انتحار عامر.. إقالة أبو غزالة.. تقاعد طنطاوي.. ثلاثة أخبار على مدار 45 عاما تعكس علاقة حساسة وحذرة ومتوترة بين الرئيس والمشير أو القائم على قيادة الجيش المصري ولكن دائما ينتصر الرئيس منذ عهد عبد الناصر ووصولا إلي الدكتور محمد مرسي.. علاقة الرئيس بالمشير منذ ثورة يوليو وحتى اليوم نتعرف عليها في السطور التالية ... عندما تولى جمال عبد الناصر رئاسة الجمهورية أصبح حسين الشافعي هو وزير الحربية سنة 1954 وفي سنة 1963 اختاره عبد الناصر لمنصب نائب رئيس الجمهورية، وقيل إن ابتعاد الشافعي عن منصب وزير الحربية جاء لإرضاء عبد الحكيم عامر بنفس المنصب، وهو الذي تولي الوزارة سنة 1954. وكتب الرئيس الراحل أنور السادات في كتابه "البحث عن الذات" تفاصيل الصراع الخفي بين عبد الناصر وعامر، وقال: الصراع بينهما بدأ في الستينيات، فيعد عودة عامر من سوريا عام 1962 التقي بعبد الناصر وقال له إن كرامته كقائد عام لا تسمح له بالاستمرار في عمله بعد الإهانات التي تعرض لها من جيش سوريا، ، ورحب عبد الناصر بذلك ولكن بعد يومين فوجىء عبد الناصر بعامر يطلب منه سد حاجات النقص في القوات المسلحة مما يشير إلي أنه مستمر في عمله كقائد عام، ثم قدم عامر الاستقالة المشهورة التي طبعها سنة 1967 وقال فيها إنه استقال من أجل الديمقراطية مما أغضب عبد الناصر، وبعد اجتماع ثنائي بينهم اتفقا على أن يترك عامر منصبه كقائد عام للقوات المسلحة ليتولى منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة واستمر الصراع الخفي إلي أن وقعت نكسة 1967 التي وضعت نهاية للمشير عامر. وذكر أمين هويدي- وزير الحربية السابق- في مذكراته أن المشير تنحي يوم 8 يونيو 1967، ولكن بدأ يوزع منشورات تلقي تبعة الهزيمة على القيادة السياسية، وأعاد طباعة استقالته التي تقدم بها عام 1962 والتي سحبها بعد الأزمة التي حدثت في تلك الفترة، وبدأ يحدث انقسام داخل القوات المسلحة، وتحركت بعض الوحدات بقيادة ضباطها في مظاهرات تهتف مطالبة بعودة المشير، وفي يوم 21 يوليو 1967 استقر عامر في منزله بالجيزة وأمر بنقل الأسلحة التي كانت موجودة في منزله بالحلمية إلي منزل الجيزة، وبدأت المخابرات العامة والحربية ترصد تحركات عامر نحو مؤامرة لقلب نظام الحكم، وتم تحديد يوم 27 أغسطس 1967 لتنفيذ تلك المؤامرة وإزاء كل ذلك أصدر الرئيس جمال عبد الناصر تعليماته إلي شعراوي جمعة وزير الداخلية وأمين هويدي وزير الحربية لوضع خطة للإيقاع بالمشير عامر ورجاله، وتم الاتفاق على استدعاء المشير إلي منزل الرئيس في منشية البكري ليلا، وفي نفس الوقت تتجه قوة من القوات المسلحة إلي منزله بالجيزة لحصاره والقبض على من فيه، ثم يتم تحديد إقامة المشير في منزله بالجيزة، وبالفعل بدأ التنفيذ يوم 25 أغسطس 1967، وعندما وصل المشير إلي منزل الرئيس بدأ التنفيذ، وكان لقاءً متوترا بين المشير والرئيس، وتم نجاح المهمة في منزل المشير بالجيزة، وانتحر عامر في 14 سبتمبر 1967، وقيل إنه قتل. شمس بدران المنفي! ولمدة عام واحد فقط تولى شمس بدران وزارة الحربية، وارتبط شمس بدران بالمشير عبد الحكيم عامر ثم تم تعيينه وزيراً للحربية متجاوزاً مئات الأقدميات، وكان شمس بدران ذا شخصية مهابة يتمتع بنفوذ واسع داخل القوات المسلحة والمكاتب الرئاسية في الدولة حتي بدأت تنسج حوله القصص ويتحدث العامة عن دوره باعتباره واحداً من أكبر مراكز القوي مع منتصف ستينيات القرن الماضي وتمت محاكمته عقب نكسة 1967 وهو يعيش الآن في لندن بعد خروجه من مصر. وتولّى الفريق أول محمد فوزي قيادة الجيش المصري خلفا للمشير عامر بعد نكسة يونيو 1967حيث عينه الرئيس عبد الناصر قائداً أعلى للجيش المصري ثم وزيرا للحربية في عام 1968م، ويُعتبر الفريق أول محمد فوزي مهندسا وقائد حرب الاستنزاف ضد الإسرائيليين بعد نكسة حزيران 1967م. ويعزى إليه الفضل في إعادة تنظيم صفوف الجيش المصري بعد النكسة وبناء حائط الصواريخ المصرية ضد إسرائيل والذي استُعمل بكفاءة في ايقاع خسائر جسيمة في صفوف العدو الإسرائيلي في حرب الاستنزاف في الفترة 1967-1973، عُزل الفريق أول محمد فوزي عن منصبه بعد وصول الرئيس السادات للحكم خلفا للرئيس جمال عبد الناصر ثم جرى اعتقاله مع عدد كبير من كبار المسئولين السابقين في عهد الرئيس جمال عبد الناصر بتهمة التآمر ضد الرئيس السادات فيما عُرف بانقلاب مايو 1971م وتمّت محاكمته أمام محكمة عسكرية وبرغم أن الرئيس السادات كان قد أصدر قرارا بإعدامه إلا أنّ المحكمة العسكرية رفضت الحكم عليه بالإعدام على أساس أن قائد الجيش لا يُعدم إلا بتهمة خيانة الوطن والاتصال بالعدو أثناء الحرب وقد تم إطلاق سراحه بعد فترة من الوقت، وأمر مبارك بعلاجه في الخارج على نفقة الدولة إثر مرضه ثم نُقل إلى مستشفى الجلاء بمصر الجديدة حتى أسلم الروح في يوم الأربعاء 16 فبراير 2000 عن عمر يناهز 85 عاما. ثم تولى قيادة الجيش الفريق محمد صادق ولمدة عام في سنة 1971، وكان يطلق عليه عدو السوفييت، وكتب السادات في مذكراته أنه تأكدت شكوكه حول وزير الحربية بأنه لا يريد الحرب وخصوصا أن السادات كان يريد أن يحارب في نوفمبر 1972، ولكن وزير الحربية يخشى الحرب، وذكر قائلا: استقر رأيي على تغيير وزير الحربية المتخاذل، واستدعيت الجنرال أحمد إسماعيل. المشير أحمد إسماعيل يقود العبور! من أفضل العلاقات بين الرئيس والمشير كانت علاقة السادات بالمشير أحمد إسماعيل الذي أصبح قائد عام للقوات المسلحة من 1972 وحتى 1974، وهو الذي قاد حرب أكتوبرومنحه الفريق رتبة المشير في 19 فبراير 1974اعتبارا من السادس من أكتوبر عام 1973 وهي أرفع رتبة عسكرية مصرية، وهو ثاني ضابط مصري يصل لهذه الرتبة بعد المشير عبد الحكيم عامر، وتوفى المشير أحمد إسماعيل 25 ديسمبر 1974 عن 57 عاما في أحد مستشفيات لندن بعد أيام من اختيار مجلة الجيش الأمريكي له كواحد من ضمن 50 شخصية عسكرية عالمية أضافت للحرب تكتيكاً جديداً. السادات يحرم الجمسي من الاحتفال! ويأتي بعد ذلك الفريق محمد عبد الغني الجمسي من 1974 وحتى 1978، وعين الجمسي وزيرا للحربية قبل أن تتحول بعد ذلك إلى اسم آخر هو وزارة الدفاع،وكان الجمسي قد أنزل قواته في انتفاضة 18 و19 يناير 1977، وكان شرط الجمسي ألا يطلق رصاصة واحدة على أي مواطن، وحينما ذهب السادات إلى القدس وبدأ مفاوضات السلام في كامب ديفيد مع الإسرائيليين قيل أنه اتصلت بعض قوى المعارضة المصرية بالجمسي وزير الدفاع حينذاك للقيام بانقلاب على السادات ورفض الرجل وأبلغت المخابرات الرئيس السادات عكس ذلك بأن الجمسي يسعى لانقلاب عليه فأقاله وعينه مستشارا عسكريا له يوم 5 أكتوبر 1978 مع تغيير وزاري جديد، وقال الجمسي في مذكراته تعليقا على هذا التوقيت:" ألم يكن من الأفضل والأنسب أن يتم ذلك في أي يوم آخر غير اليوم الذي حققت فيه مصر وقواتها المسلحة النصر، وكان لنا شرف المساهمة فيه" وحصل الجمسي على رتبة مشير سنة 1980 بعد حصوله على رتبة فريق بعد الحرب ثم فريق أول، وذكر في مذكراته أنه تقاعد بناء على طلبه في 11 نوفمبر 1980 ومن سنة 1978 وحتى 1980 تولى قيادة الجيش كمال حسن علي، وعن استبعاده من منصبه قال في كتابه" مشاوير العمر" إنه يوم 30 أبريل 1980 كان في لقاء مع السادات وقال له " يا كمال أنا شايف كفاية كده عليك وزارة الدفاع، وطبيعي لازم نكمل تنفيذ المعاهدة، وقريبا سيحدث تغييرا وزاريا وستشغل منصب وزير الخارجية، ونظرا لأقدميتك سوف تكون نائبا لرئيس الوزراء"، وقال كمال حسن: أحسست في ذلك الوقت أن الأمر تكليف وتشريف بالنسبة لي، وكان السادات هو الذي شكل الوزارة بنفسه. من قتل المشير أحمد بدوي؟! وجاء بعد ذلك الفريق أحمد بدوي، وفي 2 مارس سنة 1981، لقي هو وثلاثة عشر من كبار قادة القوات المسلحة مصرعهم عندما سقطت بهم طائرة عمودية في منطقة سيوة بالمنطقة العسكرية الغربية بمطروح، وأصدر الرئيس أنور السادات قراراً بترقية الفريق أحمد بدوي إلى رتبة المشير وترقية رفاقه الذين استشهدوا معه إلى الرتب الأعلى في نفس يوم موته، وهناك شكوك كبيرة حول استشهاده. مبارك يتخلص من أبو غزالة! ثم جاء المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة في سنة 1981، إلي أن قرر مبارك في أبريل عام 1989 إقالته وتعيينه مساعدا لرئيس الجمهورية، وهو منصب لم يكن له أي سلطات تذكر، وتم تعيين الفريق أول يوسف صبري أبو طالب وزيرا للدفاع ، ووصف مبارك قراره وقتها بأنه «تغيير طبيعي»، وأكد أن التغيير لم يكن للخوف من انقلاب عسكري تحت قيادة المشير أبو غزالة بما له من شعبية لتقديمه المساعدات للعساكر وجنود الصف والضباط واهتمامه بمظهر ومكانة الجيش المصري، فهذه مجرد شائعات وقد ذكر الكاتب محمد حسنين هيكل في كتابه " مبارك وزمانه من المنصة إلي الميدان" أنه في اتصال تليفوني مع مبارك سأله عما إذا كان من الممكن أن يحدث تمردا في القوات المسلحة فرد عليه قائلا: «إن زمن الانقلابات العسكرية انتهى!»، وفي لقاء هيكل مع أبو غزالة قال له"إن هناك من يتآمر عليه عند الرئيس مبارك، يصورون للرئيس أني أرى نفسي أجدر بالرئاسة منه". ويضيف أبو غزالة" الرئاسة لم تخطر على بالى، فأنا أعرف من أحوال البلد ما فيه الكفاية لإقناعى بالبقاء حيث أنا، ويضيف "هذا إذا كانت الرئاسة ضمن مطالبى، وهى لم تكن كذلك، فخلال الأحداث (تمرد الأمن المركزى) كانت دباباتى موجودة فى كل مكان فى العاصمة، ولو كان الاستيلاء على السلطة مطروحا بالنسبة لى لما احتاج الأمر منى إلى أكثر من ضابط (وحتى برتبة ملازم) يذهب إلى استوديوهات الإذاعة والتليفزيون ويلقى بيانا باسمى، وتنتهي القصة فى خمس دقائق، وساعتها كان الشعب مستعدا لأن يرحب، وأيضا كان العالم مستعدا لأن يقبل! ". أما عن الفريق أول يوسف صبري فقد تولى المنصب لمدة عامين وحتى مايو 1991، ثم يأتي بعد المشير محمد حسين طنطاوي والذي يتولى المنصب حتى الآن. طنطاوي يتقاعد! وصلت قيادة القوات المسلحة إلي الفريق محمد حسين طنطاوي يوم 20 مايو 1991، بعد أن كان قائدا لقوات الحرس الجمهوري، وبعدها بشهر أصدر مبارك قرارا بترقيته إلى رتبة الفريق أول، وفي 1 أكتوبر 1993 أصدر مبارك قرارا جمهوريا آخر بترقيته إلى رتبة مشير. وكانت ثورة 25 يناير نقطة فاصلة في حياة مبارك والمشير طنطاوي، فقد قيل إنه أثناء الثورة كان مبارك يريد الإطاحة بطنطاوي، ولكن عبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار السابق نفي كل ما تردد حول أن مبارك حاول إقالة المشير طنطاوى قبل تنحيه مبارك، مضيفا أنه كانت هناك محاولة مستمرة لوجود اصطدام بين الجيش والشعب، وأن القرار الوحيد الذي اتخذه الرئيس بمفرده خلال ال 18 يوما كان قرار تسليم السلطة للمجلس الأعلي للقوات المسلحة، ليصبح المشير طنطاوي على رأس السلطة في مصر، وقيل عن المشير إنه يطمع في السلطة ويريد أن يرشح نفسه للرئاسة، وخاصة بعد أن ظهر ببدلة مدنية في وسط البلد، ولكنه نفي كل ذلك مؤكدا على تسليم السلطة لمدنيين، وقبل نتيجة الانتخابات يقتسم السلطة مع الرئيس بإعلان دستوري مكمل، ثم يقدم التحية العسكرية إلي الدكتور محمد مرسي عقب فوزه بالرئاسة، ثم يستمر وزيرا للدفاع في حكومة الدكتور هشام قنديل، وبعدها بأيام يفاجىء الدكتور محمد مرسي الجميع بقراره بإحالة المشير طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان للتقاعد، ويمنح المشير قلادة النيل، البعض قال إنه بالاتفاق مع المجلس العسكري وذهب آخرون إلي أن ما حدث خروج آمن، وأيا كان المخزي من هذا القرار إلا أنه بذلك تركزت كل السلطات مرة أخرى في يد الرئيس دون مشاركة من أحد.