أحن إلي الأيام التي قضيتها في إيران حنيني إلي قصص حب الطفولة , لا أعرف إن كنت سأزورها ثانية أم أنها كانت الأولي و الأخيرة , ربما هذا سر تعلقي بها , لا أحن للبلاد التي يمكنني أن أتوجه إليها صباح غد , لكن زيارة إيران الآن ربما تبدو صعبة , فلو تفهم الأمن هنا أنني أزورها كصحفي فلا أثق بأن الأمن هناك قد يطلق لي عنان الحركة إذا عرف أنني صحفي وكمان مصري . فمن حسن حظي أنني زرت إيران في فترة حكم الفيلسوف خاتمي حيث كانت الحالة العامة في البلد تميل للاعتدال , كان نائب الرئيس امرأة اسمها ' معصومة ابتكار ' كانت طوال حواري معها تداري الربع الأسفل من فكها بطرف الخمار كالفلاحات المصريات , لكن عينيها كانتا مبتسمتين طيلة الوقت , أهديتها لوحة من ورق البردي فكافأتني بأن توسطت لتحديد ميعاد مع أشهر شخصية نسائية في هذا الوقت ( فائزة هاشمي رافسنجاني ) التي كانت تشغل منصبا مشابها لمنصب وزير الشباب والرياضة , كانت شخصية عملية جدا ولا تجري حوارات صحفية لكن بوساطة نائب الرئيس حصلت علي موعد معها في تمام السابعة صباح اليوم التالي ولمدة 30 دقيقة , حدثتني خلاله عن مشروع الأوليمبياد النسائي , أما وزير الثقافة وقتها ( عطاء الله مهاجراني ) فتحول إلي صديق بعد المقابلة الأولي , كان كل نصف ساعة يصارحني بأنه فخور بجلوسه إلي صحفي في الأهرام , كانت الاهرام تعني له الأستاذ هيكل , وكانت كتب و مقالات هيكل هي مرجعيته دائما عندما نتحدث عن مصر , كان عاشقا لمصر بجنون وعندما سألته عن الحكمة من إطلاق اسم خالد الإسلامبولي علي أكبر شوارع طهران قال : إنه ميراث سياسي ثم أردف قائلا : لا تنس أن القاهرة فتحت أبوابها لشاه إيران بعد الثورة و أنه مازال مدفونا هناك , ولم يحضرني أي تعقيب علي كلامه وقتها , كان كريما وسألني عن اسم الفندق الذي أقيم فيه فأخبرته فقال لي : إنهم لصوص وطلب مني أن أتركه , وعندما فعلت اتصلت به فقال لي : أنت منذ هذه اللحظة ضيف وزارة الثقافة الإيرانية وانتقلت للإقامة في فندق أفضل محاطا بكرم ضيافة كله رقة . ذهبت إلي إيران و كل ما أعرفه أن سكانها شيعة و متشددون وأن اسمي ربما يكلفني حياتي ( بما عرف عن الشيعة من تحفظهم علي سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ) وأنني ربما أتلقي طعنة إذا أطلت النظر إلي فتاة إيرانية جميلة في الشارع , وأنه من رابع المستحيلات أن أجد هناك محلا لبيع السجائر , وأنني سأسمع عند الأذان ( اللهم صلي علي سيدنا علي ) , وهناك اكتشفت أنني كنت ضحية للجهل الذي كان يسيطر علي نظرتنا لإيران وقتها بحكم انقطاع العلاقات بالإضافة إلي أن الانترنت لم يكن قد ظهر وقتها (1999) , صليت هناك مع السنة في مساجدهم وصليت مع الشيعة في حسينياتهم , زرت المقاهي الموجودة فوق جبل مرك وجلست أدخن التمباك مع شلة بنات جامعيات ثم دعتني والدة إحداهن لتناول الغداء في بيتها وهو ماحدث , دخلت مطاعم بها فرق موسيقية محترفة , واحدة من هذه الفرق عندما عرفت أنني مصري غنت لي بلهجة عربية مضحكة أغنية عمرو دياب ( حبيبي يا نور العين ), دخلت السينما وشاهدت الفيلم الذي كان حديث طهران وقتها ( الرجل الثلجي ) , وتلقيت دعوة لحضور تصوير فيلم كاتبه ومنتجه ومخرجه امرأة جميلة اسمها فريال بهزان . أحن إلي رائحة شوارع طهران بعد المطر و إلي ( علي ) سائق التاكسي الذي التقيته بالمصادفة واكتشفت أنه يجيد العربية بحكم عمله في الكويت لفترة طويلة فتحول إلي مرافق ومترجم ومرشد سياحي , كان علي هو مفتاحي إلي تركيبة الشعب الإيراني والطريقة التي ينظر بها إلي الدين , ولن أنسي اليوم الذي كنا عائدين فيه إلي الفندق ليلا وسط الظلام الدامس ودخل شارعا اتجاه واحد وهو مسرع فوجد سيارة قادمة في الاتجاه العكسي كادت تصدمنا لولا أنه تفادها بمهارة , بعدها فتح شباكه وسب السائق بكلمات إيرانية , سألته عما قاله لأتعلم منه ( شتيمة إيراني ) فقال ( قلت له .... أنت مسلم أنت؟ ). [email protected]