الشؤون النيابية تصدر إنفوجرافات جديدة بشأن المرحلة الثانية من انتخابات النواب    أسعار الذهب في مصر اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    وزيرة البيئة تبحث تطوير مركز التميز للدراسات البحثية للتغيرات المناخية    حصاد نشاط الإسكان خلال أسبوع(فيديوجراف)    استعدوا ل قطع المياه غدًا.. تنويه هام لسكان هذه المناطق    مستشفى ناصر بقطاع غزة يعلن تسلّم جثامين 15 فلسطينيا ضمن صفقة تبادل الأسرى    الجيش الإسرائيلي يوقف حافلات تقل نشطاء متضامنين مع الفلسطينيين في بورين    استقبال الشرع بواشنطن يقلق إسرائيل بسبب جبل الشيخ    تطهير عرقي وأوضاع إنسانية كارثية في الفاشر السودانية.. مراسل القاهرة الإخبارية يكشف التفاصيل    تشكيل منتخب مصر للناشئين أمام سويسرا في كأس العالم تحت 17 عامًا    فريدة العسقلاني لاعبة طائرة الزمالك تدعم قائمة المنشاوى بانتخابات هليوبوليس    ضبط 1148 مخالفة مرورية لعدم ارتداء الخوذة    نانسي عجرم تكشف كيف تغيّرت حياتها بعد سن الأربعين    وزير الصحة يتابع حالة الطبيب المصاب بطلق ناري طائش    وزير الصحة: زيادة الاستثمار في الرعاية الأولية والزيارات المنزلية    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تنظم جلسة حول مقومات مصر التنافسية في خدمات السياحة الصحية    ضبط مصنع غير مرخص لإنتاج أعلاف مغشوشة داخل الخانكة    تعرف على الحوافز المقدمة لمصنعي السيارات ضمن البرنامج الوطني لتنمية المجال    عالم أثار إسبانى: المتحف المصرى الكبير مبهر وفخم وكل زائر سيشعر بعظمة الحضارة    دار الكتب والوثائق تعيد إحياء تراث مجلات الأطفال في احتفالية الطفولة    يوفر أكثر من 5 آلاف فرصة عمل.. أبرز المعلومات عن المركز الزراعي المتكامل    وداع موجع لأيقونة الزمالك.. محمد صبري يرحل قبل أن يفي بوعده لجمهوره    رئيس كوريا الجنوبية يعلن زيارته لمصر والإمارات الأسبوع المقبل    الهام شاهين للمخرج محمد عبدالعزيز: "عندك خلطة النجاح ولك يد كبيرة في صنع الهام شاهين "    العثور على جثمان غريق داخل ترعة مياه فى جنوب الأقصر    السيطرة على حريق هائل بمنزل في عزبة الجبل بالفيوم    رئيسة نايل تى فى: مقترح تغيير شعار القناة قدمه فريق التطوير والقرار للهيئة    أحمد سليمان ينعى محمد صبري: «فقدنا أكبر مدافع عن نادي الزمالك»    رحيل زيزو المجاني يدفع الزمالك للتحرك لحماية نجومه    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : سابق بالخيرات باذن الله ?!    حصن يومك.. أذكار الصباح والمساء ترفع الطمأنينة وتزيد البركة    انطلاق منافسات الجولة التاسعة من دوري الكرة النسائية.. مواجهات قوية وترقب كبير    باحث إسرائيلي: بنيامين نتنياهو يتعرض ل "دهس ملكي" على يد ترامب    نشاط الرئيس الأسبوعي.. قرار جمهوري مهم وتوجيهات حاسمة من السيسي للحكومة وكبار رجال الدولة    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 14 نوفمبر في سوق العبور للجملة    خطا بورسعيد والصعيد الأعلى في تأخر قطارات السكة الحديد    انطلاق قافلة دعوية للأزهر والأوقاف والإفتاء إلى مساجد شمال سيناء    صندوق "قادرون باختلاف" يشارك في مؤتمر السياحة الميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة    زيارة الشرع لواشنطن ورسالة من الباب الخلفي    موعد مباراة جورجيا ضد إسبانيا فى تصفيات كأس العالم 2026    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    طريقة عمل المكرونة بالسي فود والكريمة بمذاق أحلى من الجاهزة    هطول أمطار وتوقف الملاحة بكفر الشيخ.. والمحافظة ترفع حالة الطوارىء    براتب يصل ل45 ألف جنيه.. 6200 فرصة عمل في مشروع الضبعة النووي    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة في شمال سيناء    خالد الغندور: اجتماع منتظر في الزمالك لحل أزمة مستحقات جوميز ويانيك فيريرا    بعد حلقة أمنية حجازي .. ياسمين الخطيب تعتذر ل عبدالله رشدي    وداع موجع في شبين القناطر.. جنازة فني كهرباء رحل في لحظة مأساوية أمام ابنته    الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية تشارك في احتفالية يوم الوثيقة العربية بجامعة الدول العربية    المجلس الأعلى للتعليم التكنولوجي يوافق على إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    سرّ الصلاة على النبي يوم الجمعة    هل ثواب الصدقة يصل للمتوفى؟.. دار الإفتاء توضح    مصرع شقيقتين في انهيار منزل بقنا بعد قدومهما من حفل زفاف في رأس غارب    وزارة التعليم تضيف معلمي ثانية إعدادي للفئات المستحقة ل«حافز التطوير»    كيف بدأت النجمة نانسي عجرم حياتها الفنية؟    غلق امتداد محور 26 يوليو أمام جامعة مصر لرفع كوبري مشاة محطة المونوريل    «الصحة»: التطعيم ضد الإنفلونزا يمنع الإصابة بنسبة تزيد على 70%    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غذاء السمك: الذات تنثر هلاكها
نشر في أخبار السيارات يوم 01 - 06 - 2019

في نص »غذاء السمك»‬ لمؤمن سمير، الصادر حديثًا عن دار »‬الذهبية»؛ ثمة ذات تراقب دمارها المتلاحق عبر محاولات التماهي مع صور التناثر لهذا الدمار في ملامح الآخر.. تتخذ المراقبة طبيعة الإيجاد أي خلق الأشلاء / شذرات اللغة فتتحوّل إلي مُسيّر لهذا الآخر، أي أنها تتقمص وضعية التدمير الذاتي.. هي بتلك المسايرة التي تستبطن كيفية أن تكون قاتلة لنفسها؛ تراوغ صورتها الواضحة أمام موضوع القتل ذاته، وهذا يتيح لها أن تكتسب إمكانية الاختفاء من عتمة »‬المرآة» العالقة داخلها، والذوبان في الشظايا النهمة لتلك المرآة، الموزعة داخل الآخرين.
»‬بعد أن قرأت عن الفيلم حلمت حلمًا عابثًا، مستحيلًا، أنني كنت هناك، لكن حيث لا يرونني.. الجميع كان يبكي.. والبكاء هو الظرف التاريخي الرائع لممارسة أفعال تشي وتوهم بالقرب الإنساني.. كل ولد كان يضع يده علي يد البنت التي بجواره ثم يلف ذراعه حولها».
تكافح الذات لاكتشاف لعنتها من خلال هذه الأداءات التي تزاوج بين المراقبة والتوحد بأشكال تدميرها المتفرقة، كأنها في الوقت نفسه تسعي لاكتساب بصيرة بمقدورها التلصص علي ما بعد النهايات المتكررة، التي تُشكل تدريجيًا الوجه الكامل للموت.. التلصص الذي يجعل من الألوان، ودرجات الإضاءة، وزوايا الرؤية، والحدس بواسطة الظلال؛ يجعل منها ممرات ملغّمة للذاكرة، أو مسارات لتشريح الماضي متخمة بالأشباح التي ينبغي عليها حينئذ أن تُغرق الخطوات المرتعشة »‬المتلصصة» بدمائها.
»‬المعلن أنه يحاول تهدئتها، لكنها تزداد انفعالًا، المسكينة!! ويزداد هو في محاولاته الاحتوائية الشريفة. المسكين الذي يجتهد في ممارسة اللعبة التواطئية يتأكد في هذه اللحظات أنه حقًا يريدها، وذلك بعد أن قالت هي أيضًا، ضمنيًا، عدة مرات، إنها »‬تموت فيه»... سينهشها الآن.. هذه الغبية.. القاتلة أيضًا».
تستند الاستمرارية هنا علي تعدد الآخر سواء في حضوره البشري أو الذهني أو المتوهم، حيث تُرد عناصر الواقع كافة إلي تلك الهيمنة الكامنة في ذلك الحضور المتعدد، ولكنها ليست الاستمرارية التي تُنتج الحاضر فحسب، بل تلك التي تُبطل عمل التاريخ علي نحو أساسي أيضًا.
»‬لكن العجيب أن عيني بعدما ثبتت علي وضعية الجحوظ انغلقت فجأة وغرقت في نوم مدبب وحاد .. أفقت علي ملوحة العرق في عيني وبرودته تحت إبطي ووجدتني في مواجهة المسارات التي حفرها النمل في كومة الرمل ولمحت الدويبات تتحرك بطمأنينة وكل واحدة تحمل علي رأسها شيئًا، جزءًا كبيرًا أو صغيرًا من الملامح».
بهذا تحصل الذات علي تعدديتها غير المحددة، التي تسمح لكابوسها الخاص أن يكون هو الزمن الكلي، القائم علي التناثر، كما أنها بذلك تعيد تكوين الآخر بانشطاراته التراكمية المتباينة كأنما تستعمل المحو لتجعل هذا الآخر سرًا قابلًا للمعرفة .. المعرفة التي تحمل انتهاكًا مؤكدًا للموت كختام منطقي لتحوّل الأقنعة الوحشية إلي أصل كتابي، وتحوّل الكتابة إلي قناع شامل يتواطأ بولع طفولي »‬حيث كل جسد قاتل ومقتول» مع اللعبة الاستكشافية لتحطيم الغاية .. ربما هي طريقة أخري لمحاولة حماية الخبرة العاطفية الأكثر سذاجة للذات من أن تكون تدميرًا غريزيًا.
»‬رجعت بمقعدي للوراء بعنف وفتحت باب الغرفة وعدوت .. وضعت رأسي تحت المياه ورجعت مرة أخري .. كدت أفتح الباب بيدي المرتعشة التي تتساقط منها المياه لكنها شالت يدي ووضعتها علي كتفها وسارت بي نحو الصالة ولكن بعد أن أغلقت الباب بساق خلفية .. طاوعتها واستسلمت تمامًا .. في الصباح رميت ببصري نحو الغرفة ثم أخذت أدلّك الحنجرة برفق كي يمر الهواء في مساراته المتعرجة بأمان».
يتحقق في نص »‬غذاء السمك» نوع من المزج بين الغرابة الشبقة المرتجلة عند جورج باتاي، والمجاورة الحادة بين الوحدات اللغوية التي لا تخضع لعلاقات مكشوفة عند جيرترود شتاين، كما أن ملامح العنف السردي في هذا النص ربما تذكرنا بأسلوب بوهوميل هرابال في »‬عزلة صاخبة جدًا؛ فالسارد هانتا يخاطبنا طوّال الوقت كما لو كان ممسوسًا بحُمي التقويض، بهذيان الفصل بين اللغة وإحالاتها .. نجد في هذا التدفق العفوي المتوتر هوسًا »‬صاخبًا» بتحويل الأفكار والعواطف والمشاهد والتخيلات وصور الذاكرة إلي تناثر عشوائي من الأشلاء والأنقاض التي كافحت في الماضي لتكوين يقين ما أو إطار مرجعي غير قابل للشك .. إنه خطاب قد يعيدنا إلي كلمات »‬جاك دريدا» عن التفكيك: »‬لا! ليست للرسالة وجهة معينة أو محطة أخيرة، وما ذلك بالعامل السلبي. إنه الشرط التراجيدي الأكيد ولكنه الوحيد لكي يحدث ويُجدّ جديد» .. بهذا يتقمص العامل هانتا آلته فيتحوّل إلي جسد هيدروليكي ينتهك الظواهر التي تسعي لإثبات نفسها، ويحطم بنهم طائش سلطة المتعة الجمالية، ويُبقي أمانها مرجئاً طوال الوقت .. هذا ما يبرر خشيته من أن تسحقه كالفأر أطنان الكتب التي يحتفظ بها انتقاماً من تاريخه.
لنقارن هذا الجزء من التحليل السابق ل »‬عزلة صاخبة جدًا» بهذه الفقرة من »‬غذاء السمك»:
»‬كان جل اهتمامي بالأوراق لكنهم حملوني ونزعوا أطنان الملابس عني وربطوني بأسلاك الكهرباء التي أخرجوها من وراء ظهورهم وتندروا كثيرًا علي جسدي الأملس ثم تناوبوا اغتصابي مستخدمين أدوات حادة .. أحسست أولًا بالرعب ثم بالألم ثم فقدت الإحساس نهائيًا وتهيأت للموت .. ويبدو أنهم أحسوا بذلك لأنهم بدأوا في إفاقتي بطعني بالمُدي الملوثة بدم الرجل المقتول وكأنهم يريدون إشراكه في الأمر .. الأول يسلم الثاني المُدية فيغرسها فيّ ويُسلمها للتالي الذي يختار بقعة أخري وهكذا .. أصروا علي ألا تخرج أي تفصيلة عن ترتيبهم .. كدت أخدعهم وأموت مرة أخري لكنهم تداركوا الأمر وغيروا التكنيك فانتبهت .. مزقوا الأصابع ثم اليد اليمني ثم اليسري ثم القدمين ثم الأذن اليمني ثم اليسري والأنف وسملوا العينين ومزقوا فروة الرأس وأخرجوا القلب والكبد والكليتين وأكلوهم».
الجسد الذي يأخذ مسافات منتشية غير محكومة من نفسه »‬الأفكار والعواطف والمشاهد والتخيلات وصور الذاكرة» كما كان الأمر عند هرابال حين يُترك عاريًا في حفل تعذيبي، وفي نفس الوقت يحوّل خيال هذا الجسد الممزق مشاهد الحفل إلي طقوس طفولية متنافرة، تتبادل كائناتها ما يشبه القرابين المدنّسة، بوصفها الخام البشري الذي يجدر بالكتابة استعماله لتخريب أي فردوس محتمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.