وجهك الأرابيسك مجموعة قصصية حديثة للقاصة المبدعة دينا نبيل، صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 2018، وتنسج دينا نبيل » في المجموعة » عالما قصصيا احتماليا، أو افتراضيا، يؤكد التوجه الطليعي المتجدد، والمتنوع في كتابة القصة القصيرة؛ فقد تشكل الساردة تأويلا للكينونة الأنثوية لبعض الشخصيات الفنية، أو تكشف عن عوالم اللاوعي، وتشكلها السيميائي / النصي في تداعيات الكتابة، وتومئ إلي أخيلة اليقظة التي قد ترتبط بالتحولات الجمالية لمياه البحر في خطاب الراوي، أو في الوجود الظاهراتي للشخصيات، وقد يختلط النص السردي بالتصوير التشكيلي، أو السينمائي الذي يسمح بوفرة التأويلات، وتعددية العوالم الجزئية، وتداخلها؛ وقد تكشف المتواليات السردية عن التحول، أو علاقات التناقض ما بعد الحداثية في بني الشخصيات، أو الفضاءات اللامركزية / النصية، أو تمارس الساردة نوعا من تفكيك خطاب الشخصية من داخل توالي الأسئلة، والاحتمالات المعرفية التي تؤجل الحدث، وطرائق إدراكه، وتأويله في آن. وقد نعاين تحولا جماليا للشخصية، أو تحولا للفعل الجمالي باتجاه السياق الثقافي / الاجتماعي؛ إذ يتداخل العالم الجمالي المصاحب لطقوس المتصوفين إلي فعل اجتماعي وجمالي أيضا في قصة المولد، وتستعيد ساردة دينا نبيل شخصيات من الماضي، ومن تاريخ الأدب، والأساطير، وتعيد قراءتها طبقا لمدلول القراءة التعديلية التنقيحية عند هارولد بلوم، أو طبقا لآلية المحاكاة الساخرة ما بعد الحداثية وفق تصور ليندا هاتشون؛ فقد استعادت اللعبة اللغوية المتعلقة بطالع الشجرة عند توفيق الحكيم باتجاه تجدد النماذج، وفاعلية تلك العلامات اللغوية في الواقع الافتراضي، واستعادت شخصيتي بجماليون، وتمثال محبوبته المتحول في سياق حضاري مختلف، يتعلق بالعوالم الافتراضية الوفيرة، وعلاقتها بالغياب المتكرر / المحتمل، ويتصل الصوت أحيانا بأصداء الحكايات القديمة، وإيحاءاتها الاستعارية التي تجعل الواقع احتماليا؛ فقد شعرت إحدي الشخصيات بصعود تنين أسطوري داخل جسدها؛ وكأنه يفكك فضاء الذات الجمالي، وخطابها التفسيري لذاتيتها، ويومئ ذلك التفكك باستعادة ساخرة للكينونة، ولغريزة الموت، وقوتها اللاواعية في تصور فرويد. وتحتفي نصوص دينا نبيل القصصية بالمراوحات التصويرية الاحتمالية بين الموت، والحياة، والظهور، والغياب، والواقع، والفضاء الافتراضي، أو الخيالي، أو الأسطوري، وكذلك اختلاط خطاب الشخصية بوفرة الأسئلة، أو بالتناقض النيتشوي بين البهجة، والتدمير؛ ومن ثم تفكيك المركز، وتأكيد رؤي الاختلاف في منظور الراوي، ووعيه بالآخر، وبالعالم. تأويل الكينونة الأنثوية تؤول الساردة كينونة البطلة من خلال فعل الخروج الجمالي من الأطر، والحتميات باتجاه واقع افتراضي جمالي قيد التشكل دائما في قصة الأرجوحة؛ فالبطلة تبدو كراقصة باليه؛ وكأنها توشك أن تستبدل في فعل الكتابة / الطيران باتجاه نشوة الخروج؛ فهي تدعو البطل أن يدفع الأرجوحة، ثم يتصاعد الدفع، ويذكرنا بالتصاعد الموسيقي / الكريشندو في المشهد حتي تقبل البطلة الهواء في مشهد النشوة الكوني، ثم توحي الساردة بحالة السقوط المحتملة، أو التوقف الذي يذكرنا بوقفات بيكيت، وتكرار حالات الصمت، ونعاين عمق حالة الصمت في خطاب البطل، وإن كانت ممزوجة ببداية جديدة للخروج، أو للولادة الجمالية. لقد صارت الأرجوحة معبرا للعالم الافتراضي، ووفرة احتمالات تشكل الأنثي، وتأويلاتها المحتملة بين البهجة، والموت، والخروج، والاتحاد بالأخيلة الهوائية. وتزدوج علامات الواقع الحيادية في وعي الأنثي بتجدد الأخيلة الأنثوية التي تؤكد الولادة الجمالية المتكررة، والمقاومة للموت في قصة شريط وردي، ودانتيل؛ إذ ينتقل وعي البطلة من متوالية معاينة اللون الأبيض، والملابس الفضفاضة المصاحبة لإصابتها بالورم إلي متوالية الرغبة في إعادة ابنتها زهرة إلي الرحم، أو تخييل علامات الأنوثة المتجددة مثل شريط الدانتيل المعقود حول ذيل حصان بني حريري. إن تجدد الأخيلة الأنثوية ليوحي بتجدد الولادات الجمالية المحتملة للكينونة، خارج الحياد السلبي المهيمن؛ فزهرة تبدو كأنها تشبيه تمثيلي أنثوي متجدد في وعي، ولاوعي البطلة. وتؤول البطلة / الساردة كينونتها، وكينونة الأخري من خلال الخبرات الحسية الخيالية في قصة ثقب؛ فهي تراقب امرأة تقرأ، ولها رائحة بيضاء، وتوضع الساردة في موقع افتراضي بديل يبدو كأثر جمالي، ولكنه صاخب، ومختلف؛ إذ تبدو رائحتها حمراء، وممزوجة بالصراخ، ويقتادها رجلان، يستحيلان في رؤي اللاوعي الحلمية إلي رجل بدين يتلاشي، ويختفي. تؤول الساردة صورة المرأة الأخري إذا من داخل حضورها الظاهراتي في الوعي، وقد تمثل مسارا مجازيا للذات / الساردة، وتقع بين العالم الداخلي، والواقع، وتوحي الرائحة البيضاء بالتأويل الجمالي الحسي للذات، والآخر، أو بتعددية الفضاء بين الحيز الفيزيقي للأنثي، والفضاء التشكيلي الذي يشبه اللوحة في المشهد، وتذكرنا علاقة الذات بالأخري ذ في النص ذ بعوالم جان جنيه، أما الموقع التأويلي الاستبدالي الآخر الذي اتخذته البطلة / الساردة؛ فيوحي بالمراوحة بين الظهور، والغياب في فضاءات اللاوعي، وفراغاته الاستعارية الصاخبة التي تشبه اللون الأحمر في الفضاء التشكيلي المحتمل للذات في المشهد. لغة السرد الاحتمالية، والمحاكاة الساخرة تجمع كتابة دينا نبيل القصصية بين احتمالية لغة السرد، وإعادة قراءة الماضي، أو تراث الفن، أو محاكاته بصورة ساخرة ما بعد حداثية؛ فالساردة قد تقدم الوظائف السردية، والمتواليات عبر منظورين إدراكيين متقاطعين، أو متداخلين؛ فقد نري متوالية الموت ممثلة في حكم إعدام، مختلطة بمتوالية لاحتفالية عيد ميلاد، أو نعاين حضورا ظاهراتيا لجثة، بينما تبدو كتمثيل مجازي للذات في اختفائها، أو حضورها الإبداعي في الوعي، واللاوعي. تعيد ساردة دينا نبيل قراءة أسطورة بجماليون في قصة وجهك الأرابيسك، ولكن من خلال القراءة التنقيحية التي أشار إليها هارولد بلوم في قلق التأثر؛ فهي تستعيد الماضي، ولكن تعيد تشكيله في قراءة تأويلية مغايرة؛ فالبطل يري تمثال الأنثي عبر تشكيلات الأرابيسك التي تشير إلي دلالة الأبدية، وتراقص العناصر الكونية مثل ضوء الشمس؛ وكأن تشكيلات الأرابيسك تستبدل طاقة الوجه الأنثوي الجمالية في الوعي، ثم يكتمل تحول التمثال إلي أنثي في حلم اليقظة، ويتفق هذا الجزء مع إيماءات الأسطورة، ثم يحطم الفنان تمثال المرأة؛ لأنها كانت ثملة بالاستعراض، وانشغلت بتفاصيلها الخاصة؛ لقد مارس الفنان علاقة نيتشوية بالتمثال الذي كان يدل ذ في وعيه ذ علي التناغم الكوني، ثم ارتبط بحالة التفكك، والتدمير؛ وهو ما يذكرنا بتشكيل مبدأى أبولو وديونسيوس للمأساة الإغريقية فى تصور نيتشه؛ وقد تناول أوفيد الأسطورة عبر فعل التحول، أما توفيق الحكيم فقد ارتكز على التحول، والرغبة فى استعادة جماليات العمل الفني، وأضافت الساردة فى نص دينا نبيل تأويل كينونة التمثال من داخل تشكيلات الأرابيسك الدائرية من جهة، وممارسة تمثال الأنثى لإغواء العوالم الافتراضية، ووفرة النسخ، والتشبيهات خارج عالم الفنان من جهة أخرى؛ وكأن العمل الفنى يقع بين عالم الفنان، ومنظوره، وانفلاته الذاتى المتجاوز لبنية الفاعلية، أو لمركزية وعى الفنان. وتعيد الساردة قراءة أمثولة يا طالع الشجرة؛ والتى وردت فى تقديم توفيق الحكيم لمسرحيته بالعنوان نفسه، وقد ارتبط خطاب الحكيم بالكشف عن اللامعقول فى اللعبة اللغوية، وفى أداء الطفل للأغنية، وفى المسرحيات التجريبية الحديثة فى الغرب، بينما قدمت ساردة دينا نبيل اللعبة اللغوية فى نسق علاماتى سردى تصويري، يستعيد النماذج القديمة، ولكن فى سياق المحاكاة الساخرة؛ وكأنها تراوح بين ظهور العلامة، وغيابها، أو فى تجليها الطيفى فى الواقع، وفى نماذج اللاوعى الجمعى معا؛ فالبقرة فى النص ارتبطت بتجدد الكينونة، ومقاومة حتمية التحول الزمني، بينما جسدت حالة الرعب الممثلة فى حضورها الطيفى اللامركزى بين الداخل، والخارج. والمحاكاة الساخرة ما بعد الحداثية تعنى طبقا لليندا هاتشون فى كتابها شعرية ما بعد الحداثية استعادة أصداء الماضى، وإعادة تشكيلها فى سياق جديد، وبصورة ساخرة. (Read, Linda Hutcheon, A Poetics of Postmodernism, Routledge, 2000, p.34). وقد قدمت الساردة فى قصص دينا نبيل النسق العلاماتى للأسطورة فى سياق معاصر يرتبط بنزوع الاستعراض، وتناولت نسق اللامعقول بصورة سردية تفكك الانفصال بين الداخل، والخارج، وتعزز من تعددية العوالم، والفضاءات، دون حدود زمكانية حاسمة. وقد أسهم التداخل بين النص السردي، والتشكيل، ولغة السينما فى قصص دينا نبيل فى وفرة التأويلات، واحتمالية النسق السيميائي، ودلالاته، وتجليه الظاهراتى فى الوعي، وفى التلقي؛ وتذكرنا قصة الشاطئ بعوالم كلود سيمون، وروب غرييه؛ فالذات تصطحب جثة لصديق فوق رمال الشاطئ، وبالقرب من البحر، ويبدو المشهد كصورة سينمائية شعرية؛ فالبطل يدفن صاحبه فى الرمال، ثم ينام مدة طويلة، ثم تختفى جثة صاحبه، ثم يغوص فى المياه باحثا. تبدو الجثة هنا كظاهرة جمالية، أو كمحتمل دلالى وفق تعبير كريستيفا، أو تتجلى كتمثيل استعارى للذات فى واقع تشبيهى افتراضي؛ أما القبر فيبدو كفضاء سيميائى للتجدد أو للولادة الجمالية، أو يشبه صيرورة الكتابة الأولى، وتحولاتها، واستبدالاتها طبقا لدريدا؛ أما صورة الغياب فى الماء فتجسد احتمالية تأويلات الصورة السينمائية التى تفكك مركزية الذات، وبنيتى الحضور، والغياب معا. التشكيلات الجمالية للمياه يعثر البطل على رسالة متقطعة، يطلب الصوت فيها الخلاص فى قصة رسالة بحر، وتبدو بنيتا الصوت، والرسالة مؤجلتين فى النص، ونعاين فى خطاب البطل / الرائى ممارسة لإغواء المياه، وتحولاتها التشكيلية الجمالية، واختلاطها بالصوت الطيفى الذى يعبر زمنه الخاص، ويطلب خلاصا مؤجلا، ويجمع النص السردى بين التشكيل، والموسيقى الكونية، والوصف الظاهراتى الجمالى لتشكيلات المياه الاستعارية فى الوعى المبدع؛ فالأمواج ذات بطون، وقمم، ومغارات، وتبدو زرقاء، أو سوداء، ويصهل زبدها مثل خيل بيض، وتصلصل فى شبه معركة. تنسج المياه إذا فضاء افتراضيا يعزز من حالة الإغواء، وصيرورة البطل باتجاه الصوت الطيفى الذى يطلب خلاصا مؤجلا، وتجتمع الفنون مع صيرورة السرد فى مشهد كونى يعزز من وفرة مدلول الذات بين فضاء المياه التشكيلى من جهة، وأصوات الماضي، وآلامه الإنسانية المتكررة الدائرية من جهة أخرى. ويرى باشلار بصدد انعكاسات المياه، ووفرتها الجمالية أن الماء يضاعف العالم، والأشياء من خلال انعكاساته، ويضاعف الحالم أيضا بإلزامه بتجربة حلم جديدة. (راجع، باشلار، الماء والأحلام، ت: د. على نجيب إبراهيم، تقديم: أدونيس، المنظمة العربية للترجمة ببيروت، ط1، 2007، ص 80). لقد شكل الماء فى نص دينا نبيل واقعا حلميا يحتوى الحالم / الرائي، وصوره التمثيلية المستمدة من الماضي، ومن الانعكاسات الكونية التمثيلية المحتملة فى أخيلة البحر.