رئيس محكمة النقض والنائب العام يستقبلان رئيس مجلس القضاء الإماراتي    وكيل الأزهر: دعم كامل لجهود مصر في وقف العدوان على غزة ورفض مخططات التهجير    الرقابة الإدارية بالبحيرة تنظم ندوة تثقيفية حول ترسيخ قيم العدالة والشفافية    مطار برج العرب الدولي.. شريان الإسكندرية الجوي نحو العالمية    محافظ الجيزة يُشكل لجنة لحصر وتقسيم المناطق وفقاً للقانون الجديد    مصادر مصرية: حماس وافقت على المقترح الذي قدمه الوسطاء من مصر وقطر    مشاركة أحمد فتوح في تدريبات الزمالك استعداداً للقاء مودرن سبورت    محترفو الفراعنة × أسبوع| بداية باكية لصلاح.. مرموش يكتسح.. سقوط مصطفى.. وتعادل فتحي وحجازي    ريبيرو يدرب الأهلي مرتين اليوم استعدادا للمحلة    ضبط لحوم ودواجن فاسدة خارج المجازر الرسمية بدمياط    فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يكشف تعاطي سائق نقل ذكي المخدرات وضبطه بالقاهرة    بدءًا من سبتمبر.. «باب الخلق» على «النهار» والتليفزيون المصري    جولة عالمية و20 أغنية.. هيفاء وهبي تستعد لطرح ألبومها الجديد    «الأعلى للإعلام» يعلن انطلاق الدورة التدريبية رقم «61» للصحفيين الأفارقة    تقصير أم نفاق؟ أمين الفتوى يجيب على سؤال حول الفتور فى العبادة    الصحة: تفعيل آليات معايير السلامة والصحة المهنية في المنشآت الطبية    الخارجية الفلسطينية تدين قرار الاحتلال الإسرائيلي التعسفي بحق الدبلوماسيين الأستراليين    برشلونة يرفض ضم نجم إنتر ميلان    تعديل موعد انطلاق بطولة أفريقيا لأندية كرة اليد بالمغرب    أسامة السعيد: الموقف المصرى تجاه القضة الفلسطينية راسخ ورفض للتهجير    المسلماني ونجل أحمد زويل يزيحان الستار عن استديو زويل بماسبيرو    الأقصر تطلق حملة "يوم فى حب مصر" لتنظيف أماكن تجمع عربات الحنطور.. صور    محافظ الوادي الجديد يعتمد النزول بسن القبول بالصف الأول الابتدائي بالمدرسة الرسمية الدولية    تعرف على الفيلم الأضعف في شباك تذاكر السينما الأحد (تفاصيل)    الرقابة المالية: 3.5 مليون مستفيد من تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر حتى يونيو 2025    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    تووليت وكايروكي يحيون ختام مهرجان العلمين الجديدة (أسعار التذاكر والشروط)    هل يتم تعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا ؟.. اقتراح جديد في البرلمان    تحذير رسمي.. عبوات «مجهولة» من «Mounjaro 30» للتخسيس تهدد صحة المستهلكين (تفاصيل)    الليلة.. عروض فنية متنوعة ضمن ملتقى السمسمية بالإسماعيلية    حقيقة مفاوضات الأهلي مع محمد عبد المنعم.. شوبير يكشف    نسف للمنازل وقصف إسرائيلي لا يتوقف لليوم الثامن على حي الزيتون    شئون الدراسات العليا بجامعة الفيوم توافق على تسجيل 71 رسالة ماجستير ودكتوراه    مصرع عامل وطفل فى انهيار منزل بدار السلام بسوهاج    حبس المتهمين بالتخلص من جثة صديقهم أثناء التنقيب عن الآثار في الشرقية    "العدل": على دول العالم دعم الموقف المصري الرافض لتهجير الفلسطينيين من أرضهم    الصحة العالمية تقدم أهم النصائح لحمايتك والاحتفاظ ببرودة جسمك في الحر    "كان واقف على الباب".. مصرع شاب سقط من قطار الصعيد بسوهاج    محافظ سوهاج يفتتح المرسى السياحي الجديد مساء اليوم    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    رئيس غرفة الجيزة التجارية يشيد بالمؤشرات الاقتصادية الإيجابية ويعتبرها فرصة للتجار والمستثمرين    الشيخ خالد الجندي: مخالفة قواعد المرور معصية شرعًا و"العمامة" شرف الأمة    رضا عبدالعال: خوان ألفينا سيعوض زيزو في الزمالك.. وبنتايج مستواه ضعيف    أيمن الرمادي ينتقد دونجا ويطالب بإبعاده عن التشكيل الأساسي للزمالك    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    حجز المتهم بالتعدي على زوجة شقيقه في الشرقية    تظاهرة لآلاف الإسرائيليين للمطالبة بوقف حرب غزة    أسعار البيض اليوم الإثنين 18 أغسطس في عدد من المزارع المحلية    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    كلية أصول الدين بالتعاون مع جمعية سفراء الهداية ينظمون المجلس الحديثى الرابع    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    الخارجية الفلسطينية ترحب بقرار أستراليا منع عضو بالكنيست من دخول أراضيها 3 سنوات    قوات الاحتلال تعتقل 12 فلسطينيا من محافظة بيت لحم    إصابة 14 شخصا فى تصادم ميكروباص وربع نقل على طريق أسوان الصحراوى    استقرار أسعار النفط مع انحسار المخاوف بشأن الإمدادات الروسية    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوڤِه يونسون: بالكتابة أبقي بعد موتى!
نشر في أخبار السيارات يوم 05 - 08 - 2018

في العشرين من يوليو الماضى احتفل الأدب المكتوب بالألمانية بذكرى ميلاد الروائى والباحث والمحرّر الأدبى أوڤِه يونسون (يوليو 1934 فبراير 1984). ولد يونسون فى منطقة بوميرانيا، وهى منطقة تقع شماليّ بولندا وألمانيا على الساحل الجنوبى لبحر البلطيق، لأب من أصول سويدية، وأمّ تنتمى للمنطقة نفسها. فى أعقاب الحرب العالمية الثانية هربتْ الأسرة إلى منطقة أنكالم غرب بوميرانيا. توفّى والده فى أحد معسكرات الاعتقال السوڤِيتى بعد سقوط الاشتراكيين القوميين، فاستقّرتْ العائلة فى بلدة جوسترو.
درس يونسون اللغة الألمانية وآدابها فى جامعة روستوك، ثم انتقل إلى جامعة لايبزج فى ألمانيا الشرقية، ونال درجة الماجستير عن الروائى والنحّات التعبيرى الألمانى إرنست بارلاخ. بدأت مسيرة يونسون الإبداعية سنة 1953 حين أنهى روايته الأولى إنغريد بابندردير، التى رفضتها العديد من دور النشر، ولم يُكتب لها النشر فى أثناء حياته. وفى سنة 1956 فرّت والدة يونسون إلى برلين الغربية، وبقى أوڤِه فى جوسترو (التابعة لألمانيا الشرقية)، وهو ما دفع سلطات جمهورية ألمانيا الديمقراطية إلى حظر توظيفه فى عمل ثابت. فاتّجه إلى الاشتغال بالترجمة لكسب الرزق، فنقل إلى اللغة الألمانية رواية هيرمان ميلفيل »إسرائيل بوتر: سنوات المنفى الخمسون«.
وفى سنة 1959 تمكن يونسون من السفر إلى برلين الغربية، وارتبط بمجموعة 47 الأدبية، وهى المجموعة الشهيرة التى ضمّت كِبار أدباء ألمانيا الغربية آنذاك مثل جونتِر جراس هاينريش بُلّ وغيرهما. استمرّ يونسون فى ممارسة الكتابة الإبداعية والترجمة حتى سنة 1961. فى هذه الفترة كتب روايتيْن هما: (تخمينات حول ياكوب 1959)، (الكتاب الثالث عن آخيم 1961). وفى سنة 1966 غادر يونسون إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومكث فيها سنتيْن، ليغادر بعدها إلى إنجلترا، مُنقطعًا لكتابة العمل الروائى الأهم الذى كرّس له أغلب حياته؛ رواية (أيام السنين: من حياة جيزينه كرشيبال). فى سنواته الأخيرة عاش يونسون وحيدًا بعد انفصاله عن زوجته، وتوفيّ فى شقة صغيرة فى بلدة «كِنت» جنوب شرق لندن، ولم تُكتشف جثّته إلا بعد ثلاثة أسابيع من وفاته.

رغم وصف أديب نوبل جونتِر جراس ليونسون بأنّه واحد من أهمّ أدباء ألمانيا الغربية، وأبلغهم أثرًا فى ساحة السرد الروائى فى النصف الثانى من القرن العشرين، إلا أن أدب يونسون بقى خامل الذكر لأسباب متفرّقة.
ولا يزال يونسون وجهًا غير معروف لقرّاء العربية، إذ لم تُترجم أيّ من أعماله حتى اليوم. على أنّ استقبال أعماله فى مسقط رأسه لم تكن أحسن حالًا من بقية دول العالم، إذ ظلّت أعماله مجهولة على الصعيد الجماهيرى حتى سقوط جدار برلين سنة 1989، لتتحوّلَ رواياته بعد توحيد شطرى ألمانيا، وعلى الأخص روايته الأهمّ والأضخم Jahrestage، إلى بؤرة اهتمام المتخصصين فى الدراسات الجرمانية فى العقود الثلاثة الأخيرة. شرع جونسون فى تأليف هذه الرواية الضخمة فى 29 يناير 1968. وقد نُشِرَت فى أربعة مجلدات بين عامى 1970 و1983، وصدرت عن دار زوركامب الألمانية سنة 1983.
الرواية بأجزائها الأربعة نصّ واحد متكامل. الترجمة الحرفية للعنوان «أيام السنين». تستخدِم الرواية شكل اليوميات لتغطي، يومًا وراء يوم، سنة كاملة فى حياة جيزينه كريشبال، بدءًا من 21 أغسطس 1967 وحتى 20 أغسطس 1968، حيث تدور أحداث الرواية بين مدينتيّ ميكلينبورج ونيويورك.
بطلة الرواية، «جيزينه كريشبال» أمّ عزباء فى الرابعة والثلاثين، وهى مهاجرة ألمانية تعيش مع ابنتها الوحيدة «ماري» ذات العشر سنوات فى شرق مانهاتن بالولايات المتحدة. تحكى الأم لابنتها عن طفولتها فى مدينة صغيرة فى شماليّ ألمانيا، وعن والدها العصاميّ، وعن ألمانيا فى ظلّ الاشتراكيين القوميين (ولِدت جيزينه سنة 1933 وهو العام الذى انتُخِبَ فيه الاشتراكيون القوميون)، وكذلك عن ذكرياتها فى سنوات الحرب، وعن انتقام السوڤِييت العنيف بعد الحرب، وعن تقسيم ألمانيا إلى شطريْن، وعن بعض السنوات الأخرى فى ألمانيا الغربية.
يأخذ السرد شكل حوارات مطوّلة بين الأم جيزينه وابنتها مارى حول تاريخ العائلة الذى يعود إلى سنة 1888 (تاريخ ميلاد والد جيزينه)، لكن يونسون لا يركّز فى أثناء سرده- على تاريخ العائلة من حيث هو وقائع وأحداث عادية (ميلاد، وزواج، وطلاق وموت)، وإنما يتخذ من تاريخ العائلة مادةً لتأمّل تاريخ ألمانيا فى القرنيْن التاسع عشر والعشرين، والمتغيرات التى طرأت على بلاده، من خلال عرض تأثير الأحداث السياسية/الاجتماعية على حياة آل كريشبال، راصدًا خمسة أنظمة سياسية مختلفة (ألمانيا القيصرية، جمهورية فايمار، الرايخ الثالث، جمهورية ألمانيا الديمقراطية والنظام الرأسمالى الغربيّ مجسّدًا فى الولايات المتحدة الأمريكية). على عكس سلفِه توماس مانّ فى روايته الشهيرة (آل بودينبروك- قصة انهيار عائلة)، استخدم يونسون أسلوبًا أكثر حداثة، ولغة أشدّ اقترابًا من لغة الحياة اليومية، معتمدًا بشكل أساسى على المفارقات والتوريات الساخرة، بينما حافظَ توماس مانّ على رصانة اللغة وطريقة البناء الكلاسيكية.
على نحوٍ موازٍ لسرد تاريخ آل كريشبال، تحكى جيزينه تفاصيل حياتها فى مانهاتن يومًا بيوم، وساعةً بساعة. ولا تكاد تخلو فقرة من اقتباسات مباشرة من جريدة النيويورك تايمز، فتمتزج أيام الماضى بأيام الحاضر، حتى أنّ يونسون كان يُدرج أحيانًا داخل النسيج السردى للرواية حوارات مع الموتى (والد جيزينه ووالدتها)، هكذا دون سابق إنذار ولا تمهيد. فيصير الزمن الروائى حبلًا يمسك يونسون بطرفيه، لا فرق بين أوله وآخره، ولا بين ماضيه وحاضره. لجأ يونسون أيضًا فى روايته إلى القفزات الزمنية/المكانية المتلاحقة، مُترواحًا بين ألمانيا النازية/ألمانيا ما بعد الحرب فى مقابل أمريكا الرأسمالية/ أمريكا الحرب الباردة، والإشارة واضحة: التاريخ يكرّر نفسه ولا أحد يتعلّم من الماضي.

صحيح أنّ الرواية تتّسم بطولها الشديد وبتعقيد بنائها، إلا أنّ يونسون وظّف بصبرٍ وببراعة مجموعة من التقنيات السردية المختلفة بهدف الحفاظ على انتباه القاريء وتركيزه، من بينها تداخل أصوات الرواة (الأم والابنة والأصدقاء)، وتعدد وجهات النظر، وسرد القصص المتوازية (حكايات عن ماضى بطلة الرواية جيزينه وأخرى عن حاضرها، قصة طفولة جيزينه بالتوازى مع طفولة ابنتها ماري، الأحداث السياسية/الاجتماعية المتفجّرة فى أمريكا مثل الحرب فى فيتنام، والاضطرابات العِرقية فى أمريكا، واغتيال كينيدي، إلخ).
كما لجأ يونسون إلى تقنية سردية مبتكرة، إذ كان يورِد اقتباسات/أخبارًا منقولة بنصّها من جريدة «النيويورك تايمز»، ليربطها مع أسئلة الطفلة مارى وإجابات الأم عن هذه الأسئلة.
لا يمكن وصف الرواية بأنها رواية تاريخية، إلا أنّها تتكئ على الوقائع التاريخية (تاريخ الرايخ الثالث، ثمّ ألمانيا الغربية والشرقية من سنة 1933 حتى سنة 1953)، وتاريخ أمريكا فى أواخر الستينيات، أقول تتكأ على الوقائع التاريخية لتأملّ أزمة الفرد (أوڤِه يونسون؟) فى ظل أنظمة سياسية متباينة، وهى الأنظمة التى عاش يونسون فى كنفها واختبرها جيدًا. اللافت أنّ الرواية لا تصدر أحكامًا على أيّ من هذه الأنظمة، مُكتفية برسم مشاهد مِن الحياة اليومية للأبطال، تاركةً للقاريء مهمّة التحليل والمقارنة. فى أحد المونولوجات الطويلة فى الجزء الرابع تطرح جيزينه السؤال التالي: «أى الأنظمة السياسية أفضل؟ وأيّها أكثر احترامًا لحريّة الإنسان وكرامته: النظام القيصرى أم الهتلرى أم الشيوعى أم الرأسمالي؟ إلى أين يمكن للمرء أن يهاجر بعد ذلك؟ إلى القمر»؟

رواية أيام السنين على حدّ تعبير أوڤِه يونسون- هى محاولة لاستدعاء ذكريات تاريخ دهسه الزمن تحت عجلته، لكنه فى الوقت نفسه- تاريخ لا يمكن تجاهله ولا نسيانه. وفى سبيل ذلك لا يتبقى أمام جيزينه كريشبال سوى الحكيّ وسيلةً للحفاظ على ما علِقَ بذاكرتها من ذلك التاريخ، مهما كانت الذكريات قاسية ومهما كانت مؤلمة. تسجّل جيزينه ذكرياتها وحواراتها مع ابنتها على شرائط كاسيت، وتقول لنفسها: «الحكيّ هو فعل تذكّر، بالحكيّ أحارب النسيان، وبالحكيّ أبقى بعد موتي».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.