وسط حالة الجدل والتشكيك وعدم الثقة التي تصل في بعض الأحيان إلي التخوين .. مازالت هناك شخصيات قليلة جدا في مصر تحظي باحترام وإجماع من كل التيارات السياسية المختلفة , وعلي رأس هؤلاء المستشار محمود الخضيري رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب والذي تحدث معنا بصراحة من داخل إحدي قاعات المجلس عن مصر وأسباب تراجع الثقة في المجلس العسكري وأخطاء المرحلة السابقة وما يجب علينا في المرحلة القادمة تحدثنا أيضا عن الانقسامات التي تحدث داخل الإخوان ورأيه في وصف الدكتور سعد الكتاتني بأنه مشروع جديد لفتحي سرور وطبعا تطرق الحوار إلي رأيه في الرئيس القادم والدستور الجديد والتخوف من وجود صلاحيات واسعة للمجلس العسكري والرغبة في إلغاء مجلس الشوري .. تابعوا الحوار التالي علي مسئولية المستشار الخضيري .. ملاحظة : تم إجراء هذا الحوار قبل بدء اجراءات تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور . تصوير : محمود شعبان كيف تري مصر في هذه المرحلة ؟ في الحقيقة الرؤية بها نوع من الغموض لأن البلد عندما تواجه هذا الكم الهائل من المشاكل وتحديدا المشاكل الأمنية بالذات ولا نستطيع أن نعرف من وراءها ومن يحركها هذا أمر به نوع من الغموض والقلق وحتي يمكننا أن نصف العلاج فعلينا أولا أن نشخص المرض لأن التشخيص يسبق أي شيء , ونحن حتي الآن نقول : إنه يوجد طرف ثالث .. لكن من هو ؟ ! وحتي الآن لم تستطع الأجهزة الأمنية التعرف عليه , فهل هذا عجز منها أم نوع من التقصير ؟ ! ولكني أتصور أن هذا الطرف الثالث لا يعدو أنه ممن أضيروا من الثورة لأنه من الطبيعي جدا في أي جريمة من الجرائم عندما لا نستطيع التعرف علي الفاعل نبحث عمن له المصلحة في هذا الأمر وهذا يكون أول وأهم خيط في مثل هذه الأمور . البعض يلمح إلي أن الطرف الثالث هو الذي يريد البقاء طويلا في السلطة , أي المجلس العسكري .. هل تتفق مع هذا الرأي؟ المجلس العسكري تعرض لهجوم شديد جدا خلال الفترة السابقة وهذا الهجوم أعتقد أنه جعله لا يأمل كثيرا في السلطة وأتصور أن المجلس العسكري حتي الآن لم يظهر منه أنه يطمع في السلطة ورغم ذلك تعرض لهذا الهجوم .. فما بالنا لو انه فعلا يطمع في السلطة , الهجوم سيكون أشد , وأري أن المجلس العسكري إذا لم يقم فعلا بتسليم السلطة في الموعد المحدد وهو 30 يونيو القادم سيتعرض لثورة أخري أعنف وأشد من ثورة 25 يناير لأن الناس ليس لديها أدني استعداد لكي تستبدل حكما عسكريا بآخر , خاصة وأننا لدينا تصور أن الحكم العسكري عنوانه الظلم والاستبداد , وأري أن المجلس لو طمع في السلطة هذا يعني أنه ينتحر ويجعل البلد تضيع علي يديه وهذا الأمر لا يمكن لأحد تحمله !. كيف تري الفجوة بين الثوار والمجلس العسكري , فمن بعد ' الجيش والشعب إيد واحدة ' وصلنا إلي ' يسقط حكم العسكر ' ؟ السبب وراء هذه الفجوة أن المجلس العسكري بطيء الاستجابة فعندما طالبنا بحبس الرئيس المخلوع واستقدامه من شرم الشيخ إلي الحبس ظللنا نحارب أياما طويلة حتي تمت الاستجابة , ولا يمكن أن نعول الأمر علي النيابة لأنها لا تنفذ والشرطة وقتها كانت منهارة ولا تملك القوة لتنفيذ هذا الأمر ولكن المجلس العسكري هو الوحيد الذي كان يملكها وتباطأ أما الأمر الثاني فهو أن المجلس العسكري ليس لديه السياسة التي يتعامل بها مع المظاهرات , حتي الشرطة لديها من الوسائل كالغاز المسيل والعصا الكهربائية وغيرهما .. أما المجلس فليس لديه سوي الرصاص الحي وهو لا يستخدم إلا في ظروف معينة ويكون القرار الأخير , وهذا جعل المجلس العسكري يفقد كثيرا من المؤازرة وتعاطف الشعب معه . وكيف تري المطالب التي تنادي بتسليم السلطة الآن وفورا؟ الشرطة ضعيفة ولو أن المجلس العسكري ترك المهمة الآن فمن الذي يحرس البلد ؟ ! وأنا ألاحظ أن أغلب الشكاوي الموجودة الآن بسبب عدم الأمن وبالتالي وجود القوات المسلحة يخلق نوعا من الهيبة والردع في الشارع , ونحن نتمني أنه لو أراد الثوار فعلا تسليم السلطة وبسرعة أن يساعدوا علي استقرار الأمن وأنا في الحقيقة أري أن المجلس العسكري حتي الآن لم يخل بوعوده ولو حدث هذا سيجدنا الثوار في مقدمة المتظاهرين . من خلال رئاستك للجنة التشريعية .. ما هي أهم التشريعات التي توقفت عندها والتي بحاجة إلي تعديل؟ كل ما تم في العهد الماضي يحتاج إلي مراجعة فأنا مثلا لا أتصور أن تظل اتفاقية تصدير الغاز كما هي فلا يمكن أن يظل استمرار إهدار العديد من المليارات حتي الآن وحتي بالنسبة للإسكان لابد من إعادة النظر في موضوع الإيجارات القديمة أو أن الساحل الشمالي الذي يمكن أن يجعلنا نستغني عن استيراد القمح ولابد من تطهيره من الألغام , وهناك العديد من الأمور الخاصة بالتعليم والصحة ونهر النيل الذي أصبح ' مصرف مجاري ' ونحن نشرب منه وأنا أركز علي التشريعات التي صدرت في فترة الريبة فضلا عن قانون السلطة القضائية وهناك العديد من الأمور ولدي الخطة بأن تكون هناك لجان من أساتذة الجامعات والقضاة السابقين والموجودين حاليا وعدد من العاملين بالمجال لكي يكون الأمر مترابطا وبه جميع الآراء , وكل الأفراد المشاركين متطوعين من أجل خدمة البلد . وكم تستغرق من الوقت للوقوف علي هذه التشريعات وإعادة النظر فيها مرة أخري؟ كل لجنة ستكون معنية بمجالها وتخصصها وبالتالي سيكون هناك مزيد من الإنجاز وربما لا يستغرق هذا الأمر أكثر من فصل تشريعي واحد علي الأكثر , وربنا يصلح الحال . وهل يمكن للدستور الجديد أن يلغي مجلس الشوري؟ ممكن جدا أن يتم ذلك وأنا أعتقد أن عدم الإقبال علي انتخابات مجلس الشوري يعد مؤشرا لإلغائه فإذا نظرنا إلي حجم الإقبال علي انتخابات المجلسين نجد أن مجلس الشعب كان أكبر وهذا يدل علي أن الناس غير راضية عن هذا المجلس وهذا من العيوب الشديدة للمجلس العسكري . مابين المطالبة بالانتخابات الرئاسية أولا أو الدستور أولا أيهما الأفضل للمرحلة والوضع الحالي؟ لو كان الأمر بيدي كنت أقمت جمعية تأسيسية مكونة من 50 عضوا وطلبت منهم وضع الدستور دون الحاجة إلي إعلان دستوري أو استفتاء علي الدستور مع تأجيل الانتخابات البرلمانية , وذلك خلال 3 أو 4 شهور علي الأكثر وعند ما يصبح لدينا دستور ننظم انتخابات مجلس الشعب علما بأن مجلس الشعب الآن غير مستقر حتي الآن , علي أن يكون وضع مجلس الشوري أن تمنح له اختصاصات أو يتم إلغاؤه ولو كان الدستور أولا كنا أصبحنا مستريحين بدلا من الجدل القائم قبل الدخول علي كل مرحلة , وبعدها تأتي الانتخابات الرئاسية وتستقر الأمور بعد ذلك ولكن ما حدث هو إهدار للوقت مما جعل الناس تشعر بعدم الإنجاز وهذا يرجع إلي عدم خبرة القوات المسلحة بالحياة المدنية , ورغم المطالبة بعمل مجلس استشاري فور تنحي مبارك إلا أن المجلس العسكري ' زعل ' واعتقد أننا لا نثق به ولكن يبدو أننا تعجلنا في فرحتنا بقدوم العسكري وبالتالي نحن الآن أمام إجراء الانتخابات الرئاسية أولا لأنه لكي نضع الدستور هذا الأمر يستغرق وقتا وبالتالي قد يؤخر موعد تسليم السلطة وأعتقد أننا نسير وفقا لانتخابات الرئاسة أولا . الكثيرون يخشون أن تكون للقوات المسلحة صلاحيات واسعة في الدستور الجديد؟ بإذن الله لن يكون للقوات المسلحة ميزة إضافية لا تتمتع بها القوات المسلحة في أي دولة من الدول الراقية ونحن لدينا الجيش الأمريكي والإنجليزي والمميزات التي يتمتع بها هؤلاء سوف تمنح للجيش المصري ولن تكون هناك مميزات أخري إطلاقا أما عن مراقبة حسابات القوات المسلحة فأقول إننا أمام نموذج مجلس الشعب .. حيث إن ميزانيته غير مراقبة إلا إذا رغب , وبالتالي علينا أن نبدأ بأنفسنا وسوف نعمل علي تغيير اللائحة علي أن يخضع مجلس الشعب للجهاز المركزي للمحاسبات حتي إذا تكلم شخص أقول له إن الأمر سواء . هل تراجعت شعبية الإخوان بعد مجلس الشعب خاصة أن هناك العديد من التعليقات الخاصة بطريقة إدارة المجلس ووصف رئيسه بأنه فتحي سرور جديد؟ لا أري هذا فالشعب هو الذي اختار الإخوان والقوائم الانتخابية وأري أن إدارة الجلسات ليس بها أي رعونة من جانب الدكتور الكتاتني بل يؤخذ أحيانا علي رئيس المجلس التراخي وليس الشدة ولا أري أي وجه مقارنة بينه وبين فتحي سرور علي الإطلاق فهناك اختلاف كبير جدا وأنا شخصيا أشعر كأنه عضو عادي ومسألة الرئاسة لا أشعر بها مطلقا فهو يريد أن يرضي جميع الأطراف ولكنه لن يعرف وهذا المجلس ليس سهلا ولكنه مجلس متمرد فهو أصعب مجلس في تاريخ الحياة البرلمانية كلها وكل عضو به لديه شعور أنه رئيس وليس لديه استعداد لشيء آخر . وماذا عن الانقسام داخل الجماعة نفسها؟ أري أن الانقسام واختلاف الرأي أمر وارد خاصة أن الإخوان حزب كبير وأكبر حزب في مصر ولكن الشعبية التي حصل عليها الاخوان أحدثت لهم نوعا من العداء وأنا سمعت كلاما في الحقيقة لم يعجبني وأنهم نجحوا بزجاجة زيت وكيلو سكر وهم بالتالي يشتمون 30 مليونا , ولكن مسألة الشعبية لا تقاس بمقالة كتبت أو خبر .. وانا شخصيا كنت متصورا أنهم لن يحصلوا علي أكثر من 35 % ورغم ذلك حصلوا علي هذه النسبة وهذه الانتخابات هي التي تفرز الشعبية الحقيقية وتكون أكثر صدقا من استطلاعات الرأي . المستشار محمود الخضيرى