اصطدم المسار السياسي للنزاع اليمني مرة أخري بحائط مسدود بعد فشل عقد مشاورات في مدينة جنيف السويسرية، ليتراجع الأمل بإنهاء الحرب الدامية في المدي المنظور، ما ينذر بتصعيد جديد في البلد الغارق في أزمة إنسانية كبري، بحسب خبراء. وانتهت المفاوضات غير المباشرة، مطلع الأسبوع الجاري، حتي قبل ان تبدأ بعدما رفض المتمردون في اللحظة الأخيرة التوجه إلي جنيف من دون الحصول علي ضمانات من الأممالمتحدة بالعودة سريعا الي العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرتهم. وكان من المفترض أن ترعي الاممالمتحدة في جنيف أول مشاورات سياسية بين طرفي النزاع الرئيسيين، الحكومة والمتمردين، ما أعطي أملا بإمكانية وضع النزاع علي سكة الحل السياسي بعد سنوات من الحرب. ويقول الباحث في شؤون الأمن والدفاع ألكسندر ميترسكي لوكالة فرانس برس إن الأسابيع المقبلة "قد تكون حرجة". ويضيف الباحث المقيم في الإمارات العربية المتحدة "المحادثات السياسية لم تنطلق، وبالتالي لا يوجد مسار سياسي يمكن اللجوء إليه، ما يعني أنه ستكون هناك قيود أقل لتصرفات الطرفين علي الأرض". أما الباحث اليمني عبد الله إسماعيل، المقرب من الحكومة الشرعية اليمنية، فقد صب جام غضبه علي المبعوث الدولي مارتن جريفيث، في تصريحات خاصة ل»آخر ساعة»، متسائلاً: " كيف له أن يعلن مباحثات بتلك الأهمية ويدعو الحكومة اليمنية لها دون التنسيق مع الحوثيين؟"، ويري إسماعيل أن جريفيث "شخص فاشل، وأن "أداء المبعوث الدولي حوله الكثير من علامات الاستفهام، فهو يري في الغرف المغلقة يتحدث عن تعنت الحوثيين وتصديرهم للأزمات التي تقف عائقاً أمام مسار الحل السياسي، ولكنه تحدث في المؤتمر الصحفي عقب الإعلان عن فشل المحادثات، باعتبارهم جماعة لها مطالب لم تتحقق !! لذا كانت لهجة وزير الخارجية اليمني خالد اليماني حادة تجاه جريفيث وطالبه بإيضاحات". ويسيطر المتمردون الحوثيون علي العاصمة صنعاء ومناطق أخري منذ سبتمبر 2014. وتحاول القوات الحكومية استعادة الأراضي التي خسرتها بمساندة تحالف عسكري تقوده السعودية منذ مارس 2015. وتقول الأممالمتحدة إن ثلاثة من بين كل أربعة يمنيين بحاجة لمساعدة غذائية، في وقت تهدد موجة جديدة من الكوليرا البلاد التي تفتقد لقطاع صحي فعّال دمرته الحرب. وهنا يعلق عبد الله إسماعيل مرة أخري لآخر ساعة:" الأممالمتحدة والقوي الغربية لديها مصلحة في إطالة أمد الحرب في اليمن، وذلك من خلال التناقض في تصريحاتهم، فالولايات المتحدة تقول إن للسعودية الحق في الدفاع عن نفسها، ولكنها تضغط من أجل عدم الحسم العسكري ضد المتمردين، والأممالمتحدة تصنف عبد الملك الحوثي تارة كقائد لجماعة إرهابية، وتارة أخري تصفه بأنه قائد ثورة !! هم يتعمدون إطالة أمد الصراع من أجل حلب ثرواتنا نحن العرب.. يبيعون السلاح لمعسكر الشرعية الذي يدافع عن نفسه، ويستغلون الكارثة ككل في استنزاف أموال اليمن، كما حدث حينما تفشت الكوليرا، حيث جمعت الأممالمتحدة التبرعات من دول الخليج لعلاج المصابين بالوباء، ولكن أكثر من نصف هذه الأموال يذهب مرتبات ومكافآت وبدل انتقال للعاملين بالمنظمة الدولية !!". ومنذ التدخل السعودي، قٌتل في اليمن نحو 10 آلاف شخص غالبيتهم من المدنيين، وبينهم أكثر من ألفي طفل لقي 66 منهم مصرعهم في ضربات جوية في أغسطس الماضي وحده. وأغرق النزاع أكثر من ثمانية ملايين شخص في شبه مجاعة وتسبب ب"أسوأ أزمة إنسانية" في العالم، بحسب الأممالمتحدة التي كانت تأمل أن تشكل محادثات جنيف بداية لوضع إطار لمفاوضات مستقبلية. ويقول المحلل جراهام في مؤسسة "كونترول ريسك" الاستشارية لتقييم المخاطر التي تتخذ من الإمارات مقرا لها، إن فشل المحادثات "يشكل مؤشرا سيئا لعملية السلام، ولو أنه لا يزال هناك أمل ضئيل جدا بأن يتمكن موفد الأممالمتحدة من إنقاذ شيء ما". ويضيف "لكن علي الرغم من كل جهوده، لا نري أي مؤشرات علي وجود صيغة للسلام يمكن أن تبني الثقة المفقودة بين الطرفين، أو علي تنازلات محتملة تقربهما من بعضهما". ولكن عبد الله إسماعيل يتوقع احتمالية إطلاق مفاوضات أخري ولكن ليس قبل شهر أو شهرين علي الأقل. وأعلن مبعوث الأممالمتحدة إلي اليمن مارتن جريفيث أنه سيسافر إلي مسقطوصنعاء خلال الأيام المقبلة لوضع الأسس لإجراء محادثات مستقبلية، ملمحا الي أنه قد يجري في البداية محادثات منفصلة مع الجانبين. ويتابع جريفيث "سنشهد من دون شك تصعيدا عسكريا، وسيعمق فشل محادثات جنيف قناعة التحالف بقيادة السعودية بأن وحدها خسائر إضافية علي الأرض من شأنها أن تدفع الحوثيين الي القيام بتنازلات". ويعقب عبد الله إسماعيل علي ذلك بالقول إن "التصعيد العسكري سيكون بمدينة الحديدة تحديداً حيث إن قوات الشرعية عازمة علي إخراج المتمردين من تلك المدينة الساحلية". وتؤكد التصريحات التي أدلي بها زعيم المتمردين عبد الملك الحوثي الانطباع حول التصعيد. فقد دعا في خطاب طويل حمل فيه التحالف مسؤولية فشل محادثات جنيف، أنصاره الي "الثبات والصمود" و"التصدي للعدوان". وقال إن علي "الأحرار والشرفاء في هذا الشعب العزيز أن يهبوا اليوم بعزم وتصميم وإصرار إلي الميدان"، و"المطلوب التحرك في كل الاتجاهات ضمن عملية التجنيد في الدفاع والأمن والتطوع في الجبهات". تهريب الأسلحة وكان جريفيث بدأ جهود استئناف محادثات السلام بعدما أطلق التحالف في 13 يونيو هجوما باتجاه ميناء مدينة الحديدة علي البحر الأحمر، بقيادة الإمارات، الشريك الرئيسي في التحالف. وتدخل عبر الميناء غالبية المساعدات والمواد التجارية والغذائية المرسلة إلي ملايين السكان. لكن التحالف يعتبر الميناء الخاضع لسيطرة المتمردين ممرا لتهريب الأسلحة ومهاجمة سفن في البحر الأحمر. وفي مطلع يوليو، أعلنت الإمارات تعليق الهجوم علي مدينة الحديدة لإفساح المجال أمام وساطة للأمم المتحدة، مطالبة بانسحاب الحوثيين من المدينة والميناء. ومع فشل عقد مشاورات في جنيف، تتجه الأنظار مجددا الي مدينة الحديدة. ويقول ميترسكي، مؤيداً للباحث اليمني، إن "العملية العسكرية باتجاه مدينة الحديدة لطرد الحوثيين منها قد تستأنف نظرا لانه لم يطرأ أي تغيير علي المسار السياسي". واندلعت معارك، نهاية الأسبوع الماضي، بين القوات اليمنية التي تدعمها الامارات والمتمردين الحوثيين عند أطراف مدينة الحديدة، بحسب مصادر عسكرية. وقالت المصادر إن قوات "المقاومة اليمنية"، وهي ثلاث قوي غير متجانسة مدعومة من الإمارات، شنت هجوما لتضييق الخناق علي المدينة بعد أسابيع من الهدوء عند أطراف الحديدة في جهتي الجنوب والغرب. وقتل الأسبوع الماضي 38 عنصرا من المتمردين وأصيب 26 آخرون بجروح في ضربات جوية استهدفت مواقع للحوثيين في الأطراف الجنوبية والغربية لمدينة الحديدة. لكن الهجوم علي مدينة الحديدة يمثل معضلة بالنسبة إلي التحالف العسكري كونه سيدفع نحو حرب شوارع قد تؤدي إلي سقوط ضحايا من المدنيين، بعدما تسببت غارات شنها التحالف الشهر الماضي بمقتل عشرات المدنيين، بينهم 40 طفلا علي الأقل في حافلة في صعدة شمال صنعاء، بحسب حصيلة للصليب الأحمر. ويوضح ميترسكي "مصدر القلق الأوحد بالنسبة إلي التحالف الذي تقوده السعودية هو التعامل مع ردود فعل المجتمع الدولي".