لقب وحيد و9 محطات تدريبية.. ماذا قدم جاتوزو قبل تولي تدريب إيطاليا؟    محافظ المنيا يؤكد: خطة ترشيد الكهرباء مسئولية وطنية تتطلب تعاون الجميع    إعلام إسرائيلى: صفارات الإنذار تدوى فى الجولان والجليل ومنطقة حيفا    رئيس جامعة المنوفية يرأس لجنة مقابلات لتجديد مناصب مديري العموم وأمناء الكليات    دعاء دخول امتحان الثانوية العامة لراحة القلب وتيسير الإجابة    تعرف على الدول العربية الممنوع تسيير رحلات جوية من مصر إليها    مدبولى: مخطط طرح أول المطارات المصرية للإدارة والتشغيل قبل نهاية العام الجاري    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا ل رئيس الوزراء (تفاصيل)    استمرار أعمال توريد القمح بتوريد 508 آلاف طن قمح منذ بدء موسم 2025 بالمنيا    رئيس مجلس الدولة يفتتح فرع توثيق مجمع المحاكم بالأقصر    محافظ الغربية يجرى جولة مفاجئة داخل مبنى الوحدة المحلية بسبرباى بمركز طنطا    إسرائيل تعلن ضرب المنشأة النووية الإيرانية في أصفهان    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    تأجيل نهائي كأس أمير الكويت لأجل غير مسمى بسبب أحداث المنطقة    رئيس الوزراء العراقي: العدوان الإسرائيلي على إيران يمثل تهديدا للمنطقة    محافظ الشرقية يستقبل أسقف ميت غمر ودقادوس وبلاد الشرقية والوفد الكنسي المرافق    فرانك يفتتح عهد توتنهام بالتعاقد مع تيل ودانسو.. خيارات جديدة في الهجوم والدفاع    مانشستر يونايتد يواجه ضربة بسبب تفضيل جيوكرس لأرسنال    امتحانات الثانوية العامة بالمنيا دون شكاوى في يومها الأول    إحالة أوراق المتهم بخطف طفل وقتله لسرقة دراجته في الشرقية إلى المفتي    تحريات لكشف تفاصيل اتهام موظف بسرقة أدوية فى الطالبية    ليس لأبراج تل أبيب.. مقطع مزيف للقصف الصاروخي في إسرائيل ينتشر على مواقع التواصل    خالي قتل أمي بكوريك.. القصة الكاملة لجريمة بالغربية سببها علبة سجائر    صحيفة أحوال المعلم 2025 برابط مباشر مع الخطوات    نقابة المهن الموسيقية برئاسة مصطفى كامل تنعى نجل صلاح الشرنوبي    ما يقرب من 2 مليون.. تعرف على إجمالي إيرادات فيلم "المشروع X"    احذر عند التعامل معهم.. أكثر 3 أبراج غضبًا    لطيفة تؤجل طرح ألبومها الجديد بعد صدمة وفاة شقيقها نور الدين    مكتبة الإسكندرية تطلق أحدث جوائزها للمبدعين الشباب    المتحف المصري الكبير يستقبل الزائرين.. وإلغاء قرار الغلق بداية من اليوم    السيسي يصدق على إطلاق مبادرة «مصر معاكم» لرعاية أبناء الشهداء    لطلبة الثانوية العامة.. تناول الأسماك على الغداء والبيض فى الفطار    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    شكوك حول مشاركة محمد فضل شاكر بحفل ختام مهرجان موازين.. أواخر يونيو    حزب العدل والمساواة يعقد اجتماعًا لاستطلاع الآراء بشأن الترشح الفردي لمجلس الشيوخ    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    النواب يحذر من تنظيم مسيرات أو التوجه للمناطق الحدودية المصرية دون التنسيق المسبق    نظام غذائي متكامل لطلبة الثانوية العامة لتحسين التركيز.. فطار وغدا وعشاء    حسين لبيب يعود إلى نادي الزمالك لأول مرة بعد الوعكة الصحية    "برغوث بلا أنياب".. ميسي يفشل في فك عقدة الأهلي.. ما القصة؟    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    جامعة القاهرة تنظم أول ورشة عمل لمنسقي الذكاء الاصطناعى بكليات الجامعة ومعاهدها    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    «خلافات أسرية».. «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالأسلحة البيضاء في البحيرة    أخر موعد للتقديم لرياض الأطفال بمحافظة القاهرة.. تفاصيل    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    توافد طلاب الدقهلية لدخول اللجان وانطلاق ماراثون الثانوية العامة.. فيديو    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    أنظمة عربية اختارت الوقوف في وجه شعوبها ؟    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    موعد مباراة الأهلي وإنتر ميامي والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خليل صويلح: أنا صديق الموتى
نشر في أخبار السيارات يوم 15 - 06 - 2019

لا يملك الكاتب السورى خليل صويلح أصدقاء كما يرغب، وكما يحتاج. أصدقاؤه هاجروا خارج البلاد واحداً وراء الآخر، أو أنهم ماتوا باكراً. طاولته فى مقهى الروضة التى كانت تزدحم بهم قبل سنوات شبه خاوية اليوم.
بالكاد يعبر أحدهم مثقلاً بهموم وأوجاع ومكائد الحرب. صداقات تنطفئ بانتهاء جلسة الظهيرة. هكذا يعيش عزلة قسرية، وأحياناً عزلة اختيارية لمقاومة الضجر والتكرار والطعنات. يقول: «بالنسبة لبدوى مثلى لم أتمكّن من الانخراط بتربية العلاقات العامة والنفاق والعناق المجانى لمن لا أشتاق إليه فعلاً. الوضوح أكسبنى عداوات أكثر مما منحنى صداقات. هناك أيضاً الغيرة المهنية، ذلك أن العمل فى الصحافة الثقافية يراكم خصوماً بالجملة. خلال عملى لسنوات فى المؤسسة العامة للسينما، فقدت صداقات معظم السينمائيين. ما إن تكتب عن فيلم أحدهم جملة نقدية مضادة حتى تجد نفسك فى خندق الأعداء. اتسعت دائرة الخصوم أثناء عملى الطويل بمنابر ثقافية مختلفة، وإذا بالضغينة المهنية ترتدى عباءة شخصية، خصوصاً من أولئك الذين احتضنتهم فى بداياتهم، وكأن قتل الأب باكراً ضرورة حياتية للتخلّص من أعباء ومثالب الأمس»‬.
فى الثمانينيات أدار صاحب «عين الذئب» و«ورَّاق الحب» و«بريد عاجل» و«دع عنك لومى» ظهره للصحراء. اجتاز ألف كيلو مترا باتجاه العاصمة مدفوعاً برغبة الكتابة، وكان من أوائل من تعرف إليهم الشاعر رياض الصالح الحسين صاحب «خراب الدورة الدموية». التقيا فى موقف الباص أمام صحيفة تشرين، ثم حجزا مكاناً فى ممر الباص المزدحم، تبادلا عبارات خاطفة، ثمّ ذهبا إلى «اللاتيرنا» ملتقى المثقفين فى الثمانينات، ثم التقيا مساءً فى بيت الشاعر بندر عبد الحميد، الذى كان يجمع معظم مثقفى تلك الفترة، ثمّ لم يفترقا لاحقاً طوال ثلاث سنوات، إذ فجع خليل بموته المبكّر. يقول: «كان رياض من ألمع شعراء تلك الفترة، فقد حاسة السمع فى طفولته. نشأت صداقتنا بالكتابة على الورق. كان يكتب لى ما يود قوله، وأجيبه بكتابة مماثلة على طرف جريدة أو فى الهواء أو على ركبتى. باندفاعات الألفة صار يلتقط حركة الشفاه. كتب بعض قصائده فى غرفتى، ثمّ شطب الإهداء إثر خصومة طارئة بسبب امرأة. كان يزورنى يومياً فى القبو الذى استأجرته فى حى المزرعة، وأزوره فى غرفته فى حى الديوانية القريب من سكنى. ألقى حصاة باتجاه نافذة غرفته فى الطبقة الثانية من بيت عربى قديم كى يفتح الباب. كان أليفاً وشفّافاً وموهوباً، مات بفشل كلوى فأفجعنى غيابه».
فى مقهى الروضة سيتعرّف صويلح إلى شعراء الثمانينيات والتسعينيات. يقول إن «معظمهم كانوا أدونيسيين بمواهب ضحلة عموماً، فيما كان الشعراء الأكراد يقتفون أثر سليم بركات، وكان للماغوط حصّة أيضاً، وكانوا متسكعين كصعاليك ولكن بلا نبالة»، ويضيف: «ريبتى البدوية ربما هى من وضعتنى على مسافة من هؤلاء، عدا أوقات فراغ لا ترقى إلى مرتبة الصداقة بسبب فخاخ كثيرة كانوا ينصبونها فى وضح النهار. سأجد ضالتى بشاعر من جيل السبعينيات هو إبراهيم الجرادى العائد من موسكو للتو. بدوى يشبهنى فى نفوره وخشمه المرفوع وأمراضه العاطفية. صحبة طويلة وأسرار ونميمة وشغف بالكتابة المضادة، وتشريح الموائد الثقافية المجاورة بمبضعٍ حاد. صداقة حميمة، وشجن واعترافات وسخط. سأهجر كتابة الشعر نحو الرواية فيما سيستمر الجرادى من منفاه اليمنى بكتابة نصوصه التجريبية. كان أول من يقرأ مخطوطات رواياتى باهتمام، قبل نشرها، وكنّا مأخوذين باللغة التى تحمل أوجاع الشمال، وتزعزع طمأنينة المركز بإيقاظ النخوة المفقودة فى البلاغة، لكن صاحب (شهوة الضدّ) سينكفئ لاحقاً نحو الإيقاع، وكأنه لم يكتب يوماً (رجل يستحم بامرأة)، وسينطفئ تدريجياً تحت ثقل هموم المنفى والوحدة والهباء، ثمّ سيعود إلى البلاد متأخراً. قال لى قبل رحيله المفجع، ونحن خارجان من مقهى الروضة: أنا مريض، ثمّ سيعترف بأنه السرطان، أجرى عملية ناجحة لاستئصال الورم، لكن جلطة دماغية باغتته بعد أيام، وفقد النطق، حاول أن يكتب لى ما يود قوله لكن خطه لم يكن واضحاً، وبقيت الكلمات على هيئة ألغاز. مات فى صبيحة يوم شتوى، وأجهشت ببكاء محموم، ولم أملك شجاعة حضور الجنازة، ليدفن فى مقبرة الغرباء من دون أن يعود إلى مسقط رأسه على ضفاف الفرات».
قبلها بأشهر مات رياض شيّا فى باريس بسرطان الحنجرة. كان للوقت مع هذا المخرج السينمائى طعم آخر، كما يحكى خليل، وهما يتبادلان أسماء الروايات وفلاسفة الصورة ومواقع الحانات فى أزقة دمشق القديمة، ثم رحل من دون أن ينجزا عملاً سينمائياً مشتركاً، كما كان يفكّر.
أنا و محمد ملص نقتسم الضجر و فكرة اللا أمل
اقترب صويلح من محمد الماغوط كذلك. بدأت العلاقة بينهما مهنية، فقد كان صويلح مراسلاً لمجلة «الوسط» اللندنية، وكان الماغوط يكتب صفحة أسبوعية فيها، كما كانا يقطنان شارعاً واحداً، وشيئاً فشيئاً نشأت بينهما صداقة من نوعٍ ما، كانت حصيلتها كتابه عنه «اغتصاب كان وأخواتها»، وهو أقرب ما يكون إلى سيرة ذاتية على هيئة حوار طويل ومتشعب. يقول: «كان مثل ذئب وحيد، وكنت أنصت إلى عوائه»، ويعلق: «هكذا ترى بأننى صديق الموتى، ففى مدينة شبه خاوية يصعب أن تجد صديقاً دائماً. هناك عابرون»، ولكنه يستدرك: «ولكن مهلاً، ينبغى أن أتوقف عند صداقة من نوعٍ مختلف جمعتنى بالسينمائى محمد ملص طوال سنوات الحرب. نلتقى أسبوعياً فى ظهيرة مقهى الروضة بناءً على اتصال هاتفى منه. نتبادل أفكاراً جديّة فى السينما وأمراض الثقافة وفساد المؤسسات الثقافية والشائعات والمشاريع المجهضة. أزوده بمخطوطات رواياتى الأخيرة، وأنصت إلى ملاحظاته بانتباه، كما لا أتردد فى إبداء ملاحظاتى على سيناريوهات أفلامه المؤجلة، أو مخطوطات يومياته ومراسلاته، بالإضافة إلى أننا نقتسم الضجر وفكرة اللاأمل، وهى تنمو بأنياب وحش، حول مائدة الرخام وأكواب القهوة المرّة، وبقايا السجائر. صراحتى المفرطة فى تقويم عمل ما، أو شخصٍ ما، أكسبتنى عداوات مؤقتة، ستتحوّل لاحقاً إلى ثقة، فالأصدقاء يحتاجون إلى رأى سديد أمام مجاملات الآخرين. يمتصون الصدمة على مراحل من شخص يثقون بصواب رأيه، وسوف أحتل هذه الصفة باطمئنان كوشم بدوى فى الساعد، وربما لهذا السبب لدى صديقات أكثر مما لدى من الأصدقاء. فى عزلتى الراهنة اتكئ على أكتاف الكتب، أنصت إلى اعترافات الآخرين وحكمتهم وطيشهم، أحس بغبطة حقيقية عندما أكتشف كتاباً ملهماً، إذ يرافقنى إلى المقهى وفى السرير إلى أن أقع على كتابٍ آخر».
فى الصداقة، تحضره رواية أريك ماريا ريمارك «ثلاثة رفاق»، وتذهله تلك الصحبة بين دون كيخوته وسانشو فى تحفة سرفانتس، فما الصداقة إذن؟ يجيب خليل صويلح: «هى أن تخلع أقنعتك، أن تمنح مفتاح صندوقك الأسود لكائن آخر دون خشية أو وجل، وكأنه قرينك. الصديق هو الشخص الذى تهديه زمرة دمك بلا تردّد».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.