أ. د مبروك عطية إذا وجدت مريضا نائما فلا تقل: كيف ينام! بل أحمد الله واشكر له فضله عليه، فلولا ان أوجاعه هدأت قليلا ما كحل النوم جفنه السبت: يطلق النوم، ويراد به حقيقة النوم المعروف بإسلام البدن لفراش، والغياب عن اليقظة، والانتباه والإدراك، وهو راحة للنفس والبدن، حتي يتجدد النشاط فيهما من أجل عمل تقوم به الحياة، ويطلق ويراد به مجازا كل كسل وترك وإدراك عمدا أو غباء، يقال نام عن الصلاة أي تركها، ونمنا طويلا بينما تقدمت الأمم، أي تأخرنا وتخلفنا، والنوم الحقيقي الذي هو مقابل اليقظة ممدوح إن كان مناسبا لحاجة المكلف العامل المجد المرهق من عمله، وفي مغازي الواقدي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يحفر الخندق مع أصحابه، وأرهق فنام قليلا علي جنبه الأيسر، لأنه كان قريبا من الحفرة التي اضطجع فيها قليلا، مع أنه صلي الله عليه وسلم يحب التيامن في كل شيء ينام علي جنبه الأيمن، ويقدم اليمني علي اليسري في مأكله ومشربه وملبسه تبركا بها لكنها الضرورة، وعندها لا يمني ولا يسري، وإنما الأنسب للمضطر يفعله، وافق يمناه، أم كان الأيسر أن يفعله علي يسراه، ومع أن النوم الذي هو استرخاء مشروع، قال تعالي: »وجعلنا نومكم سباتا» أي راحة وجدنا الله عز وجل يمدح عباده المحسنين بقلة النوم، قال عز وجل: »كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالاسحار هم يستغفرون »أي كان عباد الله المحسنون في الدنيا ينامون قليلا، ويستغفرون الله تعالي في وقت النوم فيه محبب لكل بني آدم، ويقول سبحانه »تتجافي جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا» أي كان بينهم، وبين مضاجعهم جفاء، لا مودة وعشق، وإدمان كما نري عند كثير من الشباب الذي وصفناهم، ووصفوا أنفسهم بالعاطلين، يقولون: وماذا وراءنا؟! وهناك مثل شعبي قديم يقول بالحرف: »السنين السودة فايدتها نومها» والحق أن السنين السوداء تحتاج الي يقظة تبدد سوادها، وتجلب النور إليها، لأن من يعيش سوادا من ضيق الحال بنومه يزداد الحال به سوءا، والله عز وجل يقول لنا في سورة الشرح »فإذا فرغت فانصب وإلي ربك فارغب» أي كلما فرغنا من عمل تعبنا واجتهدنا في عمل جديد راغبين إليه عز وجل ليجعل عملنا المتواصل إلا عن قليل من الفواصل للنوم وتناول لقمة - سببا في غنانا وأزدهار أحوالنا، ورفع رايتنا، حتي لا يظهر علينا غيرنا، فيقهرنا ألا تري إلي قول ربنا:» كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة» وقوله عز من قائل »إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا» وإذا كان الخطاب الديني موجها الي الأمة الغنية العزيزة المنتصرة، فاتحة البلاد، صانعة الأمجاد، التي يشار اليها بالبنان، يقال: هذه خير أمة أخرجت للناس، وهي في حاجة الي قليل من النوم، وكثيرمن اليقظة ليدوم عزها، ومجدها فإنها في حال الضعف والفقر والتخلف عن ركب الناس الذين سبقوا في كل مجال- في أشد الحاجة الي هذا الخطاب لتقوم من عثرتها،وتنهض من سباتها، وتدرك ما فاتها، وتستعيد مكانتها، فلا يشار اليها من طرف غير خفي بأنها نامية علي سبيل التفاؤل لا الحقيقة، فالحقيقة أنها في تخلف لا نمو، وسبب تخلفها طول نومها بكلا معنييه الحقيقي والمجازي. لا تقل كيف ينام؟ الأحد: إذا وجدت مريضا نائما فلا تقل: كيف ينام! بل أحمد الله واشكر له فضله عليه، فلولا ان أوجاعه هدأت قليلا ما كحل النوم جفنه وإذا وجدت مرهقا من عمل شاق نائما فلا تقل: كيف ينام! فقد رأينا رسول الله صلي الله عليه وسلم قد نام علي جنبه الايسر إثر عمل شاق في حفر الخندق مع أصحابه، وكان أكثرهم عملا، وأقواهم عطاء فيه، أعيت الاقوياء من الصحابة صخرة اعترضت سبيل حفرهم، وحاول كل منهم أن يفتتها بضربة قوية فأعيتهم، فلم يستطيعوا، وأقبل عليها سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم- وأمسك بالمعول، وسمي الله، وعلاها بمعوله، فطارت أشلاء في كل اتجاه، فإن رأيته نائما علي جنبه الايسر مع أنه يحب الأيمن فلا تقل: كيف ينام؟ ولا تترك الشاهد الأساسي الاصلي ، وتضيع عمرك وفكر أمتك بمسألة النوم علي الجانب الأيسر دون الأيمن، فالأيمن والأيسر مذهب ومدرسة عطاء ومنع لا الجوارح، إنما يكون التيامن في كل الأمور للتبرك فقط، وأنت علم أنه لابد لنا من وجود شيء نسعي الي ان يبارك الله فيه، فأين هذا الشيء! وإن وجدت شخصا ساهرا الليل كله فغلبته عيناه قبل الفجر فلا تقل: كيف نام! وبما ان الدين النصيحة وجب عليك ان تنصح له بأن ينام قليلا، ويقطع هذا السهر حتي يؤدي صلاة الفجر، وهي ركن، أما قيام الليل فسنة، روي مالك في الموطأ أن عمر رضي الله عنه فقد رجلا اسمه سليمان في صلاة الفجر يوما، فلما قضيت الصلاة قصد بيته للسؤال عنه فوجد أمه فسألها عنه، فقالت: قام الليل كله، وقبيل الفجر غلبته عيناه، فأمرها عمر رضي الله عنه أن تبلغه أن حضوره صلاة الفجر مع الناس خير له من قيام الليل كله، أي أن الفرض مقدم علي السنة، والسنة التي يضيع الفرض بسببها لا خير فيها، فقم ما استطعت من الليل شريطة ألا تنام عن صلاة الركن التي هي ركعتان خفيفتان، وهكذا في كل موضع يكون النوم فيه ضرورة ملحة. أما أن تري من ليس من هؤلاء ولا من غيرهم الذين يكون النوم علاجا مشروعا لمتاعبهم، وأوجاعهم- نائما فلابد أن يأخذك العجب، ولابد أن تسأل متعجبا: كيف ينام؟! أي كيف ينام صحيح غير عليل، وعياله يصطرخون كما يصطرخ أصحاب النار من الجوع، والحرمان، ولا يشقي من أجلهم، وينهض للبحث عن رزقهم، والتوسيع عليهم، وكيف ينام طالب علم نذر عمره لتحصيله ووضع طموحا علي مائدة الكلام ينصع بصفحاته الغراء، ويرسم أمام نفسه، وسامعيه صورة له، وقد صار طبيبا مشهورا، أو مهندسا عظيما، أو معلما بارزا ذا مدرسة فريدة في طرق التدريس، وكيف ينام صاحب حاجة يقوم عليها معاشه، ويزدهر بها حاله، ولا يشكو علة، وهو قادر علي أن يصحو لها مبكرا، فإن الحاجات لا تنتظر، بل كل شيء في الحياة لا ينتظر، وإذا عرفنا ذلك أدركنا أننا نحن الذين يجب أن ننتظر. كانوا يقومون في الفجر الثلاثاء: ولدت في قرية دبركي بالمنوفية حيث كان أهلوها، وكذا كل القرويين في بقاع مصر الغالية يقومون في الفجر، ولا أتوقف عند التوقيت وهو مهم، بل أتوقف عند حالهم وهم يقومون في تلك الساعة المبكرة المباركة، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم »اللهم بارك لأمتي في بكورها» لقد كانوا يقومون كما يقوم العاشقون الذين كانوا يستعجلون طلوع النهار من أجل موعد ضربوه مع من يعشقون، فما أن بدت تباشيره حتي قاموا كأنهم كانوا واقفين بشاطيء البحر يتطلعون إلي سفينة النجاة، وإبل المفازة، كأنهم لم يناموا، وكيف ينامون وهم اصحاب حاجة وجدانية تثور داخلهم، ولن تهدأ حتي يصلوا الي غايتهم ويروا بعين اليقين معشوقهم، بعد ان طال إليه نراهم بعين الخيال والتمثل التي لا تنام عنه طرفة عين، كانوا يقومون في تلك الساعة يصلون الركعتين، ويتناولون القليل من الزاد، ويهرعون الي معشوقهم »الغيط» لا تسكن نفوسهم الثائرة حتي يروه بأعينهم وقد اهتزت أشجاره ولمعت تحت قطرات الندي أزهاره، ونمت بالليل ثماره، وسلمت من أيدي المعتدين الأشرار زروعه التي بالكد والعرق زرعوها، وفي اقل من طرفة عين يلبون حاجته دون أن يسألهم، فبينهم وبينه لغة تسمي لغة الوجدان، وللوجدان لغة لا يدركها اللسان، ولا تلتقطها الآذان، وإنما يرسلها القلب اخفي من النجوي، وتلتقطها الأرواح كما تلتقط لغة الحياة التي تدب داخلها، دون مرور بسبيل الا سبيلا قدره الله هكذا ليبقي سره الأعظم فيما خلق فسوي وقدر فهدي، ولا أتوقف عند الساعة توقفي عند تلك الحالة التي هي المغزي والمعني، فرب مستيقظ في تلك الساعة أو قبلها، ولو لم يستيقظ لكان خيرا له، وللدنيا جميعا، كما قال الله تعالي للمؤمنين في المنافقين الذين تخلفوا عن الخروج معهم للجهاد »لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين» إن البكور مهم، وأهم منه الحالة التي يكون عليها المبكرون. ومن ترنيماتي أنهض بعزمك لا بمعسول سطر لا شيء في تلك الحياة ينتظر الليل يأتي هاجما لا ينتظر حتي تقوم قد انتهيت من السفر والصبح يشرق لامعا في وقته والوقت من قبل الخلقة قد قدر والغيث ينزل من سحاب فوقه يجري بخير أو بشر للبشر إن لم تضع في الأرض بذرا قبله صارت هشيما للجراد المنتشر قم فالقطار علي الرصيف مسافر من قال ينتظر النؤوم اذا حضر! قم فالمنية رغم أنفك ساعة تدعو الذي من بعد عيش قد قبر فانهض لما بعد الرقاد بصالح ينجيك من لهب الجحيم المستعر هدفا وأدرك أنه لا ينتظر