قبل سفرهم إلى أمريكا.. وزير التعليم يستقبل الطلاب المشاركين في مسابقة "آيسف"    شيخ الأزهر يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بذكرى تحرير سيناء    7 أيام خلال 12 يومًا.. تفاصيل أطول إجازة للعاملين بالقطاع العام والخاص    للقضاء على كثافة الفصول.. طلب برلماني بزيادة مخصصات "الأبنية التعليمية" في الموازنة الجديدة    نقابة الأسنان تجري انتخابات التجديد النصفي على مقعد النقيب الجمعة المقبل    تراجع خسائر جنوب الوادي للأسمنت 7% خلال 2023    «أنريك» و«أبوقير للأسمدة» تفتتحان غرفة أشعة بالمستشفى الجامعي بالإسكندرية    بتكلفة 5.5 ملايين جنيه.. محافظ الشرقية يتابع أعمال رصف وتطوير شوارع الحسينية    «الرقابة المالية»: 52 مليار جنيه حجم أرصدة التمويل متناهية الصغر بنهاية يناير 2024    رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي تُشارك في منتدى التمويل من أجل التنمية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة ECOSOC    إزالة 90 حالة تعدِ على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة خلال أعمال الموجة 22 بالدقهلية    اقتحام 532 مستوطنًا للمسجد الأقصى ضمن احتفالاتهم بعيد الفصح اليهودي    رسائل مصرية حاسمة.. ننظر لفلسطين كقضية مصرية ونرفض دعوات التصفية والتهجير    إبادة جماعية.. جنوب إفريقيا تدعو إلى تحقيق عاجل في المقابر الجماعية بغزة    في ظل الهجمات الإسرائيلية.. إيران تقلص تواجد ضباطها ومستشاريها في سوريا    البنتاجون: بدء البناء في ميناء مؤقت لإيصال المساعدات لغزة قريبًا    بعد انضمام فنلندا والسويد للناتو.. تحديات جديدة للحلف وتحولات في أمن البلطيق    مدرب الهلال: الحكم تجاهل ركلة جزاء أمام العين.. وافتقدنا نيمار وميتروفيتش    "التجديد بشرطين".. مهيب عبد الهادي يكشف مصير علي معلول مع الأهلي    عمرو الحلواني: مانويل جوزيه أكثر مدرب مؤثر في حياتي    اسكواش - فرج: اسألوا كريم درويش عن سر التأهل ل 10 نهائيات.. ومواجهة الشوربجي كابوس    أيمن يونس: "زيزو هو الزمالك لا يمكن بيعه.. وشيكابالا كان يريد التجديد لعام واحد فقط"    وزير الشباب يشيد بتنظيم البطولة العربية العسكرية للفروسية    برشلونة يعيد التفكير في بيع دي يونج، اعرف الأسباب    التحقيق مع بلوجر تنشر فيديوهات منافية للآداب فى الجيزة    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    مواصفات امتحان مادة اللغة الأجنبية الأولى للثانوية العامة 2024    بائع أسماك يقتل زميله في الإسكندرية.. والمحكمة تعاقبه بالسجن 10 سنوات    كشف غموض العثور على جثة شخص بالقليوبية    رامي جمال يستعد لطرح ألبومه "خليني أشوفك"    إيرادات فيلم شقو تتخطى 52 مليون جنيه في أسبوعين    رحلة "عم خالد" من المنوفية إلى سانت كاترين على الدراجة البخارية    عند الطقس الحار.. اعرف ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    بالصور- وصول 14 فلسطينيًا من مصابي غزة لمستشفيات المنيا الجامعي لتلقي العلاج    لتجنب الأمراض المرتبطة بارتفاع الحرارة- اتبع هذه النصائح    بدء اليوم الثاني من مؤتمر وزارة العدل عن الذكاء الاصطناعى    انتفاضة في الجامعات الأمريكية ضد حرب غزة.. والخيام تملأ الساحات    «برلمانية الوفد بالشيوخ» مهنئة السيسي بتحرير سيناء: مسيرة طويلة من التضحيات    لتأكيد الصدارة.. بيراميدز يواجه البنك الأهلي اليوم في الدوري المصري    نصيحة مهمة لتخطي الأزمات المالية.. توقعات برج الجوزاء في الأسبوع الأخير من أبريل    بالسعودية.. هشام ماجد يتفوق على علي ربيع في الموسم السينمائي    مدبولي: دعم الصناعة أصبح يؤتي ثماره في العديد من القطاعات الإنتاجية    الداخلية تواصل جهود مكافحة جرائم الاتجار في المواد المخدرة    الزفاف يتحول إلى جنازة.. اللحظات الأخيرة في حياة صديقة عروس كفر الشيخ    طريقة عمل عصير الليمون بالنعناع والقرفة.. مشروب لعلاج الأمراض    حظر سفر وعقوبات.. كيف تعاملت دول العالم مع إرهاب المستوطنين الإسرائيليين بالضفة الغربية؟    النقل: تقدم العمل بالمحطة متعددة الأغراض بميناء سفاجا    مصر تفوز بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الإفريقية    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    «خيال الظل» يواجه تغيرات «الهوية»    رئيس هيئة الرعاية الصحية: خطة للارتقاء بمهارات الكوادر من العناصر البشرية    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    تعرف على مدرب ورشة فن الإلقاء في الدورة ال17 للمهرجان القومي للمسرح؟    بالتزامن مع حملة المقاطعة «خليه يعفن».. تعرف على أسعار السمك في الأسواق 24 أبريل 2024    مصطفى الفقي: مصر ضلع مباشر قي القضية الفلسطينية    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسدٌ عجوز

لم يخلع أبي عمامته من رأسه ولا قرويته من لسانه، ولا أثر فيه تعلم أولاده تلك اللغات الأجنبية، ولا تلك الرطانة التي تختلف بها ألسنتهم في حديثهم، تكثر في كلامهم مع بعضهم البعض وتندر حين يكون أحد أبويهم طرفاً فيه. تغيرت عمامته كثيرا فصارت أكثر بهاءً مما عهدناه منه في صبانا وأكثر قيمة، ذلك أنه صار يشتري ما يراه مناسباً لرجل علَّم أولاده أحسن ما يكون التعليم، وأدَّبهم أحسن ما يكون الأدب، فصار يتباهي بهم في مجلسه بالقرية النائمة تحت سفح الجبل.
خلت ذقنه من ذلك الشعر الخشن المتداخل بياضه في سواده كغيمة محملة بنُذر مطر تغشي وجهه معظم أيام الأسبوع فلا تنقشع إلا صباح الجمعة استعداداً للصلاة ثم لا تلبث أن تزحف قليلاً قليلاً بعدها، وهكذا دواليك علي مدار الأيام والأسابيع، تغير وجهه فما عادت تغشاه تلك السحابة سوي يوم أو يومين وقد فارق سوادها بياضها فصارت غمامة صيف، بلا مطر، صُنعت من قطن ناصع البياض.
أيضاً، فارقته بعض أسنانه فأسفر صدغاه المتهدلان عن فراغات ملأت فكيه، لا يردهما إلي حالهما السابق إلا إذا ألقي فكيه الاصطناعيين داخل فمه، بعد أن يخرجهما من كوب الماء وينظفهما بفرشاته أحسن ما يكون التنظيف، لحظتها يرد الصدغان الضامران المتهدلان إلي سابق عهدهما رداً جميلا فيصبغان وجهه بشيء من حُسن يُسلب كلما خلع فكيه الاصطناعيين.
إلا الهدوء الذي لم نعهده فيه صغارا، كان أكثر ما شدني إلي أبي، ذلك أنه كان في شبابه سريع الغضب، يضيق خلقه ونفسه إذا كثر من حوله الجدال والصخب، أو جاءت درجات أحد أبنائه، وغالبا ما أكون هذا الابن، دون مستوي توقعاته، أو نسيت أمي طقساً من تلك التي اعتادها، بداية من كوب الشاي باللبن مع الإفطار وانتهاءً بفخارة الزبادي بعد العشاء، حينها، يُهدر صوته عالياً طاغياً فوق كل صوت كأنما يوم قيامة وإذا هو قائم ينفخ في الصور، حينها، تخفت الأصوات فلا تسمع إلا همسا، وتنحني الجباه ريثما تمر العاصفة، وتمضغ الأفواه الكلام فلا يغادر الشفاه، ريثما يهدأ الإعصار. يلوح بقبضته في الهواء، قبضة استمدت سُمرتها من طين أرضه، وصلابتها من صخر الجبل القائم عند أطراف القرية.
راح كل هذا. ذهب. اختفي خلف سنوات العمر التي ابتلعها الزمن يوما إثر يوم. رأيت أمي الضعيفة الواهنة ترده رداً جميلاً فلا يُعقب، وتسأله الرأي فلا يغادره هدوؤه ولا تتعكر سكينته، ولا يكف إصبعاه، السبابة والوسطي، عن تحريك حبات مسبحته الخشبية، بينما ذراعه اليمني ممتدة مستندة علي ركبته طاويا ساقه اليسري أسفلها، ثم يتمتم (اللي تشوفيه)، فتعقب (الرأي رأيك)، ثم تمضي إلي ما عزمت هي عليه.
الرأي رأيك، هذا ما تبقي من رد فعل أمي تجاه ما يصدر عن أبي، لكن الزمان تغير، كانت تقولها بصوت كله خشية وقلق وقت يثور ويهدر ويرعد، لكنه الآن يجلس علي الأرض، مُتكئاً بظهره إلي جدار الصالة مولياً ظهره لشعاع الشمس المنزلق من الشباك المطل علي أرضه، يغمس بعضاً من قراقيش جافة في كوب الشاي باللبن ثم يلوكها مفطراً راضياً حامداً شاكراً. أسدٌ عجوزٌ مسالم ألزمه الزمن الجلوس أمام عرشه والتطلع إلي زوجته تصرف أموره، تستشيره من باب الأدب، لكنه يعي تماماً أنها هي صاحبة الأمر والنهي وليس هو.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.