موناكو تعترف رسميا بدولة فلسطين: يجب ألا يبقى السلام حلماً بعيد المنال    حماس تطالب بتحويل الاعتراف بفلسطين إلى إجراءات عملية تعيد الحقوق لأصحابها    بونماتي تتوج بالكرة الذهبية للمرة الثالثة على التوالي    عثمان ديمبلي يفوز بالكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم    النيابة تطلب تحريات قتل أب لابنته وإصابة شقيقتها ثم أنهى حياته في الإسكندرية بسبب خلافات زوجية    صناع الخير ترسم البهجة في أول يوم دراسي بمدرسة كفر الأربعين الإبتدائية بالقليوبية    أزمة المطورين العقاريين في مصر.. حينما يتم تعجيز الطبقة الوسطى    انتخاب هيئة الدواء نائبًا لرئيس اللجنة التوجيهية لبرنامج تابع لوكالة الاتحاد الأفريقى للتنمية    عضو ب «تشريعية النواب»: بدء مناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية في مجلس النواب مطلع أكتوبر المقبل    رئيس جامعة الأزهر يفتتح معملي الحاسبات والواقع الافتراضي ونظم المعلومات الحضارية بكلية الهندسة للبنين    مباشر حفل الكرة الذهبية.. جيوكيريس أفضل مهاجم فى العالم 2025    جوائز ل «ضى» بمهرجان بغداد    "الإنتاج الحربي": نسعى لتوطين صناعة جهاز إنتاج المياه من الهواء في مصر    حقيقة ترشيح حسام البدري لخلافة ريبيرو فى تدريب الأهلي    خوان لابورتا: فليك أفضل مدرب في العالم    استقبال حافل لمنتخب ناشئات اليد بعد التتويج ببطولة إفريقيا    بعد خفض الفائدة 2%.. ما هي أعلى شهادة في بنك مصر الآن؟    للاطلاع .. تأجيل محاكمة 97 متهما ب«خلية مدينة نصر» ل22 ديسمبر    نشرة «المصرى اليوم» من الإسكندرية: 6 قرارات عاجلة في واقعة انقلاب «ميكروباص المحمودية»    مهرجان هولندا لأفلام الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعلن تشكيل لجان تحكيم دورته السادسة (تفاصيل)    السفير محمد حجازي: مشهد الأمم المتحدة يناصر الحق الفلسطيني    قبل مزاعم «سرقة أعضاء إبراهيم شيكا».. شائعات طاردت الفنانة وفاء عامر    إطلالة مميزة للفنانة صابرين تبرز جمالها.. صور    بعد تصريحاته عنها.. هنا الزاهد تفاجئ جمهورها وتنشر صورتها مع أمير كرارة: «أنا آسفة»    نشرة المنوعات.. أم كلثوم وفيروز في تريند صور الغروب وأبقار تفوز بنوبل الساخرة    البحوث الإسلامية: الأمة الإسلامية في حاجة ماسة إلى تجديد الصلة بالنبي    من هم ال70 ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب؟.. الشيخ رمضان عبد المعز يوضح    ما هي صلاة الغفلة وكيفية أدائها؟.. أمينة الفتوى تجيب (قيديو)    لذيذة ومنقذة لآخر الشهر.. حضري كفتة الفراخ بالبطاطس والخضار    برتوكول تعاون بين جامعة كفر الشيخ والصحة لتنفيذ الخطة العاجلة للسكان والتنمية    صحة سوهاج تنظم قافلة طبية مجانية بقرية الزواتنة قبلي بمركز جرجا    «بعد ارتفاع أسعار الطماطم».. 5 مكونات سحرية تضاعف كمية الصلصة من غير ما تفرق في الطعم    مواقيت الصلاة اليوم الأثنين 22 سبتمبر في بني سويف    إلغاء تطبيق التوقيت الشتوي والصيفي بسبب المدارس والطلاب| ما الحقيقة؟    سفير فلسطين السابق لدى الاتحاد الأوروبي: الاعترافات المتتالية بالدولة الفلسطينية تمثل تصحيحًا تاريخيًا    إلهام شاهين تحتفي بمحمد منير: "أخي وصديقي الغالي وعشرة العمر"    تعرف على مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 22سبتمبر 2025    الثقة    أحمد السيد: عماد النحاس الأنسب للأهلي بالفترة الحالية.. والقمة لا تخضع لأي حسابات    يونيسف: مقتل 11 طفلا في غارة بطائرة مسيرة على مسجد بالفاشر السودانية    شرط جديد للحصول على رخصة قيادة أو تجديدها في مصر    الحبس 6 أشهر لصانعة المحتوى أم سجدة في اتهامها بالاعتداء على القيم والمبادئ الأسرية    الداخلية تكشف ملابسات فيديو تعاطي المخدرات أسفل أحد العقارات بالقاهرة    حفل استقبال الطلاب الجدد بكلية العلوم جامعة الفيوم.. صور    وسط فرحة الطلاب.. محافظ المنوفية يفتتح مدرستين ببروى وبكفر القلشى للتعليم الأساسي    الرئيس السيسي يقرر العفو عن علاء عبد الفتاح و5 آخرين    عبد الله السعيد: أتمنى تتويج منتخب مصر بكأس الأمم وجاهز للعودة إذا طُلب مني    الآن.. انطلاق تنسيق الثانوية الأزهرية للقبول بالجامعات والمعاهد العليا    وسط ترقب كبير .. يامال يقود وفد برشلونة لحضور حفل الكرة الذهبية لعام 2025    اللجنة المصرية لإغاثة أهالي غزة تتوصل لطفلي طريق الرشيد بغزة.. ووالدتهما: بشكر الرئيس السيسي    عميد معهد الفراعنة: اكتشفنا واقعة انتحال صفة رمضان صبحى بالامتحانات صدفة    ضبط 6 آلاف علبة جبنة فاسدة داخل مخزن خلال حملة تموينية في الأقصر    "البحوث الزراعية" ينظم المنتدى العلمي الأول حول تطبيقات الإدارة المتكاملة    بالصور - محافظ أسوان يتفقد 1540 مدرسة استعدادًا للعام الدراسي    رئيس جامعة القاهرة يتلقى تقريرا عن مؤشرات الأداء بمستشفيات قصر العيني    بعد الظهور الأول لهما.. ماذا قال ترامب عن لقائه ب ماسك؟    السفير ماجد عبد الفتاح: إعلان نيويورك حدد خطوات ملموسة ومحددة نحو حل الدولتين    أحمد العوضي: لو هتجوز مش هقول.. ومشغول بمسلسل «علي كلاي» لرمضان 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا يزال المقص في جيبي
يوميات الأخبار

واضح إن نظرية الأواني المستطرقة هي السائدة في الوطن العربي. فهناك »خوف مزمن»‬ من التاريخ ووصاية ثقيلة علي عقول الناس.
يتخيل سكان الكوكب العربي أن الرقابة علي المطبوعات أو الأفلام السينمائية وظيفة إدارية يمكن أن يقوم بها كل من هبّ ودبّ، بشرط أن يُكثر من استخدام كلمة »‬يُمنع»، لذلك تحول الرقيب العربي إلي شرطي مرور في أغلب الدول العربية. وكانت لجان الرقابة السينمائية لدينا في العراق تضم ممثلين عن الاستخبارات العسكرية والأمن العام ووزارة الشباب ووزارة التعليم وممثلا عن وزارة الإعلام بحكم وظيفته، بينما المجلس الأعلي للرقابة في بريطانيا - مثلاً - لا يضم أحداً من هؤلاء، وإنما يضم دكتوراً في علم النفس وخبيراً في القانون وباحثاً اجتماعياً وناشطة سياسية، وفي أوقات الحروب يضاف إليهم جنرال عسكري له الكلمة الفصل في الأفلام الحربية والدعاية العسكرية فقط. ولأن اسم »‬المجلس الأعلي للرقابة» شديد الوطأة في الحياة السياسية والإجتماعية البريطانية، ويُذَكِرّ الناس بالأحكام العرفية والأنظمة الشمولية، فقد تم تغييره في عام 1985 إلي »‬المجلس البريطاني لتصنيف الأفلام» بعد أن تم تغيير مفهوم الرقابة من الحذف والمنع إلي تصنيف الأفلام حسب الفئات العمرية (للكبار فقط أو للبالغين أو لأكثر من 12 سنة).
التهاب ضرس العقل
حين توليتُ مسئولية مقرر إحدي لجان فحص ومراقبة الأفلام السينمائية العربية والأجنبية في العراق بين عامي 1975 و1989 اكتشفتُ أن العمل الرقابي العربي مسألة مزاج! ومع أني عَلَقتُ خلف مكتبي في الرقابة شعار »‬من راقب الناس مات هماً» فإني لم أمُتّ من الهمّ ولكني مِتّ من الضحك. فقد منع أحد الرقباء فيلماً هندياً عادياً شهيراً في عام 1977 عنوانه »‬أكيلا» من بطولة النجم أميتاب باتشان لأن الرقيب كان يتألم من التهاب ضرس العقل في ساعة الفحص، فقرر أن يشاركه المستورد تبعات ذلك الألم. وإلا فما معني الاشتراكية التي كنا نهتف لها ليل نهار إذا لم نكن نتشارك في الآلام والمجاعة والشوربة؟
وفي عام 1986 رفع رقباء آخرون سيف المنع أمام فيلم »‬حد السيف» المصري، من بطولة: محمود مرسي ونجوي فؤاد ويونس شلبي، لأن الفيلم كان يتحدث عن قيام أحد وكلاء الوزارات بالعمل بعد أوقات الدوام الرسمي عازفاً علي آلة القانون خلف الراقصة نجوي فؤاد في أحد الملاهي الليلية لتحسين دخله الشهري! وبرر الرقيب وجهة نظره في أن الفيلم يسخر من وكلاء الوزارات.
الخوف من التاريخ
قلتُ في أكثر من محاضرة في بغداد، وفي أكثر من مقال في صحف عربية، إننا نريد أو لا نريد، نعترف أو لا نعترف: نحن قوم نكره التاريخ. تستفزنا حكاياته وأحداثه وشخصياته. لدينا عقدة اسمها الخوف من التاريخ مع أنه ليس فيه ما يُخجلنا أو يجعلنا أمة شاذة بين الأمم.
كل الأقوام حاربت وانتصرت وإنكسرت، لكنها لم تنكر تاريخها ولا أغمضت عيونها عن الحقب السوداء والظلم والإستبداد والقهر والفقر والجهل والسخرة والعبيد. من الأصالة والشجاعة أن نَقرّ: هذا هو تاريخنا بقضه وقضيضه. التاريخ لا يُجري عمليات تجميل ولا ترشيق ولا تلوين ولا »‬مونتاج» ولا رقابة. نحبها أو نكرهها: هذه هي البضاعة.
ما الذي يحدث؟ كلما صدر كتاب فيه وجهة نظر تاريخية مختلفة عما نحفظه جيلاً بعد جيل، قامت القيامة. كلما عُرض فيلم سينمائي يتناول وقائع تمس تاريخنا، شهرنا أسلحتنا وأنيابنا وأظافرنا وصرخنا مع فيلسوف التاريخ العربي فهد بلان: حِنّا للسيف.. حِنّا لليل.. يا ويل يا ويل يا ويل! يريد السادة الرقباء العرب من السينمائيين الأجانب أن ينتجوا أفلامهم علي مقاساتنا وكتاتيبنا ونظاراتنا وأذواقنا ومَوّالاتنا ومقاماتنا ومخيمات لجوئنا وزنزانات سجوننا وتصريحات مسئولينا وفتاوي شيوخنا وحماس مذيعينا وويلات فهد بلاننا. ولكن لماذا ندفن رؤوسنا في الرمال ونشوه حرية الرأي والتعبير التي تنص عليها دساتيرنا ولا نسمح بأي رأي مخالف؟
دع عنك سفسطة »‬تشويه التاريخ والمغالطات» فهذه ستارة بالية ومستهلكة لم تعد تصلح للعصر، ولكنها تناسب موظفين متعصبين يهيمنون علي مكاتب الرقابة. أقول ذلك وأنا أعرف جيداً كيف تسير الأمور في بلدان الرأي الواحد الذي يُنَفَذّ ولا يُناقَش. وواضح إن نظرية الأواني المستطرقة هي السائدة في الوطن العربي. فهناك »‬خوف مزمن» من التاريخ ووصاية ثقيلة علي عقول الناس. إذا كانت هناك أخطاء فندوها، لكن لا تخفوها تحت السرير أو تغمضوا عيونكم وعيوننا حتي لا نري الرصيف الآخر.
في ذلك العصر والأوان
كان أول ظهور للرقابة علي الأفلام السينمائية في روسيا القيصرية عام 1908 ثم في السويد عام 1911 وبريطانيا عام 1912 وفرنسا عام 1916. وفي الولايات المتحدة تم تشريع أول قانون للرقابة علي الأفلام في عام 1915، إلا أن المحكمة الدستورية العليا تحفظت علي تعبير »‬الرقابة» وأعلنت أن أفلام تلك المرحلة كانت بسيطة لا تتضمن أي حوار يستدعي التدخل أو مشاهد يرفضها المجتمع. ومعظمها كانت أفلاماً قصيرة صامتة مصحوبة بالموسيقي وجمل مكتوبة في أسفل الشريط تشرح بعض المشاهد. إلا أن الرقابة بدأت عملياً في الولايات المتحدة قبل هذا التاريخ حين تم إعتبار فيلمين »‬جريئين» لأنهما صورا مالم يكن مسموحاً بعرضه في ذلك العصر والأوان علي الجمهور، فالأول صور قبلة بين رجل وامرأة، والثاني صور امرأة ترقص، فتم تشفير الفيلمين بخطوط بيضاء علي الشريطين.
لكن الأمر تطور إلي الأسوأ في عام 1907 حين مَنَحَت ولاية شيكاغو حق الرقابة علي الأفلام لثلاث جهات معاً وهي السلطات القضائية والأمنية والدينية. التي يمكن لكل منها أن تمنع أي فيلم يتجاوز ما كان يُعتبر »‬خطوطاً حمراء». وازداد الأمر سوءاً بعد ذلك في نيويورك وفي العام نفسه حين أصدر عمدة المدينة قراراً متزمتاً بالسماح لتيارات دينية متعصبة مثل »‬العصبة» و»اتحاد الطهارة» و»اتحاد الكنائس» بالمشاركة في رقابة الأفلام ومَنَحَها حق منع أي فيلم لا يناسب توجهاتها. وزاد الطين بلَه حين صدر في تلك الفترة حكم قضائي من المحكمة العليا ينص علي أن الأفلام »‬ليست محمية» وأنها »‬لا تخضع لقوانين حرية التعبير». ووصف السينمائيون آنذاك هذا الحكم بأنه »‬ضربة قاسية» لجميع المبدعين الذين حلموا بتقديم أفلام تصور الواقع بعيداً عن مقص الرقابة.
الزوج النائم في الإسطبل
في عام 1922 تأسست جمعية منتجي وموزعي الأفلام في الولايات المتحدة من أكبر ستة إستوديوهات في هوليوود، وأصدرت الجمعية ما عُرف في حينه ب »‬الوصايا العشر» للسينمائيين التي عاد بعضها بالمبدعين إلي العصور الوسطي في الغرب والجاهلية في الشرق.
ماهي هذه الوصايا؟ عدم استخدام الشتائم، ورفض المشاهد غير المحتشمة، ومنع لقطات تعاطي المخدرات، ومنع تصوير المشاهد المخلة بالآداب العامة، وحظر تصوير مشهد عبودية شخص أسود من قبل شخص أبيض، ورفض تصوير الأطفال الصغار أو حديثي الولادة عرايا، وممنوع ذكر أي عرق أو بلد آخر بأي شيء سلبي. كذلك منع إستخدام المسدسات، وتصوير إطلاق النار علي الناس، وإذا تم ذلك فلابد أن يكون بلا دماء! وأكثر من ذلك ممنوع مناقشة القضايا الوطنية بشكل سلبي. ثم أضيفت إلي هذه »‬الوصايا العشر» محظورات أخري تقضي بمنع تصوير مشاهد السرقة والانتحار، وحظر تصوير زوج ينام في نفس السرير مع زوجته، وهذا هو السر في أفلام الكاوبوي القديمة حين كانت الزوجة تنام في سريرها، والزوج ينام في إسطبل الخيول! وآخر هذه »‬البركات» يجب في الأفلام البوليسية أن يُعاقب المجرم في نهاية الأمر، وفي الأفلام العاطفية أن ينتهي الحب بالزواج.
إلا أن كل تلك الممنوعات ألغيت في الولايات المتحدة عام 1968 بعد أن تم اعتماد تصنيفات عمرية، كما فعلت بريطانيا، والتمييز بين الراشدين وغير الراشدين لمشاهدة الأفلام.
من الطبيعي أن تكون هناك فروق واضحة في المفاهيم الثقافية والإجتماعية، وحتي السياسية، بين دولة ديمقراطية جداً مثل بريطانيا ودولة قمعية جداً مثل إيران. لكن، كما قلت في بداية المقال، فأن الرقيب العربي يمكن أن يمنع فيلماً غنائياً هندياً بسبب ضرس العقل! وكان معنا في لجنة الرقابة جنرال »‬طيب القلب» يقول لعامل القاعة حين يظهر مشهد غير محتشم: ابني إقطع هذا المشهد السخيف، ولكن دعنا قبل ذلك نشاهده مرة أخري!
• صحفي عراقي مقيم بالقاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.