برغم أن الحديث عن الدستور كان محور لقاء هذا الشهر بالصالون الثقافي ل 'الشباب' الذي يديره الخبير الاقتصادي الدكتور محمود عمارة رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين في فرنسا , إلا أن الظروف الصحية للدكتور ثروت بدوي حالت دون وجوده معنا, وبرغم حصول الدكتور عمارة علي درجتي الماجستير والدكتوراة في القانون .. إلا أنه فضل أن يكون موضوع المناقشة في صالون هذا الشهر عن الحالة العامة للمصريين الآن وسط حوار مفتوح بينه وبين القراء.. وقد بدأ د . عمارة صالون هذا الشهر قائلا : نحن في مصر لا نشعر بأهميتها لأننا لم نتغيب عنها , ولكن المهاجرين ومن عاشوا خارج مصر أكثر شعورا بالانتماء وأكثر بحثا ومعرفة بتاريخ مصر من الذين يعيشون فيها , وكنت أشعر بالفخر وأنا في فرنسا ليس لكوني ناجحأ بقدر كوني مصريا , وارتفعت بداخلي ' الأنا ' المصرية لأن مصر أكبر بكثير مما نعتقد ونتصور وندرس في الكتب , من الطبيعي أن نجد بعضا ممن نعرفهم يدخلون في حالة من الإحباط , وأنا شخصيا دخلت في هذه الحالة والتي اعتبرها مثل ' المطب ' خاصة أنني شخص متفائل بطبعي واعيش في حالة أمل , وبدأت أسأل نفسي : إحنا صح ولا غلط ؟ ! وبدأت أضع نحو 200 سؤال , ورغم أن هذه الحالة غريبة علي لأني طوال الوقت متفائل إلا أنني وصلت إلي حالة من الغضب مثل أي واحد مصري , كنت أتخيل طوال الوقت مصر .. يا تري هيكون شكلها إيه ؟ ! وهل أنا مخطيء أم مصيب عندما قررت العودة من الخارج؟ ! وأكد عمارة أن هذه الحالة صحية جدا .. فجميعنا يحتاج إلي مراجعة نفسه من حين إلي آخر , ونحن لابد أن نعلم أنفسنا لو كانت مصر هي التي تهمنا وهي الهدف , ولابد أن نتعلم من تجارب الدول الناجحة الأخري في تجاوز أزمتنا , ولكن كل واحد لابد أن يبدأ بنفسه ويعلم أن كل مشكلة لها ألف حل والعبقرية هي أن نحصل علي أفضل الحلول وأنجحها وأرخصها في الوقت نفسه وأكثرها ملاءمة , وأي مشكلة لها العديد من الحلول ولكن في مصر الحل نبتكر له ألف مشكلة ! بعد ذلك سأله القارئ هشام الجمال : ما رأيك في كل هذا العدد من المرشحين لرئاسة الجمهورية .. خاصة أن منهم كثيرين يصلحون لقيادة البلد؟ وأجاب د . عمارة وقال : لابد أن نعرف أولا .. هل الخناقة علي الكرسي أم الخناقة علي نهضة مصر؟ ! , وبالتالي أري أننا في حاجة إلي رئيس وعدد من المساعدين أو النواب أو المستشارين بغض النظر عن المسمي الخاص بهم , ومنصب رئيس الجمهورية ليس معناه أنه عندما يجلس علي الكرسي سيصبح متميزا لأن بناء مصر يهمنا جميعا هذا لو كانت مصر هي الهدف الحقيقي , وطبيعي أن نجد أن أيا من المرشحين علي استعداد أن يعمل في أي موقع يكون فيه , ومن يريد أن يدير مصر ولكن ليست لديه ثقافة العمل الجماعي سيكون فاشلا لأن مسئولية البناء ليست فردية بل هي مسئولية جماعية . ثم سألت القارئة مها رياض : هناك بعض الأشخاص الذين يعتقدون أنهم فقط العارفون بمصلحة البلد ولذلك يرفضون قبول أي أفكار جديدة , فكيف نتعامل معهم , وهل هم ليسوا وطنيين؟ ! وأجاب د . عمارة : لا يمكن أن نقول عن أحد ليس وطنيأ لأنك لو سألت أي واحد سيقول لك إنه يحب البلد ويموت في ترابها , ولكن ممكن نكون وصلنا لمرحلة أن بعض الأمور التي تحتاج إلي تغيير أصبحت تمثل لهؤلاء جزء ا من الحياة اليومية , وهنا أشير إلي أن الإعلام بدوره يوجد الأفكار التنموية والتنويرية .. لكنه للأسف لا يوجد فيه من يفهم هذا المعني وبالتالي الكثير من المعدين يحضرون أي ضيف لمجرد الظهور , ومجلس الشعب دوره أن يوجد قانونا ثم يضع الآليات وأي قانون يتعارض مع مصلحة الناس يمكن أن يلغي لأن الدستور أو القانون ليس قرآنا لأنه من صنع الإنسان , وهناك بعض القوانين التي تحتاج إلي تعديل وبعضها يحتاج إلي حذف , ونحن مثل الذين اخترعوا التمثال وتفرغوا لاصلاحه دونما أي تفكير في قيمته .. فقد يقولون هكذا وجدنا آباءنا وأجدادنا , فلم نعد في حاجة بعد الثورة إلي ' تأليه ' أشخاص أو أفكار , ولابد أن نسير للأمام لأننا منذ 60 سنة نمشي للوراء . وسأل عاصم الطويل : كيف نبدأ التغيير بأنفسنا كما تطالبنا ؟ فأجاب الدكتور عمارة : أعرف أن تقويم النفس ليس من الأمور السهلة ولكنه يجب أن يحدث , وحتي يحدث التغيير لابد أن الشخص يقوم بتعويد نفسه علي الشيء الذي يريد تغييره في نفسه لمدة 28 يوما متصلة دون انقطاع , لأن كمبيوتر الجسم يتأقلم أوتوماتيكا مع الحالة التي تصنعها , ونقيس علي هذا كل شيء كأسلوب حياة سواء في مواعيد الأكل أو المذاكرة أو الصلاة أو الرياضة , وفي أوروبا نجد أن كل أماكن العمل تتوقف من الساعة 12 إلي 1 ظهرا ونجد كل المطاعم مليئة بالموظفين والعمال , وبعدها الكل يعود إلي العمل .. لكن إحنا هنا ' ماشيين بالبركة ' , نأكل ونشتغل في أي وقت لأنه للأسف مفيش نظام والذي هو أساس أي شخص ناجح , ومفيش حاجة اسمها ' خلاص أنا كبرت ومش هعرف اتغير ', لأن الواحد يقدر يغير من نفسه في أي وقت وفي أي سن , وفي البلاد الأوروبية يبدأ الإنسان يعيش ويستمتع بحياته بعد الستين .. أي بعد أن يخرج علي المعاش , لأنه في هذه السن يكون وصل إلي مرحلة الوفاء باحتياجاته من مسكن جيد ومعاش وسيارة وغيرها من الأمور , ونجد أن كبار السن من الأجانب هم أكثر إقبالا علي الاستمتاع بالدنيا . وأبدي القارئ عبد الرحمن مؤمن تخوفه من الدستور القادم . فرد الدكتور عمارة وقال : كلمة الدستور هي الإطار الذي نعيشه وهي أسس يتفق عليها الجميع ولابد أن يوافق عليها المجتمع حتي يعمل بها , وبالتالي القانون الذي لا يناسب المجتمع فمن الطبيعي أن يقوم بتغييره حتي تسير عجلة الحياة بسرعة , ولا خوف من القانون أو الدستور الجديد , ولابد أن يضع كل واحد دستورا لحياته ولنفسه لأن الإنسان من خلال التجارب التي يعيشها يحاول أن يكتشف نفسه مع كل موقف يمر به , والمجتمع يمنح الناس الفرص بحيث إن كل واحد يكتشف ما الذي بداخله ويحاول أن يطور منها ليصنع القالب الذي يحب أن يكون فيه وعليه ويوسع من هذا الإطار , والتجربة دائما خير معلم وهي الطريقة الأصلح وأري أن التعلم بالتجربة واكتساب الخبرات الحياتية أهم 100 مرة من الفلوس وفي الخارج الثروة تساوي المعرفة والدول الغربية تحترم من لديه المعرفة ولكننا للأسف نحترم من لديه المال وهذا خطأ كبير . وسألت القارئة أمل عبد الفتاح : كيف يمكن للإنسان أن يكون غنيا معرفيا , خاصة أنه لا يوجد وقت لقراءة الكتب بشكل كبير مثل زمان؟ ! فقال د . عمارة : الوقت موجود ولكنه يحتاج إلي تنظيم , فلابد أن ينال كل واحد منا قدره من المعرفة من خلال الكتب , ولكن هناك جزء مهم أيضا من تكوين المعرفة من خلال التجارب الحياتية التي نمر بها مهما تكن أخطاؤنا إلا أننا في كل مرة نتعلم منها , ويمكن اكتسابها أيضا من خلال من هم أكبر منا خبرة ومعرفة وبالتالي لا يجب أن أضيع وقتي مع من أقل مني خبرة , وأن يكون الأولوية لمن استفيد منه خبرة وعلما وهذه فرصة كبيرة , فأنا تعلمت مثلا من الأستاذ عبد الوهاب مطاوع عليه رحمة الله ومازلت أنقل خبراته التي علمها لي لكل تلاميذي وأصدقائي , كما أن كل من هو ثري معرفيا لا يحب أن يموت بأفكاره ولا تكون حبيسة ذهنه فقط , وهذا لسببين : فهو يشعر أنه يفيد البشرية , والسبب الثاني أنه كلما أفرغ ما في ذهنه من معلومات سيستوعب معلومات جديدة , أما الفقير معرفيا فهو من يريد أن يحجب الأفكار والمعلومات عمن حوله . وقاطعه القارئ محمد مصطفي متسائلا : لماذا كل مصري يفتخر بأنه صاحب حضارة ال 7 آلاف سنة برغم أنه لا يشعر بأي تقدم أو نهضة ولا يوجد مشروع قومي نتوحد عليه؟ ! فأجابه د . عمارة : لأننا طوال الوقت نتحدث من منطلق أننا أصحاب حضارة الفراعنة , وعلي فكرة الفرنسيون أكثر شعوب العالم اعتزازا بما لديهم , وتخيل أنك المصري صاحب حضارة ال 7 آلاف سنة وعملت ما يمكن أن يضيف لهذه الحضارة وصنعت بنفسك ما تفتخر به .. يبقي من حقك تكون ' حاسس بنفسك قوي ' ولكن للأسف إحنا عايشين علي القديم , لكن مشروعات النهضة تجعل الدول والشعوب من حولك تحترمك , لأن الدول لا تحترم إلا القوي ولن نقوي إلا بإحداث النهضة والتنمية , ويمكن لكل واحد منا أن يعيش ويعمل 700 سنة , وذلك أنك تعمل في اليوم الواحد ما يمكن أن تعمله في 10 أيام , ولكن للأسف ما كان يمكن أن ننجزه في يوم كان مقسما علي 10 أيام بسبب التأجيل والتسويف , لكن ثقافة ' فوت علينا بكرة ' لم تعد صالحة معنا اليوم , لابد أن كل واحد يعود المجتمع علي ما يريده مادام لا يتعارض مع قانون الآخرين .