بديلا عن الحوار المسلح وهناك أيضا سؤال يطرح نفسه بشدة وهو لماذا غاب الأزهر عما يحدث في سيناء في الوقت الذي سارعت فيه تيارات الإسلام السياسي إلي ساحة المعركة بكل ثقلها وهو ما يعني تحويل سيناء إلي ساحة للعبث السياسي. السلفية التكفيرية ويختلف الدكتور أسامة القوصي المفكر الإسلامي المعروف مع الرؤي السابقة حيث يؤكد أن جماعات الإسلام السلفية تعتنق فيما تعتنق بعض الأفكار التكفيرية التي تنطلق من فكر أبي العلاء المودودي وسيد قطب وهي أفكار تصل في كثير من الأحيان إلي تكفير الناس بالباطل ولابد ونحن نرصد العملية العسكرية في سيناء إلي العمل علي الجانب الأخر وهو الجانب الدعوي لتبصير الشباب والأهل في سيناء بخطورة ما يردده الغلاة أصحاب الفكر المنحرف ودحض المزاعم التي يجعلونها دليلا علي تكفيرهم لمخالفيهم ويستحلون بها دماء إخوانهم أنهم يوالون الكفار ويعادون المجاهدين. ويضيف الدكتور القوصي : لابد ونحن نواجه ظاهرة التكفيريين أن نضع خطة تشبه خطة المراجعات التي انتهجها الأزهر وعلماؤه خلال سنوات العنف الذي ضرب مصر فمن المؤكد أننا إذا أوضحنا للشباب في سيناء وغيرها في المدن والقري المصرية أن الله سبحانه وتعالي أكد أن التعامل مع الكفار في بيعهم وشرائهم والتعاقد معهم فيما فيه مصالح خاصة أو عامة تعود علي الأمة بالنفع ليس من الموالاة المحرمة في شيء. بل ذلك من الأمور المباحة في الشريعة وقد تصل تلك المعاملة إلي حد الوجوب حيث يقول الله تعالي في القرآن الكريم : "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" "الممتحنة : 8". فإذا كان الله تعالي نهانا عن مقاتلة الذين يخالفوننا في الدين فماذا عن جنودنا المرابطين علي الحدود والذين يحمون ظهورنا والذين يقولون أن الهدف هو مقاتلة الصهاينة ومن يألوهم نسوا أن النبي صلي الله عليه وسلم عقد عدة عقود مع الكفار من اليهود والمشركين وغيرهم. كمثل معاهدته مع اليهود حين قدم المدينة. ويري الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء أن ما يحدث في سيناء يحمل وزره الأمن والجهات الدعوية في ذات الوقت فالأمن تعامل مع سيناء بتراخ واضح في الوقت الذي تركت المؤسسات الدعوية شباب سيناء تحت سيطرة الأفكار المتطرفة القادمة من الخارج دون أن يعي الجميع خطورة سيادة تلك الأفكار وهو ما حدث للأسف الشديد ولهذا فإننا ونحن نناقش ما حدث في سيناء لابد أن ننتظر نتيجة التحقيقات حتي نعلم حقيقة الجناة وهل هم شباب أعمي الفكر الضال بصيرتهم فأصبحوا ينظرون لجنودنا المرابطين نظرتهم للكفار أم ماذا وحتي وصولنا لحقيقة ما يحدث لابد من القيام بقراءة دعوية لما يحدث في سيناء ولابد من أن يقوم علماء الأزهر الشريف بزيارات متعددة لسيناء يلتقون خلالها الشباب والكبار لمعرفة طبيعة الخطاب الدعوي الذي يسيطر علي الساحة السيناوية وتصويب الخطأ إلي وجد ولابد من الانطلاق من مراجعات الجماعات الإسلامية التي قام بها الأزهر في تسعينيات القرن الماضي.