تجلس في غرفة مع بعض الأصدقاء ، قرروا أن يتلاعبوا بعقلك من باب المزاح ،إدعى كل منهم أنه (يسمع صوتك ولا يراك) ، بالطبع لن تأخذ كلامهم على مأخذ الجد مهما أجادوا تمثيل أدوارهم فالمعلومة التي يسعون لاقناعك بها غير معقولة. لكن ماذا لو نزلت الى الشارع ، فأجمع البقال ونادل المقهى وسائق التاكسي أنهم جميعا (يسمعون صوتك ولايرونك) ؟، ربما يتسرب الشك إلى نفسك قليلا ، وتبدأ في التفكير بجدية في الأمر، وماذا لو ذهبت صباح اليوم التالي إلى عملك ووجدت الجميع يؤكدون ( نسمع صوتك ولانراك) ؟ ، ثم تكرر هذا الموقف في كل مكان تذهب إليه على مدار أسبوع كامل ، هنا سينتهي بك الأمر إلى الاقتناع التام بأنك خفي فعلا وفي هذه اللحظة سيكون وعيك قد تغير بعد أن تعرضت لمعلومة محددة (بصورة مكثفة ومن مصادر مختلفة) بهذه الطريقة التي تعرف "بالذبذبات المعلوماتية" تعمل الحملات الدعائية الممنهجة والموجهة ضد دول أو أنظمة حكم أو شخصيات عامة فالمعلومة الزائفة يمكن تصديقها بالتكرار وتعدد المصادر وقد تكون هذه المصادر (قناة تليفزيونية وجريدة أجنبية و تقرير من منظمة دولية وتصريح سياسي الخ ) بالإضافة الى مواقع التواصل الاجتماعي بالطبع التي تعد ساحة هامة للمعركة الدعائية غير أنها ليست الساحة الرئيسية كما يعتقد البعض فهي جزء من منظومة دعائية متكاملة تدار بتنسيق تام بين جهات مختلفة وبالطبع للعمل الاستخباراتي اليد الطولى في هذه الحملات التي تعتمد على معلومات زائفة وموجهة،ورغم أن هذه المعلومات يثبت خطأها لاحقا إلا أن الأسلوب نفسهيتكرر بعد ذلك.. يتم نشر خبر ما..وبعد قليل يثبت أنه إشاعة وتُنشر صورة وبعد ساعات يتضح أنها مفبركة وينتشرمقطع فيديو فنتبين أنه مجتزأوتم اقتطاعه من سياقة فإذا كانت الحقيقة تظهر دائما فلماذا الإصرار على تكرار نشر المعلومة المزيفة؟ السبب يتعلق بسيكولوجية الإشاعةأو المعلومة المزيفةفالتأثير الأولي للمعلومة لايزول من العقل الباطن للقارئ أو للمشاهد حتى بعد اتضاح الحقيقة لأن الهدف من هذه الأخبار المزيفة و الشائعات هو إحداث تأثير نفسي سلبي جماعي يؤجج المشاعر ،وهذا هو التوقيت المثالي لتوالي معلومات أخرى قادرة على تحريك الجموع في الاتجاه المطلوب ،فالعواطف المتأججة لا تعرف المنطق ،ولا تدقق في المعلومة ،ولا تحسب أيضا نتائج ردود أفعالها . وهذه الحملات الممنهجة التي تعتمد على التحرك بطريقة تبدو "عفوية" ،عند وقوع ما يمكن أن يلهب مشاعر الناس،تبدو مكلفة ماديا لكنها بالتأكيد أقل كلفة من الحروب العسكرية التقليدية رغم أنها قد تحقق أهدافا أكبر وبدون خسائر . والحملات نوعان أحدهما "قصير الأجل" يرتبط باستغلال حدث معين يقع في مدى زمني محدود وأخرى "متوسطة الأجل" _وهي الأخطر_ وتعتمد على بناء صورة ذهنية سلبية ببطء باستخدام نفس أسلوب "الذبذبات المعلوماتية" أي بكثافة النشر مع تعدد المصادر وهذه الصورة الذهنية السلبية تتعلق عادة بأنظمة الحكم التي يُراد تغيير انطباعات الناس عنها فتتحول صورتها من النجاح الى الفشل ومن النزاهة الى الفساد وهكذا . وتكمن سُبل مواجهة هذه الحملات ،في رسم سيناريوهات استباقية عن طريق التفكير فيما يمكن أن تخطط له هذه الحملات ،خاصة في أوقات الأحداث الكبرى التي تشغل الرأي العام ،وهي الأحداث التيترتبط عادة بالمجالات المؤججةللشعور الجمعي وهي في المقام الأول (الموت و الدين وكرة القدم ) بالإضافة الى الأحداث المرتبطةبالانجازات الفردية أو الحكومية التي قد ترفع معنويات الناس وتبث فيهم الأمل فالمطلوب دائما تحويل الشعور الايجابي الى سلبي. لذلك على الحملات المضادة أن تحذو حذو هذه الحملات الهجومية الممنهجة أولا بتصحيح النظرة الى مواقع التواصل الإجتماعي باعتبارها أداة الرد الرئيسية وثانيا بالعمل على تشكيل منظومة متكاملة تعمل بتنسيق كبير بين جهات إعلامية و سياسية و أمنية ليصبح بالإمكان وقاية الوعي الشعبي من الاختراق بل ومهاجمة هذه الحملات حتى قبل إنطلاقها .