في 16 مارس 1978 دار هذا الحوار بين سيزا قاسم باحثة الدكتوراه »في بناء الرواية.. دراسة مقارنة لثلاثية نجيب محفوظ».. وهو حوار غني بتفاصيل كثيرة فيما يتعلق بعملية الإبداع لدي محفوظ، بدءا من اللغة والصراع معها من أجل الوصول لشكل لغوي يناسب البناء الروائي، ومرورا بتفاصيل خاصة ببناء الشخصيات والعوالم المختلفة التي عبر عنها، ومدي استخدامه للرمز في الثلاثية، وتأثير السينما علي إبداعاته، وهل لديه علاقة بالفن التشكيلي أم لا، وما الكتب التي كان يقرأها وقت كتابته للثلاثية. تفاصيل صغيرة أرادت من خلالها سيزا قاسم أن تصل عبرها إلي أعماق نجيب محفوظ، من أجل أن تكتشف » الجينات الإبداعية » لمبدع استثنائي في تاريخ الثقافة العربية والإنسانية، وقد تركت الحوار كما هو، حتي ببعض جمله العامية، حتي لا أنزعها من سياقها. وقد اتسم في بعض أجزائه بالإيقاع بالغ السرعة، الذي يمكن وصفه بأنه لاهث، اعتمد علي الأسئلة السريعة والأجوبة المقتضبة، بل وعدم الرد في إحدي المرات. يبدأ الحوار من منطقة اللغة ورؤية محفوظ لها وكيف استطاع أن يصل إلي اللغة الخاصة به. تكلمت أكثر من مرة عن صراعك مع اللغة، وهنا أريد أن أتحدث عن كيفية تعامل الفنان مع لغة هي في جوهرها لغة إلهية.. تجريدية.. اجتماعية . تخرجنا من مرحلة الثانوية ثم الجامعة، ولدينا لغة تكاد تكون منفصلة عن موضوعها، بمعني أن هناك لغة تستخدم في المجتمع، غير تلك التي يكتب بها أساتذتنا الذين تعلمنا علي أيديهم مثل العقاد وطه حسين، ولم تكن هذه اللغة في رواياتي الأولي تمثل لي أية مشكلة، فهي روايات دارت في أجواء تاريخية، وكانت اللغة التراثية مناسبة لها، ولكن عندما بدأت أكتب »القاهرة الجديدة» شعرت أن اللغة التي أكتب بها يجب أن تتغير، وإيقاعها – أيضا – يتغير، حتي لو استغنيت عن تركيب صحيح من الناحية اللغوية بنسبة 100%، فعندما أشعر أن هذه الجملة غريبة عن العمل أغيرها بلا تردد، ولا أتمسك بأنني ملتزم بالفصحي، فأنا أكتب لغة غير التي ورثتها، خصوصا عندما أدخل في منطقة الحوار، أصبحت آخذ الألفاظ من التراث، ولكن التراكيب استلهمها من الجو الذي يدور فيه العمل، هي عملية لم تكن في البداية تتم بنجاح كامل، لذا يمكن أن تجدي نجاحات أو فشلا، ففي أجزاء كنت التزم بالموروث، وفي أجزاء أخري كنت أنجح في أن أخلق لغتي الخاصة، والثلاثية علي سبيل المثال تمثل تزاوجا بين الكلاسيكية العربية وفن الرواية، فالثلاثية مكتوبة بلغتي أنا.. مرات أعتقد أن من يأتون بعدنا قد يستفيدون من تجاربنا بنجاحها وفشلها، فقد سعيت أن أعمل موافقة بين كلاسيكية اللغة وفن الرواية. لكن اللغة التراثية أيضا تستطيع أن تنتج الحياة اليومية، والدليل علي ذلك لغة الجاحظ في البخلاء، وما تتميز به من حيوية وسرعة. ده بالنسبة لنا لغة كلاسيكية، مثله مثل ابن المقفع في كليلة ودمنة.. ومن وجهة نظري أن »البخلاء» تمثل لغة كلاسيكية عتيدة. سيزا مقاطعة: من ناحية المفردات أو الجوهر. الاثنان. لكن يوجد في البخلاء مشاهد تستخدم المفردات بلغة كلاسيكية، تعبر عن واقع لازلنا نعيشه. الحضارة تخلق لغة.. لغتنا الكلاسيكية قديمة، كل »الحاجات» من علم وأدب وفن، لما تدخل في الواقعية تبقي هنا المأساة في كيفية توظيف اللغة. في رسالتي توقفت عند أن المفردات ليست في متناول الكاتب، فهو غير قادر علي أن يعطي لها حقها، وضربت مثلا بقاموس الألوان عند نجيب محفوظ خاصة، وفي الأدب العربي عامة، فغياب بعض الألفاظ التي تدل علي هذا القاموس يمثل بالنسبة لي ظاهرة مخيفة، فهناك العديد من المفردات ماتت بالسكتة القلبية دون داع لهذا الموت، هناك – علي سبيل المثال – عدد من المفردات في الفرنسية لا أعلم المقابل لها في العربية، فقاموس الألوان هنا فقير.. وهذا ما أمر مقلق بالنسبة لي. لا لا..ما تقوليه معناه أن هناك مشكلة في اللغة العربية من الأساس، وأنا لا أري ذلك. من وجهة نظري أنك قمت بحل هذه المشكلة، بأن استبدلت الألفاظ، بأن حملت شخصياتك من الإيماءات والإيحاءات والحركات.. ومثل هذه الأفعال.. فالفعل لديك أكثر حيوية من المسميات.. وهذه ظاهرة إيجابية. بالفعل قد تصطدمين بأشياء ليس لها مقابلات دقيقة لما تودين التعبير عنه، فمثلا لو أن بطلتي من ألف ليلة وليلة أعرف ألبسها، ولكن لو أردت أن ألبس شخصية طبقا ل »الموديل» الحالي أدفع دم قلبي، علشان أعرف ألبسها، هنا توجد صعوبات ، لذا علي الراوي والقصاص أن يخلق لغته، ولا ينتظر مجمع اللغة العربية، حتي ينظر في أمر المفردات المستحدثة، وإذا انتظر الأديب هذا الأمر، يبقي مفيش فايدة من الإبداع. حضرتك اشتغلت علي تراكيب لغوية بوعي من أجل اكتساب هذه المرونة التي تتحدث عنها، من ذلك أنك دمجت الحوار داخل السرد وبدون مقدمات.. هل كنت واعيا لهذا الأسلوب؟. لا تعرفي مدي وعيي للتحرر. كلما أكتب أتحرر عما سبق، بدأت أكتب اللغة العربية كأن الشيخ بتاعي اللي بيصحح لي واقف أمامي، ثم نتيجة التحرر تخلق أدبا فعلا. لماذا اخترت أن تلتزم بالفصحي في الحوار؟ لأسباب عديدة، منها أنني معتز باللغة، وأن خدمة الأدب هي خدمة للغة، وهي خدمة له، ولا يكون ذلك بالتخلي عن اللغة، بمعني »إزاي تخلي الأدب يقدر يطوع لغة تحترمه».. هذا أولا، ثانيا أقدس فكرة لغة يتكلمها أكثر من فرد.. الأدب وسيلة اتصال، لذا يجب ألايتبع وزارة الثقافة، إنما وزارة المكلمة (وضحك ضحكة طويلة) فالأدب في الواقع وسيلة اتصال بين الناس، ورغم استخدام بعض المفردات بالعامية، هنا استخدم اللفظ المناسب، عارفة القاعدة اللي دائما ننادي بها ولا نستعملها (الرجل المناسب في المكان المناسب) أحاول أعملها في أدبي، فقد استخدم كلمة قديمة مقبولة ولها الدلالات التي أعنيها، وقد استخدم – أيضا – لفظة عامية لها الإيحاءات التي أرغب فيها، خاصة إذا لم يوجد بمثل قوتها في الفصحي، وهنا أعتبرالعامية عربية فصيحة واستخدمها. لا تهتم كثيرا بعلامات الترقيم في الثلاثية. ساعات أدقق مين رقم واحد، التعجب أولا ولا الاستفهام، إزاي أخلق التعجب في بعض الجمل، هذا ما يحكمني في استخدام هذه العلامات، أن تثير أشياء أخري. الصورة عندك ليست صورة الشيء الثابت، إنما المتحرك.. أحيانا أشعر أنك تكتب بطريقة المونتاج.. الثلاثية فيها أثر من السينما. معقول.. أنا اشتغلت سيناريست في فترة من الفترات، وبقيت مدير عام الرقابة، وعملت سيناريوهات كثيرة، وأعلم فنيات السينما، التي من بينها »الفلاش باك» وهو مستخدم في الأدب قبل السينما بكثير، فكرة الصور المتداخلة. هناك تفاعل بين الاثنين. ده بيأخذ.. وده بيأخذ حاسة بحاجة في الثلاثية.. علاقة حضرتك بالفنون التشكيلية سطحية، في مقابل هناك اهتمام واضح بالغناء والموسيقي.. هل هذا حقيقي. كده هو. طيب أحب أقول لحضرتك أن دراستي للفن التشكيلي أكثر من الغناء. صحيح. أقول لك إزاي.. أنا دارس فلسفة.. وكنت أزور المتحف المصري وأقابل هناك صلاح طاهر، وفضلت أري وأشوف وأقرأ عن الفن الأغريقي حتي وصلت لفنون القرن العشرين، ومتعتي في حياتي الفن التشكيلي، وهذا لا يمنع علاقتي الوثيقة بالموسيقي، فأنا سمّيع.. والموسيقي في حياتنا كعائلة، نسمعها كل يوم من جهاز السينوغراف الذي نمتلكه، لكن هذا لا يمنع من القول أن الموسيقي في حياتنا، أما الفن التشكيلي فليس في ثقافتنا وحياتنا. صمت قليلا ثم قال: أمتلك مجموعة كبيرة من الصور واللوحات التي تعبر عن الفن الإغريقي وصولا لفنون القرن العشرين، كما قرأت عددا كبيرا من الكتب في الفن التشكيلي، عدد كويس جدا، بس بقي هذا غير الموسيقي، أنا سميع عتيد من أيام العوالم، فأنا أحب الغناء بكل أنواعه القديم منه والجديد، استمع لعبد الوهاب، وصلاح عبد الحي، والمنيلاوي، وسيد درويش .. الموسيقي عايشة في حياتنا، ولكن الفن التشكيلي ليس في حياتنا أبدأ. لكن في الغرب هناك روائيون لديهم إشارات في أعمالهم للفن التشكيلي. الفن التشكيلي عايش عندهم في الشوارع والمدارس والمنازل، وبالتالي عندما يصف الروائي منظرا، يكون عايش في خياله، لدرجة ممكن أقول أن الروائي لا يصف الواقع بل يصف المنظر الذي تربي علي رؤيته. لديك وعي شديد بما تكتب، فأنت ممثل جيد لتيار الوعي . أي عمل أدبي يكتب بوعي بنسبة ما، ولا وعي بنسبة أخري، في أوروبا كل الأساليب موجودة في وقت واحد معا.. يصح لما نيجي نكتب نستفيد من أي طريقة، ممكن تلاحظي في الثلاثية لحظات سريالية، ووقتها أكون متخذا من السريالية أسلوب، فالبطل يعاني من حالات القهر أو السكر، هو هنا سريالي.. الأدب ما قبل السريالية يحكي بطريقة غير مباشرة »دارت رأسه».. لكن عرفت أسلوب يدل علي اللخبطة بطريقة مباشرة أستخدمه. ما الكتب التي كنت تقرأها وقت كتابة الثلاثية؟ بدأت اقرأ الأدب بصفة منتظمة، بعد أن تخرجت بكلية الآداب بعامين 1936، وبدأت أكتب الثلاثية حوالي 1946، لاشك أنني قرأت في هذه الفترة لناس كثيرين، علي سبيل المثال قرأت في الأدب الإنجليزي، كما قرأت لجيمس جويس وموبسان وبلزاك، والبحث عن الزمن المفقود لمارسيل بروست، قرأت لهم ترجمات متعددة. والحقيقة أنني أقرأ بالإنجليزي مباشرة أفضل من الفرنساوي. وعن سؤالك ماذا كنت اقرأ، وأنا في آخر الثلاثية قرأت »البخيل» لبلزاك بالإنجليزية، رغم أنه فرنسي، وأنا اقرأ علي الدوام ، لدرجة أن صديقي محمد عفيفي رشحني للحصول علي جائزة الدولة التقديرية في القراءة، لأنني كذلك اقرأ العمل أكثر من مرة، لاسيما الأعمال الروائية.. لما تخلصي آخر كلمة تشعري أنه يجب إعادة القراءة مرة ثانية.. وهذه هي المتعة في القراءة، عندما تفهمي مفاتيح الرواية مع آخر كلمة، تحبين أن تقرأيها مرة ثانية، فالقراءة الحقيقة أن تبدأ في الرواية بعد أن تكون انتهيت من قراءتها للمرة الأولي. ما الذي يجعلك تحب بروست؟ حقيقي.. ده سؤال صعب.. زي ما تكوني بتسألي حد إيه اللي عجبك في فلانه.. لكن لو رجعتي للنقد وقلت لك أن الشخصيات التي خلقها، والدقة التي صور بها نغمته الخاصة، تلاقي الكلام ده يصدق علي مائة روائي، رغم أن في حاجات غير طبيعية في عمله بتضايقني، مثل وصفه للملابس التي يلبسها لبطلته، كما لو كنت اقرأ كتالوج ل »شيكوريال»، وكذلك الحاجة المزعجة عالمه كله، يتمخض عن شذوذ رجاله ونساء، ودي حاجة غير طبيعية، إنما رغم كده يمكنني أن أقول أنني أحب إحساسه بالزمن. هل لديك إحساس أنك تأثرت بواحد من الكتاب السابقين بشكل مباشر؟ نجيب مقاطعا:.. إزاي.. ليس لدي هذا الإحساس، وأنا لا أنكره، لأنني واثق أن الأدب أخذ وعطاء، واثق أنني تأثرت بكثيرين في الشرق والغرب، لا أنكر هذا أبدا، ولا يمكن أن أنكره، سبق أن قلت لك أنني بدأت دراسة الأدب متأخرا نوعا ما، وتحديدا بدأت ذلك بانتظام في 1936، قبل كده كنت متخصصا في الفلسفة وقراءة التاريخ، وعندما بدأت القراءة قرأت لقمم، وقرأت لكل قمة عمله القمة، قراءاتي أصبحت بالعمق وليس بالعمر، بمعني أنني لم اقرأ كل أعمال الذين ذكرتهم وغيرهم، فكل واحد قرأت له عمله الرئيسي، لأنني كما سبق أن قلت، بدأت متأخرا في القراءة.. لذا لا يمكن أن أقول تأثرت بمين.. لا أقدر أن أحدد. لاحظت في الثلاثية أن الوصف ليس من النقاط المخدومة.. هناك تكرار في وصف حجرة أو مكان.. تكرار لبعض الملامح تتكرر علي مدي النص.. هل ذلك عائد لأنك تجد صعوبة في الوصف.. أم إنك غير مقتنع أن للوصف وظيفة فنية؟ ممكن التكرار في تثبيت الصورة في الحاجة الطويلة خصوصا، ثاني شيء إيماني بالوصف محدود، أعتقد أن الكاميرا قادرة أكثر علي الوصف، أما مجال الوصف في الأدب هامشي. ده اللي أنا قلته في البحث بتاعي. آه زي ما تقولي مضيعة للوقت، ما قيمة الوصف المجرد إذا لم يدخل في الدراما؟ إذا لم يكن هناك حاجة للوصف في الدراما.. تبقي المسألة تزهق. الحقيقة أن نظرية الأشياء عند الواقعيين مهمة جدا. العالم الذي أعبر عنه غالبا عالم فقير.. يعني الأشياء محدودة خالص في البيئات التي أكتب عنها. أري أن المادية البرجوازية عندنا تختلف عن الغرب.. فهي هناك طبقة لها ملامح مختلفة عنا. هناك البرجوازية أغلبها تجار يعملون في المستعمرات، أما عندنا فأغلبها برجوازية موظفين أو تجار صغار، فليس هناك كما في البرجوازية الخارجية أسواق عالمية. ما رأيك في ادعاء الواقعيين بالموضوعية؟ الموضوعية ليست إلا طريقة في العرض، فأنا أحكي لك حكاية.. لا ينفع تقول لي لماذا هذه النهاية وليست نهاية أخري. هل الكاتب هو الراوي؟ الحقيقة أحيانا الكاتب يجب أن يكون هو الراوي.. وقد أرسي هذه التقاليد د. طه حسين، فهناك ذاتية الكاتب، وتكفي ذاتيته أنه اختار الأبطال واختار – أيضا – النهايات، هي دي الديمقراطية . »ضحك طويلا». أشعر أن هناك تضخما في الرومانسية لدي بعض شخصيات »الثلاثية» بما يختلف عن نغمة الرواية العامة.. الإغراق في الرومانسية يمثل لي نوعا من الانحراف عن المسار العام للرواية.. هل هذا مقصود؟ مش عارف.. مقدرش أجاوب عن هذا السؤال.. أنا متتبع الشخص.. شوفي انحرف شوية.. أسبابه لا أعرفها. عالم نجيب محفوظ ملئ بالجنون.. شخصيات متوترة.. مجنونة. أنا لي زمان قصة اسمها » همس الجنون » ثم ضحك وأضاف: أغلب الشخصيات شبه مجانين. النقاد تكلموا عن الوراثة عند زولا.. آلة محطمة للبشر.. أخذت عائلة وأدت بها إلي الفناء... ياسين إنسان في الحضيض، السكر عنده لم يؤد إلي الإدمان والجنون..هل هذا نوع من التفاؤل في المعالجة، أم ماذا؟ نجيب ضحك طويلا.. وسكت عامل الوراثة له أهمية كبيرة. لا ثانوي جدا. إزاي؟ ياسين مش عارف يكون وريث لأبيه.. أنا هنا لا أستنطق الشخصيات، بل تسير في مسارها الطبيعي. أنت لا تقف عند التفاصيل. وإذا وقفت يتهموني بالتفاصيل. حضرتك بالفعل لا تقف عند التفاصيل وأنا عملت رصد بذلك، التفاصيل لديك بالحركة والإيماء. طيب لو عملت زي بلزاك ووصفت.. يقولوا إيه؟ في مشهد ياسين أمامه دورق ماء. شاف نقطة..ده مشهد جميل وفيه تفاصيل. دي تفاصيل نفسية أكثر منها مادية. هل أنت مؤمن بالوراثة؟ في أمور للوراثة دخل فيها، لكن لا أؤمن بالوراثة علي طول الخط، فمثلا اثنان يتربيان في نفس المكان، واحد ينجح في حياته والثاني لا، فهناك اختلاف في السلوك، وليس للوراثة دخل في هذا الأمر. عنصر الحرية موجود في الثلاثية.. والوراثة عامل محتوم. هضرب مثل في مفهوم الوراثة، التي أري أنه لا علاقة لها بأمور كثيرة، واحد خطفوه من الشارع واتربي في بيت كويس، والثاني في بيت كويس من الأساس، الأول طلع كويس (رغم أننا لا نعرف أصله) والثاني طلع سيئ، واحد في أحسن ظروفه طلع وحش، والثاني في أسوأ الظروف طلع كويس.. مفيش عندنا كده. لكن فكرة أن نطبق الوراثة بلا هذه الحسابات علي العمل الروائي يرجع إلي أن لدينا نقادا متسرعين وكسالي. أو لا يقرأون بدقة.(وضحكا سويا). وتواصل سيزا: استخدام الخمر عند زولا يحطم العائلة.. أما عندك الخمر شيء آخر. لم أصور مدمن خمر.. ده حاجة تانية موجودة، لكنني لم أصوره، كل السكاري عندي يسكرون ليس من أجل الخمر، بل من أجل الحياة. أقول إن السكرية هي الحياة. كل من فيها يحبون الحياة. فيها تفاؤل وإيجابية.. واللي بيقولوا فيها إحباط وتشاؤم.. أنا مش شايفة كده؟ أصل النقاد الشيوعيين حاجة صعبة جدا، يخشوا علي العمل الفني بكادر زي النظارة، يشوفوا بلون الزجاج، لا يرضيهم سوي الهتاف. الثلاثية فيها تطور طبيعي للحياة.. لا يوجد فيها تفاؤل زائد أو الخير لازم ينتصر. تقريبا ده موقفي.