محافظ مطروح يشهد ختام الدورة التدريبية للعاملين بإدارات الشئون القانونية    رئيس وفد الاتحاد الأوروبي: مزرعة الرياح الجديدة خطوة مهمة نحو توفير الطاقة النظيفة والمستدامة لمصر    طرح وحدات سكنية في القاهرة الكبرى بأسعار مميزة.. بالتقسيط وكاملة الخدمات    بعد النرويج وإسبانيا.. أيرلندا تعترف بدولة فلسطين رسميا    أونروا: ما يحدث في رفح الفلسطينية سيدفع بالعمليات الإغاثية والإنسانية إلى الانهيار    اليوم.. ينطلق معسكر الفراعنة استعدادا لمبارتي بوركينا فاسو وغينيا    وجوه جديدة وعودة بعد غياب.. تعرف على قائمة المغرب للتوقف الدولى    نتيجة الصف الثالث الاعدادي برقم الجلوس الترم التاني 2024 ( رابط مفعل)    موعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2024.. تصل إلى 9 أيام متصلة (تفاصيل)    تويوتا لاند كروزر.. النيابة تسلم سيارة عباس أبو الحسن بعد فحصها من حادث دهس سيدتين    إحالة المتهمين بترويج عقاقير وأدوية مخدرة أونلاين للمحكمة الجنائية    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية البراجيل في ملوي غدًا    انطلاق فاعليات الاحتفال باليوم العالمي لصحة المرأة بتمريض بني سويف    «الرقابة الصحية»: التأمين الشامل يستهدف الوصول للمناطق الحدودية لضمان تحسين حياة السكان    سياح من كل أوروبا.. شاهد رحلات جولات البلد على كورنيش الغردقة    أمينة الفتوى: الله يسر العبادات على المرأة نظرا لطبيعتها الجسدية    اقتراح برلماني لطرح 2 كيلو لحم على بطاقات التموين لكل أسرة خلال عيد الأضحى    بولندا تشترى صواريخ دفاع جوى أمريكية بقيمة 735 مليون دولار    بالأسماء.. حركة تغييرات تطال مديري 9 مستشفيات في جامعة الإسكندرية    الاتحاد الأوروبي يتعهد بتخصيص 2.12 مليار يورو لدعم مستقبل سوريا    الرئيس الأوكراني يوقع اتفاقية أمنية مع بلجيكا اليوم    مواعيد امتحانات الدور الثاني لصفوف النقل بالمدارس 2024    ضبط متهم بإدارة صفحة على «فيسبوك» للنصب على المواطنين في الغربية    القبض على سائق سيارة نقل ذكي بتهمة سرقة حقيبة سيدة    تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة فؤاد شرف الدين.. «كان يقاوم الألم»    بالصور.. توافد أعضاء المجلس الأعلى للثقافة لانعقاد اجتماعه السنوي ال 70    رئيس الوزراء يتابع جاهزية المتحف المصري الكبير للإفتتاح    فيلم السرب الأول في شباك تذاكر أفلام السينما.. تعرف على إجمالي إيراداته    الليلة.. فرقة الأنفوشي للإيقاعات الشرقية تشارك بالمهرجان الدولي للطبول    شروط وضوابط قبول الطلاب للعام الجامعي 2024/ 2025 بجامعة حلوان الأهلية (تفاصيل)    أسامة قابيل يكشف سر الشقاء بين الأزواج    حل وحيد أمام رمضان صبحي للهروب من أزمة المنشطات (تفاصيل)    بعد هبوط أبها.. موسيماني: غامرت بقبول المهمة    وزيرة الهجرة تستقبل أحد رموز الجالية المصرية في جينف بسويسرا    «صحة المنيا»: خدمات طبية ل105 آلاف مواطن في المستشفيات خلال 30 يوما    «الإحصاء»: 956.7 مليون دولار حجم الاستثمارات الصينية بمصر خلال العام المالي 22/2023    مشيرة خطاب: النيابة العامة من أهم السلطات الضامنة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان    مقرر «الاستثمار» بالحوار الوطني: نستهدف صياغة مقترحات تدعم وقف الحرب على غزة (تفاصيل)    رئيس وزراء إسبانيا: نعترف رسميا بدولة فلسطين لتحقيق السلام    قبول دفعة جديدة من الطلبة الموهوبين رياضيًا بالمدارس العسكرية الرياضية (الشروط)    توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 28 مايو 2024.. مكاسب مالية ل«العذراء» ونصيحة مهمة ل«الميزان»    عاجل| وفاة الشاعر اللبناني محمد ماضي    جامعة القاهرة تبحث تعزيز التعاون مع وفد صيني في تعليم اللغة الصينية والعربية    طقس السعودية اليوم.. تحذير من الأرصاد بأمطار غزيرة الثلاثاء 28 مايو 2024 وزخات من البرد    عطل يضرب الخط الأول لمترو الأنفاق وتكدس الركاب على الأرصفة    مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية يوضح فضل حج بيت الله الحرام    المراجعات الداخلية بالبيئة والسلامة فى دورة تدريبية بالقابضة للمطارات    سعر الذهب اليوم الثلاثاء في مصر يهبط ببداية التعاملات    عاجل| هيئة شؤون الأسرى: قوات الاحتلال تعتقل 22 فلسطينيا بالضفة الغربية    الأهلى يواجه سبورتنج فى نهائى دورى سيدات السلة    وزير الصحة يبحث مع نظيره الفرنسي سبل تعزيز التعاون في اللقاحات والأمصال    «الإفتاء» توضح سنن وأحكام الأضحية.. احرص عليها للفوز بأجرها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28-5-2024    عضو الأهلي: عشنا لحظات عصيبة أمام الترجي.. والخطيب «مش بيلحق يفرح»    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 28 مايو في محافظات مصر    نائب رئيس الحكومة الإيطالية يصف «ستولتنبرج» بالشخص الخطير    عضو مجلس الزمالك: إمام عاشور تمنى العودة لنا قبل الانضمام ل الأهلي.. ولكن!    حكام مباريات الثلاثاء في دور ال 32 بكأس مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمجد ناصر| إمبابة.. لندن
نشر في أخبار السيارات يوم 07 - 06 - 2019


1
برغم الأثر القاتم لانقطاع التيار الكهربي في جلسة عائلية أو سهرة أصدقاء، يشعر صغار السن، أحيانًا، بشيء من حميمية، دفء. ربما هو اطمئنانهم إلي استمرار السهرة حتى يعود التيار. صخب أقل، وونس مُضاعف لارتياحهم إلى أنه لن يتم إجبارهم على النوم. الكبار مضطرون للانتظار حتى يعود النور. وفي إمبابة، تحديدًا حي وراق العرب، الذي هو ريفي زحف عليه الحضر فصار شعبيًا بشكل ما، كان التيار ينقطع كثيرًا.
الساهرون في بيتنا تلك الليلة من أوائل التسعينيات قرروا الذهاب في الظلام. نزلوا من شقتنا في الدور الثالث، على نور خفيف يتسرب من بير السلم، مصدره لمبة جاز تخرجها زوجة عمي أمام شقتها في الدور الأرضي، تؤنس الطالع والنازل عندما ينقطع النور. كانوا منتشين بالشراب، يغنون بصوت شَعَر أبي معه بالقلق أن يسري في صمت الليل. جيراننا محافظون، يحبوننا كثيرًا، ويتفهمون اختلاف بيتنا. هذا لم يمنع الحرج المُبتسم.
بيتنا، وصعوبة الوصول إليه بسبب طبيعة الحي، ليس مؤهلًا بشكل كبير لاستضافة مثل هذه السهرات. ضيوف أبي عادة هم أصدقاء يسكنون بالقرب منا. أتذكر منهم الروائييْن إبراهيم عبد المجيد ومحمود الورداني والشاعر محمد كشيك. غير أن ضيوف هذه الليلة أتوا من لندن. مع ذلك لم يفكر أبي كثيرًا في صعوبة استضافتهم في وراق العرب. أتصور أن كون العلاقة بدأت عائلية سهل عليه الأمر. هم أصدقاء أمي أيضًا. كانت قد عادت برفقة أبي من العاصمة الإنجليزية قبل عام، حيث أجرى جراحة دقيقة في القلب، وكان ضيوف ليلتنا هم من التفوا حولهما بدعم كبير، قبل وبعد جراحة أبي، ليعود بصحة جيدة وأصدقاء جُدد.
في ظهيرة اليوم الثاني التقينا الأصدقاء، الشعراء: نوري الجراح ولينا الطيبي وأمجد ناصر وزوجته السيدة هند أو أم أنس. لا أتذكر أين تناولنا الغداء. في المساء حضرنا أمسيتهم الشعرية في المؤتمر الذي جاءوا للمشاركة به، ثم كانت المرة الأولى التي أدخل فيها «الجريون». كنت في الصف الثالث الإعدادي.
2
ربما كنا في 2006 أو 2007، لست متأكدًا عندما حدثتني زميلة عمل عن موقع فيسبوك. قالت إن المرء منا يستطيع أن يستعيد عبره كل أصدقاء وزملاء الماضي، هؤلاء الذين تصورت أن الحياة ألقت بهم في أبعد ما يكون. وتساءلت في نفسي عن الضمانة التي تجعل من كل الذين مروا في حياتك يتوفرون على هذا الموقع.
3
نحو 30 عامًا مرت. لم يفقد أمجد شكله المُميز، إن لم يكن زاد حضورًا. بعض من زيادة الوزن لم تفسد شيئًا على العكس، وخصلات شعره الكثيف الناعم صارت رمادية لامعة. ملامح وتكوين جسدي يساعد على أناقة الملبس. أشعر بسعادة شخصية عندما لا يأتي الزمن على من عرفتهم صغيرًا. استمرار تألقهم لا يعني سوى أن أتربة السنين لم تزل بعيدة عني بمسافة معقولة. هكذا فكرت وأنا أقلب في صوره بعدما جاءتني منه رسالة على فيسبوك يدعوني للتعاون مع الموقع الثقافي الجديد الذي يؤسسه.
أمجد ناصر مع إبراهيم أصلان
أبناء مهنتنا يتحسسون طريقهم بحرص بالغ بعد ما آلت إليه الأحوال في تبعات الأحداث السياسية التي قلبت الأمور رأسًا على عقب، وصار الاستقطاب السياسي خطرًا عمليًا. تحدثت معه في مخاوفي بادئًا ب «إنت مش غريب وانا هكلمك بصراحة». كنت أشعر فعلًا بأنه ليس غريبًا. له في ذاكرة صباي مساحة يصعب نسيانها وإن كانت صغيرة. أتذكره، على أقل تقدير، كلما تفاخرت أمام الأصدقاء بدخولي الجريون وأنا لازلت «في الإعدادية». وهو أكد لي أنه يسعى إلى تأسيس موقع ثقافي يكسر حالة الاستقطاب هذه. نعم، كان أمجد مشغولًا فعلًا بالفخ الذي وقع فيه مثقفو العالم العربي بسبب الأحداث السياسية المهولة، وتلك الفراغات التي حفرتها السياسة في الواقع الثقافي العربي الذي كان بالأمس يشبه مدينة واحدة يعرف ساكنوها التعايش مع بعضهم البعض وإن اختلفوا، باستثناءات طبعًا. كان يتكلم عن فقد شخصي لسنوات أجمل عاشها بين أصدقاء في كل مكان يذهب إليه، بداخل تلك المدينة الكبيرة الشاملة: مدينة الثقافة. قال لي: «يصعب علي ألا تغطى القاهرة بأهميتها الثقافية من أجل أمور عبثية. على أي حال، جرب وإن وجدت ما يقلقك تستطيع أن تتوقف».
4
أمجد، فضلًا عن كونه شاعراً وكاتباً كبيراً، يتسم بعفوية الطيبين. لطالما انزعج من كسلي وتكرار عدم الوفاء بوعود إرسال المادة المتفق عليها في مواعيد مناسبة، نتحدث في اليوم التالي عن العام والخاص، ومواضيع نغلقها باتفاق على مادة جديدة أتأخر في تسليمها فينزعج مجددًا، قبل أن يفاجئني بإرسال صورة قديمة له مع أبي في لندن لينفتح حوار ينتهي باتفاق جديد على أفكار للعمل.
هكذا لم يتوقف التواصل بيننا منذ أواخر عام 2016 حتى اختفى فجأة قبل شهور، وقال زملاء إنه مريض دون أن يُفصحوا عن طبيعة المرض. بعد فترة حكى لي حكاية الورم الذي أصاب دماغه. كان متفائلًا لدرجة التوصية بألا أتكاسل عن إرسال مادة للزملاء في غيابه. وذهبت أفكر في أن الرجل الذي يعاني منذ سنوات في رفقة السيدة زوجته التي أصاب السرطان كليتها، صار هو الآخر مصابًا. المفارقة الكبيرة، أن تلك الكلية المصابة في جسد زوجته كانت كليته هو قبل أن يتبرع بها قبل ذلك بسنوات. وكأن الورم الخبيث ظهر خارج جسده، قبل أن يظهر بداخله.
5
النص الذي نشره أمجد على صفحته قبل أيام نص جميل قاسٍ. منتهى الجمال من منتهى الألم مع سرده لكيف نصحه الطبيب بكتابة وصيته ثم استعادة حكايته مع المرض. غير أن ما صفعني بقوة هو: أي إيمان بالكتابة يجعل من اللجوء إليها جدوى في ظرف كهذا؟ جميعنا يقول إن الكتابة بديل للموت، ولكن قليلنا يفعلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.