طوي القدر في الأسبوع الماضي الصفحة الأخيرة في حياة العقيد ساطع النعماني الملقب ب"الشهيد الحي"، ليدوِّن التاريخ في سجلات الشرطة حكاية بطل واجه بجسارة آلة الإرهاب الغاشم قبل نحو 5 سنوات في موقعة ميدان النهضة، ورغم إصابته البالغة وفقدانه البصر، أبي أن يودع الحياة قبل أن يشهد الإطاحة بجماعة الإخوان الإرهابية وعودة الحياة الطبيعية إلي مصر في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، ليطبق الرجل فمه أثناء إجراء جراحة في لندن، تاركاً وراءه وصية لمصر.. وأقيمت له جنازة عسكرية حضرها الرئيس السيسي وكبار المسئولين بالدولة. قبل نحو أسبوعين طار العقيد ساطع النعماني إلي العاصمة البريطانية لندن برفقة شقيقه المقدم سراج النعماني، لمتابعة العلاج وإجراء جراحة جديدة، ولم يكن يعلم أن القدر علي وشك أن يضع نقطة النهاية لحياته. إلا أن الكلمات الأخيرة التي قالها لشقيقه كانت مؤثرة وبمثابة وصية من رجل عاش محباً لوطنه ومات محفوفاً بدعوات الملايين. وكشف المقدم سراج النعماني في تصريحات خاصة ل"آخرساعة" أن شقيقه الراحل كان متفائلاً إلي حد كبير أثناء تواجده في لندن قبيل إجراء العملية الجراحية في مستشفي "سانت ماري"، وتحدث معه لدقائق قبل الدخول إلي غرفة العمليات، حيث قال له: "خلوا بالكم علي مصر" وكانت أبرز ملامح تفاؤله حين قال بكل ثقة: "سننتصر علي الإرهاب"، متمنياً التوفيق للرئيس عبدالفتاح السيسي في مسيرة بناء الوطن، حيث قال الشهيد إن الرئيس السيسي هو أكثر شخص وضع روحه علي كفه وواجه الإرهاب لحماية مصر والمصريين. ووجه المقدم سراج الشكر للقنصلية المصرية في لندن، نظراً لتسهيلها كل الإجراءات الخاصة بنقل جثمان الشهيد إلي القاهرة، كما وجه الشكر إلي وزارة الداخلية التي قدمت كل التيسيرات ولم تتأخر في سفر الشهيد إلي الخارج، لافتاً إلي أن وزير الداخلية اللواء محمود توفيق وزير الداخلية كان يتابع حالة شقيقه لحظة بلحظة حتي وفاته. وتابع: إطلاق الرئيس السيسي اسم الشهيد علي ميدان النهضة أمر يستحق الإشادة والامتنان، فهذه الخطوة بمثابة رصاصة في عين الإرهاب. ميدان الشهيد النعماني كان الرئيس السيسي، أطلق اسم الشهيد ساطع النعماني، علي ميدان النهضة في محافظة الجيزة، عقب إعلان خبر الوفاة، كما نعت وزارة الداخلية البطل الشهيد بفيديو مؤثر نشرته علي صفحتها الرسمية علي الإنترنت، حيث بدأ الفيديو بكلمة أرشيفية للرئيس السيسي تحدث خلالها عن قيمة بطولات شهداء مصر ضد الإرهاب، وما دفعوه من ثمن غال من أجل الحفاظ علي الدولة المصرية وشعبها، وبعدها تضمن الفيديو لقطات للشهيد ساطع النعماني أثناء استقبال الرئيس له في مطار القاهرة بعد عودته من رحلة العلاج الأولي، ولحظات مؤثرة في حياته، ولقطات خلال تقبيل الرئيس السيسي لرأسه خلال تكريمه في أحد الاحتفالات، وكذلك جانب من أحداث منطقة "بين السرايات" التي أصيب خلالها الشهيد النعماني. خطاب إلي الرئيس وسيظل الطلب الذي تقدم به الشهيد إلي الرئيس السيسي للمشاركة ضمن الوفد الرسمي لمصر في المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، شاهداً علي بطولته، حيث بعث النعماني بخطاب للرئاسة رغم إصابته جاء نصه: "رئيس الجمهورية، تحية طيبة وبعد، أتقدم لسيادتكم بأسمي آيات الشكر والعرفان لما تقومون به من جهد جبار لخدمة مصر وشعبها الطيب الأصيل، كما أتقدم لسيادتكم راجيا من الله وسيادتكم الموافقة علي قبول طلبي بالانضمام إلي الوفد الرسمي لمصر في المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب المزمع عقده قريباً حتي يري العالم بأسره مثالا حيا لما ارتكبه ويرتكبه الإرهاب الأسود من جرائم يندي لها جبين البشرية ويثقل ضمير المجتمع". وفي أواخر العام 2015، شارك العقيد النعماني كممثل لمصابي قوات الشرطة، في حفل تخريج دفعة جديدة لطلاب كلية الشرطة، بأكاديمية الشرطة، بالقاهرة الجديدة، وبعد انتهائه من إلقاء كلمة، قام الرئيس السيسي، بمصافحته وتقبيله. خطاب الدم كان الشهيد النعماني أصيب يوم 2 يوليو 2013 في منطقة "بين السرايات" علي خلفية آخر خطاب ألقاه الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، وتسبب في أن يتحول ميدان النهضة إلي ساحة حرب، وشهد ذلك اليوم إطلاق النار عشوائيا من جانب أنصار المعزول مدججين بالسلاح كانوا يتواجدون في محيط جامعة القاهرة، وحينها صدرت تعليمات لقوات قسم بولاق الدكرور باستطلاع الأمر عقب استغاثة أهالي منطقة بين السرايات، وفوجئت القوات بإطلاق النار عليها من أسطح المباني، باستخدام أسلحة متطورة، وراح ضحيتها 18 شخصا وأصيب نحو 120 آخرين. وفي الأثناء، سقط العقيد النعماني مصاباً بطلق خرطوش انتشر في وجهه وأصابه بإصابات خطيرة تشوهت علي أثرها عيناه وأذناه وفمه، ليقضي بعدها الرجل عاما ونصف العام في رحلة علاج قاسية في أحد مستشفيات لندن، ودائما كان يردد "أنا شهيد وراضٍ بقضاء الله"، وعاد إلي الحياة مجدداً، بعدما اعتقد الجميع أنه لن يعيش أكثر من ساعات عقب إصابته الخطيرة. رغبة أهالي بولاق الدكرور في تقدير دور النعماني وتضحيته بروحه من أجلهم، دفعتهم إلي تنظيم فعاليات لاستقباله بمطار القاهرة الدولي، فور وصوله من رحلة العلاج، التي قضاها بين سويسرا وإنجلترا، حيث توجه العشرات من أهالي منطقتي بولاق الدكرور وبين السرايات إلي المطار، مصطحبين الطبل والمزمار الذي تعالت أصواته مع وطأة قدم النعماني صالة الوصول. وبكلمات ممزوجة بالدموع، بدأ البطل النعماني حديثه لمستقبليه، قائلاً: "مش مصدق إني رجعت مصر تاني وشفتها تاني أنا كنت شهيد لكن ربنا رجعني للحياة تاني"، ليحتضنه الجميع بأعلام مصر، ووسط بكاء المتواجدين حين التقي والدته التي ارتمي في أحضانها باكياً، قال النعماني: "أنا لسه عايش وواقف علي رجلي وأتمني من وزارة الداخلية أن تتيح لي فرصة العمل مرة أخري في مجال الشرطة الذي أعشقه منذ صغري، ووجه الشكر إلي اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية وقتذاك، علي الاهتمام به"، خاتما حديثه قائلا "شكرا يا أمي يا مصر". يذكر أن النعماني بعد تعرضه للإصابة في "بين السرايات" لم يفقد الوعي حتي دخل المستشفي، إلا أنه فور دخوله غرفة العمليات فقد الوعي، واستمر في غيبوبة طوال 90 يوما، وتم نقله بعدها إلي سويسرا بطائرة خاصة، ومن ثم نقله إلي مستشفي بجينيف، وأجريت له عدة عمليات جراحية في العين والفك والوجه، ثم تم نقله إلي لندن لإجراء عدد من الجراحات الكبري، وصلت إلي 12 جراحة مختلفة، والتي انتهت كمرحلة أولي، وفقد البصر في العين اليسري. وبعد هذه المرحلة رجعت إليه الحياة وكان يشعر بالضيق إلا أنه ردد "أستغفر الله العظيم يارب ليه ما خلتنيش شهيد كان زماني في الجنة أكيد في سبب وحكمة من ربنا إني أرجع للحياة تاني"، وبحسب تصريحات إعلامية سابقة له قال: "اكتشفت الحكمة لما رجعت لمصر، وهي إني أوصل رسالة للمصريين وأقول لهم خلوا بالكم علي مصر.