منذ عدة سنوات، أصيب صديق لي بنزلة برد عادية، فما كان منه سوي أن فعل مثلما يفعل ملايين المصريين، وتوجه إلي إحدي الصيدليات بقريته وطلب من العامل بها إعطاءه دواء مناسبا، فقام ذلك العامل، الذي اتضح لاحقا أنه حاصل علي دبلوم تجارة، بمنحه عدة أدوية، كان نتيجتها أن تم نقل ذلك الصديق إلي المستشفي بعدما أصيب بتورم حاد في كل جسده، وفقدان للوعي، وكاد أن يفقد حياته لولا سرعة نقله للمستشفي. تذكرت تلك الواقعة، وأنا أقرأ عبر البريد الإلكتروني أوراقا أرسلها لي القائمون علي حملة (امسك دخيل) ضد الصيدليات المخالفة، وهم يصفون أنفسهم بأنهم مجموعة من الصيادلة وطلاب كليات الصيدلة، وكل مطلبهم أن يتم تفعيل المادة 78 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة، والتي تحظر علي غير المتخصصين من خريجي كليات الصيدلة العمل بالصيدليات، لأن الأمر استفحل وصار خطرا علي صحة المواطن المصري، بل وعلي الأمن القومي للبلاد. وبالفعل فإن هناك آلاف الصيدليات المنتشرة في مختلف المحافظات بعيدا عن أعين الرقابة والتفتيش الصيدلي. هذه الصيدليات يصدر ترخيصها باسم أحد الصيادلة، لكنه سرعان ما يتحول إلي مشروع تجاري هدفه الوحيد هو الربح وليس خدمة المرضي، فيلجأ مالك الصيدلية إلي الاستعانة بأنصاف المتعلمين، والراغبين في الحصول علي أية وظيفة. وقد رأيت بعيني صيدليات يتحول فيها الصبية والمراهقون الذين يقومون بتوصيل الأدوية إلي المنازل، بعد فترة من العمل والخبرة إلي بائعين للأدوية وبعضهم يتقمص الدور، خاصة أن كثيرين ينادونه بلقب »دكتور»!! الكارثة الأكبر تتجسد عندما يبدأ هؤلاء الدخلاء علي المهنة في ممارسة كل الأدوار التي يقوم بها الصيدلي، فيقرأون روشتات العلاج التي يكتبها الأطباء بخط أقرب إلي الطلاسم، لكن هؤلاء الصبية يعرفون الأمر بالشبه، ويصرفون الأدوية بحسن النية !!، وقد يتعلم بعضهم »ضرب الحقن ومعالجة الجروح» لتكتمل المأساة، وتستفحل الأخطاء. بل عندما يستشعر القائمون علي العديد من تلك الصيدليات أن ربح بيع الأدوية لا يكفي، فيتجه بعضهم إلي بيع الأدوية المخدرة أو المحظور بيعها إلا بروشتة طبية، فتجد تلك الأدوية المدرجة علي جدول المخدرات مثل الترامادول وغيره، في أيدي المدمنين وليس المرضي الذين يحتاجون تلك الأدوية لتسكين آلامهم وعلاج أمراضهم. وتتحول كثير من الصيدليات - وبخاصة البعيدة عن أعين الرقابة- إلي مجرد »دكاكين» فترتكب جريمة حقيقية في حق المواطن المصري، عندما تلجأ تلك الدكاكين - ولا أقول الصيدليات- إلي التعامل في الأدوية المغشوشة، ومنتهية الصلاحية التي يتم إعادة تعبئتها بتواريخ صلاحية جديدة علي أيدي عصابات من اللصوص وتجار الموت، ولك أن تتصور ما يمكن أن يحدث جراء تناول طفل أو مريض لدواء منتهي الصلاحية أو فاسد أو بلا أية مواد فعالة. إن الدخلاء علي أية مهنة هم كارثة بحد ذاتها، لكن عندما يتعلق الأمر بصحة الإنسان تصبح الكارثة أفدح وأعظم، والدخلاء علي مهنة الصيدلة حولوها إلي متاجرة بحياة الغلابة والبسطاء الذين ينخدعون في صبي »البقال» فيطلقون عليه لقب »دكتور»!!