أعتقد أن مراكز الدراسات والبحوث الإحصائية لو قررت إجراء استبيان شعبي حول رضا المصريين عن أداء المؤسسات الإعلامية الوطنية لوجدت صفرا كبيرا يفوق في فجاجته صفر المونديال الشهير. ولكن لم يسأل أحد نفسه حول سبب تقديم الإعلام لهذا المنتج الرديء ولماذا تحولت البرامج الجادة إلي برامج طبخ الطعام وأشياء أخري؟، وما سبب استضافة كبار المذيعين لطفيليات السوشيال ميديا التي طفحت مؤخرا فأصابت الموهوبين الحقيقيين بإحباط لا يحتمل؟....... أنتم السبب مشاهدينا الأعزاء. نعم أنتم من تلعنون الإسفاف والابتذال جهرا وتبحثون عنه وتشاهدونه في الخفاء. أنتم من تتوجون السفهاء والحمقي علي عرش التريند المزعوم، وتدفعوا البرامج الكبري لاستضافتهم أملا في تحقيق نسب المشاهدة الأعلي فتطاردهم وكالات الإعلانات وتدفع أجورهم بداية من أجر النجم وحتي أجر عامل الإضاءة البسيط. أنتم من تسببتم في إحباط عشرات الإعلاميين الجادين في الإعلام الرسمي والخاص، من الذين اختاروا الطريق الأصعب وحاربوا لتقديم مضمون جيد يتفق مع ما درسوه عن المهنية والدور الأخلاقي للإعلام، فانقرضت بدورها برامج الموسيقي والفنون والآداب بعد أن بارت بضائعها أمام سطوة أغاني النمبر ون والمافيا مافيا. أنتم من أغلقتم الريموت كنترول في وجه د.فاروق الباز من أجل اللحاق ببرامج السحر والشعوذة وإبداعات سما المصري التي لا تنتهي، وعداد المشاهدة علي اليوتيوب يشهد علي ذلك. لمن لا يعلم، الإعلام نوعان، إعلام قومي أو سياسي موجه لحماية مصالح الدول غير هادف للربح، وإعلام خاص هادف للربح عن طريق الاشتراكات أو الإعلانات، وبسبب تركة ماسبيرو الثقيلة لم تعد الدولة قادرة علي الاستمرار في النموذج الأول، وكذلك انهارت القنوات الخاصة وغرقت في بحر الديون عاجزة عن سداد التزاماتها، وهنا قررت الدولة إيقاف نزيف الخسائر في القنوات الفضائية التي اشترتها مؤخرا في محاولة لإيجاد نموذج جديد يجمع الإيجابيات ويتلافي السلبيات، وباتت تبحث عما يغطي تكاليفها ويجذب المعلنين، وفي الوقت نفسه يعبر عن الدولة ويروج لإنجازاتها. وكانت النتيجة الطبيعية هي إعلاما يبحث عن نسب المشاهدة لتوفير التمويل، ومشاهد يطالب بالبرامج الهادفة ويلعن إعلامه ليلا ونهارا، في الوقت الذي يبحث فيه علي اليوتيوب عن آخر إبداعات مجدي شطة ومعركته التاريخية مع حمو بيكا وكيف ظهر كايا الحقيقي محطما مقولة قلبي يا رب الخالدة ومحققا ثلاثة ملايين مشاهدة أمام مشاهدة واحدة يتيمة من والدة المذيعة البائسة إكراما لكريمتها التي تقدم برنامجا هادفا عن الأوبرا ودورها في الارتقاء بالشعوب.