مع احتفال مصر بالذكري الخامسة لثورة 30 يونيو 2013، التي جسدت إرادة المصريين في إنقاذ وطنهم من الفاشية الدينية، وحكم جماعة »الإخوان» الإرهابية، يستعيد المصريون ذكريات مريرة للعام الذي حكمت فيه تلك الجماعة مصر، لكن هذه الذكريات بكل قسوتها، ليست سوي صفحة من كتاب أسود لتاريخ تلك الجماعة التي تأسست قبل 90 عاما علي يد مرشدها حسن البنا عام 1928، فتاريخ الجماعة مليء بالدماء والأفكار المفخخة، وجذور التطرف التي مهدت الطريق أمام »جراثيم الإرهاب» لكي تنتشر في أرضنا العربية. ومن يقرأ تاريخ »الإخوان» يدرك بسهولة ان كل ما ارتكبوه من جرائم وإرهاب عقب إطاحة المصريين بحكمهم، ليس سوي جانب بسيط من سلوك الجماعة ومنهجها في التعامل مع كل من يختلف معها، فالجماعة ومنذ السنوات الأولي لتأسيسها اتخذت القتل سلاحا لمحاورة خصومها، ولم تتوان عن استخدام الدين وسيلة لخدمة هدفها الأسمي وهو الوصول إلي السلطة، لذلك كان إسقاط القناع الأخير عن وجوههم في ثورة 30 يونيو صفعة قاسية وضربة قاضية، أطاحت بكل ما زعموه عن اعتدالهم وسلميتهم، وكشفت وجههم الحقيقي القبيح، كجماعة إرهابية.. هذا الملف محاولة لتسليط الضوء علي جوانب من التاريخ الأسود للجماعة، علي مدي90 عاما وأغرقت بأفكارها وممارساتها المنطقة العربية في شلال من الدم. شكّل سقوط الخلافة العثمانية عام 1924، وتفكيك تلك الإمبراطورية الكبري زلزالا هائلا في العالم العربي الإسلامي، فللمرة الأولي منذ ظهور الإسلام يعيش هذا العالم بلا غطاء سياسي حاكم، علي الرغم من أن الخلافة الإسلامية كانت في كثير من الأحيان أضعف من أن توفر الحماية الضرورية لهذا العالم، فضلا عن تنازع شرعيات تلك الخلافة بين العديد من الأقاليم الإسلامية وتفتتها في كثير من الأحيان فأعلنت كل دولة واحيانا مدينة »خلافتها» الخاصة، لكن السقوط الأخير للخلافة العثمانية لم يكن بالأمر الذي يمكن تقبله بسهولة، وكانت له الكثير من التداعيات المستمرة اليوم. واحدة من أهم النتائج التي ترتبت علي انهيار الخلافة العثمانية كان ظهور تيار الاسلام السياسي في المنطقة العربية، ورغم وجود افكار هذا التيار منذ فترة بعيدة، إلا أن تحول تلك الأفكار إلي واقع جاء بعد عام 1924، وقد شهد هذا التيار الكثير من التحولات والتبدلات التي أدت في النهاية إلي ظهور الجماعات الإرهابية التي نراها في عالمنا اليوم. واحدة من أهم جماعات الإسلام السياسي التي ظهرت في تلك الفترة كانت جماعة »الإخوان المسلمين» التي أسسها حسن البنا في مدينة الاسماعيلية عام 1928، وكان أهم أهدافها إقامة دولة الخلافة الإسلامية، وربما لا يعنينا هنا الحديث تفصيلا عن ظروف نشأة تلك الجماعة، بقدر ما يعنينا تلك التحولات التي شهدتها الجماعة والأفكار التي أصبحت أساسا لجماعات أخري لاحقا سارت في طريق مختلف عما بدأته الجماعة، وانتهجت منهجا مغايرا لما تعلنه الجماعة دوما عن نفسها. فعلي الرغم من تأكيدات جماعة »الإخوان» عبر تاريخها أنها جماعة إصلاحية دعوية، إلا أن طموحاتها السياسية كانت سيفا ذا حدين، فقد كونت الجماعة في سنوات التأسيس الأولي جناحا شبه عسكري، ظل لسنوات طويلة طي الكتمان ومحل نفي من الجماعة نفسها، عرف باسم »التنظيم الخاص» وقد أحاطت الجماعة هذا التنظيم بأقصي درجات السرية، لدرجة أن أعضاءه - بحسب ما ورد في مذكرات لاحقة لبعض الشخصيات التي انتمت إليه- كان يحظر عليهم حضور دروس لشخصيات إخوانية أو حتي الصلاة في مساجد معروف عنها تبعيتها للإخوان. ووجهت السلطات المصرية في عهود مختلفة اتهامات ارتكاب العنف والارهاب لجماعة الإخوان، وبخاصة مع ارتكاب عناصر من الجماعة لعمليات اغتيال أو محاولات اغتيال لعدد من الساسة وكبار المسئولين المصريين، ومن ذلك الاتهام باغتيال أحمد باشا ماهر رئيس الوزراء المصري في 24 فبراير 1945، كما تم إدانة عضوي جماعة الإخوان حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم باغتيال القاضي احمد الخازندار في 22 مارس 1948، وفي نفس العام أدين أحد أعضاء التنظيم الخاص باغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي بعد إصداره قرارا بحل جماعة »الإخوان» مبررا القرار بتحول الجماعة إلي مصدر خطر علي الأمن العام، وذلك بعد ضبط العديد من عناصرها وهم يقومون بتصنيع القنابل واعداد المتفجرات، واستخدام بعضها ضد مؤسسات الدولة، فضلا عن الاشتباكات والاعتداءات المتكررة من جانبهم علي رجال الشرطة، وبعد عدة أشهر، تم اغتيال مؤسس الجماعة حسن البنا مساء السبت 12 فبراير 1949، وأشارت الكثير من المصادر التاريخية إلي أن ذلك كان ردا من الحكومة علي اغتيال النقراشي. كما اتهمت السلطات المصرية بعد ثورة 23 يوليو 1952 جماعة »الإخوان» بتدبير اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، فيما عرف بحادث المنشية في 26 أكتوبر 1954 وتمت محاكمة وإعدام عدد منهم، وقد اعترف مؤخراً المتهم الثالث في القضية »خليفة عطوة» بأنهم فعلاً حاولوا قتل الرئيس جمال عبد الناصر، كما اعترف نجل القيادي الإخواني عبد القادر عودة بتدبير »الإخوان» للحادث، إلا أن الجماعة رسميا تصر علي اعتبار تلك الجرائم »أعمال فردية استنكرها الإخوان في حينها» ، كما اعتبروا محاولة»حادثة المنشية »تمثيلية كبري بهدف القبض علي الإخوان المسلمين والزج بهم في السجون والمعتقلات وإزاحتهم من الطريق للاستئثار بالسلطة والانفراد بالحكم». لكن أيا كانت حقيقة هذه الجرائم، فإن التأثير الأخطر الذي لا يمكن إنكاره في هذا السياق هو التأثير الفكري، فقد كان لأفكار القيادي الإخواني البارز سيد قطب، والذي تم اعدامه عام 1966، وبالتحديد أفكاره التي صاغها في كتابه »معالم في الطريق» عن الحاكمية وتجهيل المجتمع وإقامة دولة السماء بالقوة أكبر الأثر علي كافة التنظيمات الإسلامية التي خرجت فيما بعد. وتشير الكثير من المراجع والمصادر إلي أن »التنظيم السري» المسلح الذي كان الذراع العسكري لجماعة »الإخوان» كان بمثابة الملهم لكل التنظيمات والجماعات المسلحة حتي الآن.. كما ارتبط كثير من رموز التنظيمات التكفيرية لاحقا بشكل أو بآخر بجماعة الإخوان سواء فكريا أو حتي تنظيميا، ومن الأمثلة في هذا الصدد تعاون محمد قطب - شقيق »سيد قطب» - مع عبد الله عزام (الفلسطيني المعروف بأبي المجاهدين العرب في أفغانستان ومعلم اسامة بن لادن)، وكذلك أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الحالي، الذي تأثر بخاله محفوظ عزام محامي الإخوان وأحد قيادتهم.. وكان مؤسس بوكو حرام محمد يوسف عضوا بجماعة إخوان نيجيريا، وكذلك أحمد عبدي جوداني مؤسس تنظيم الشباب الذي بدأ مع إخوان الصومال.. كما تورد بعض التقارير أمثلة كثيرة موثقة عن علاقة قادة تنظيم »داعش» بتنظيم الإخوان، ومن ذلك التصريحات المصورة ليوسف القرضاوي رئيس اتحاد علماء المسلمين وأحد أبرز الداعمين ل»الإخوان» والتي يعترف فيها بانتماء أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم »داعش» لجماعة »الإخوان » في فترة مبكرة من حياته. والغريب أن جماعة »الإخوان» التي حاولت علي مدي تاريخها الزعم انها جماعة دعوية ترفض العنف، كانت هي »المفرخة» التي خرج منها العديد من القتلة والإرهابيين في مصر وخارجها، ومنهم من ظل في صفوف الجماعة، ومنهم من خرج ليؤسس او ينضم إلي جماعات أخري يمارس فيها القتل تحت ستار الدين، ومن تلك الجماعات الجماعة الإسلامية، التي تركزت في أوساط الحركة الطلابية بالجامعات، وسرعان ما انقسمت إلي ثلاثة تيارات، فانضم فريق إلي جماعة »الإخوان» التي بدت جماعة عجوز في ذلك الوقت وقد بدأ السادات في الإفراج عن قياداتها من السجون، ليعيد هؤلاء الشباب، ومعظمهم من جامعات القاهرة الدماء إلي شرايين الجماعة ومن هؤلاء عبد المنعم ابو الفتوح وعصام العريان وأبو العلا ماضي وآخرون، بينما اقترب جناح من الأفكار السلفية الوهابية واتخذ من الأسكندرية معقلا له، فيما احتفظ الفريق الثالث باسم »الجماعة الإسلامية» وركز جهوده علي محافظات الصعيد. ويقول أحمد بان، الباحث في الحركات الإسلامية، إن جماعة الإخوان المسلمين تؤمن بما يعرف ب »العنف المؤجل»، خاصة أن أدبياتها تحمل أفكار العنف وحمل السلاح، و أدبيات الجماعة بداية من مؤسسها حسن البنا وتحمل أفكار استخدام القوة. وأوضح أن الإخوان تنفي علاقاتها بالتنظيم الخاص وتنظيم الفنية العسكرية، رغم وجود صلات بين هذه التنظيمات والجماعة، وحتي الآن لم تعتذر عن أي عنف ارتكب لا قديما ولا حديثا، وأشار إلي أن تلك الأفكار انتقلت إلي الأجيال الحديثة من قيادات وشباب الجماعة، ومنهم القيادي الإخواني محمد كمال الذي أسس للعنف بعد عزل مرسي من الحكم، قبل ان تتمكن الأجهزة الأمنية من القضاء عليه، وهو ما ساهم في تراجع عنف ما يسمي ب»اللجان النوعية».