يري الدكتور محمود علم الدين، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، عضو الهيئة الوطنية للصحافة، أن قانون الصحافة الجديد نقطة الانطلاق لبناء مستقبل جديد للمؤسسات الصحفية القومية من خلال المكاسب والإيجابيات التي تنطوي عليها مواد القانون بعد أن خضع للمناقشة علي مدار ثلاث سنوات. ويؤكد علم الدين، أن لغة الحوار بين جميع الأطراف هي الطريق لحل الخلاف القائم علي بعض مواده حتي يخرج للنور، ويشير خلال حواره ل"آخر ساعة"، إلي أهمية صدور القانون كي يتسني إصلاح المشكلات الاقتصادية التي مرت بها المؤسسات الصحفية عقب فترة التغيير الجذري التي شهدتها البلاد بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو. • ما أهم المحاور التي ينطوي عليها قانون تنظيم الصحافة والإعلام الموحد؟ مشروعات قوانين تنظيم الصحافة والإعلام الموحد الذي انتهت منه لجنة الصحافة والإعلام بمجلس النواب من إقرارها مبدئيا والمنظور أمام مجلس الدولة مطلوب وجاء في وقته بل إنه ثمرة لجهد بذل في لجنة الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس النواب علي مدار عام كامل وأيضا نتاج جهد ثلاث سنوات استغرقتها لجنة قومية مكونة من خمسين عضوا يمثلون كافة الأطراف المعنية كان من بينهم الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب وأرسلته لجنة الإعلام والسياحة والثقافة لكافة الجهات المعنية، وعرض وجهات نظر كثيرة حوله لكن طبيعة القوانين لا ترضي كل الأطراف لأن فكرة القانون تقوم علي أننا نتفق علي مبادئ قد تقيد من حريات البعض ولكنها تؤدي في النهاية إلي خدمة الصالح العام. كيف يمكن حل هذا الخلاف الذي يواجهه القانون؟ من الطبيعي أن يحدث اختلافات في الرأي حول أي تشريع جديد، وتتعدد وجهات النظر فيه، ولكن المهم هو كيفية إدارة هذا الاختلاف وألا يتحول إلي خلاف أو شقاق يصعب معالجته، ولكن من الواضح أن كافة الأطراف تستعد لحوار حول نقاط الاختلاف حيث أكد الأستاذ أسامة هيكل رئيس لجنة الثقافة والإعلام والسياحة أنه سيتم عرض ملاحظات نقابة الصحفيين في الجلسة العامة المقبلة قبل التصويت النهائي إضافة إلي ما سبق أشار الأستاذ أسامة هيكل إلي المرونة في تطبيق مواد مشروع القانون فمثلا هناك تحفظ علي أن يكون رئيس الهيئة الوطنية رئيسا لكل الجمعيات العمومية الخاصة بالمؤسسات الصحفية فقد رد عليه أسامة هيكل بقوله إن هذا الأمر غير إلزامي، وقد تضمن القانون ثلاثة بدائل لاختيار رؤساء الجمعيات العمومية، إما أن يتولاها رئيس الهيئة الوطنية بنفسه أو يعين وكيل الهيئة أو أكبر الأعضاء سنا، وإن رغب رئيس الهيئة في إدارة كل الجمعيات فهو وشأنه »فالمسألة ليست حمل أثقال». هل كانت هناك ضرورة ملحة لإصدار القانون في الوقت الحالي؟ صدور هذا القانون أمر لابد منه وكان ضرورة حتمية لأنه المرحلة التي تمر بها مصر وفي سياقها وسائل الإعلام والصحافة تحتاج إلي إعادة تنظيم قانوني لها، والذي مر بثلاث مراحل بعد ثورة 23 يوليو كان أولها في بداية الستينيات 1960حيث صدرت قوانين يوليو الاشتراكية وأعقبها صدور قوانين تنظيم الصحافة التي تم بموجبها تبعية المؤسسات الصحفية القائمة وقتها إلي الاتحاد القومي ثم تبعيتها إلي الاتحاد الاشتراكي منها أخبار اليوم ودار المعارف والأهرام ودار روزاليوسف ومؤسسة دار الهلال، وأربع مؤسسات أخري؛ هي: وكالة أنباء الشرق الأوسط، ومؤسسة دار التحرير، ومؤسسة دار التعاون، إضافة إلي الشركة القومية للتوزيع، وهي شركة مسؤولة عن توزيع المطبوعات وليس إصدارها. وجميعها كانت مؤسسات تخضع للملكية الخاصة، ثم جاء التنظيم الثاني وعرف بقوانين تنظيم الصحافة في الثمانينات وكان مرتبطا بعملية التحول في النظام السياسي والإعلامي حيث حدثت في عهد السادات انفراجة سياسية بعودة الأحزاب ورفع الرقابة عن الصحف ثم أكمل ذلك بإصدار قانون سلطة الصحافة سنة 1980 الذي أنشئ بموجبه المجلس الأعلي للصحافة وأصبحت الصحافة القومية تابعة لمجلس الشوري واتحاد الإذاعة والتليفزيون كان المالك الذي يدير والمسئول عن المؤسسات الإذاعية والتليفزيونية المملوكة للدولة ثم صارت الأمور بعد ذلك في نفس السياق عندما أثيرت أزمة قانون 96 حيث انتفضت النقابة وتم تعديل القانون وفي مايو من العام 2009، تم دمج مؤسستي دار التعاون ودار الشعب في أربع مؤسسات صحفية هي: الأهرام، وأخبار اليوم، ودار التحرير، والشركة القومية للتوزيع، ليتراجع عدد المؤسسات الصحفية التابعة للدولة والتي يطلق عليها وصف »قومية» إلي ثماني مؤسسات، تصدر عنها 55 صحيفة. ثم حدثت ثورتا 25 يناير و30 يونيو تبعها تغيرات كثيرة في المجال الصحفي والإعلامي وما تنطوي عليها من إشكاليات كثيرة جدا وأمور كانت لابد أن تحسم ومن هنا كان هذا القانون شديد الأهمية. في رأيك، ما أهم المكاسب التي يحققها هذا القانون الجديد؟ مشروعات القوانين الجديدة لتنظيم الصحافة والإعلام تحقق العديد من المكاسب للصحفيين مثل الاعتراف بالصحافة الإلكترونية وشرط تشغيل 50٪ من النقابيين في الإصدارات الجديدة، كما يؤكد علي حقوق وحريات موجودة، ولكن أخطر ما فيه يتعلق بتطبيق قواعد الحوكمة علي المؤسسات الصحفية القومية بما تتضمنه من قواعد للإفصاح والشفافية والمساءلة والمحاسبة، أيضا فكرة ممارسة المالك لدوره فالهيئة الوطنية للصحافة باعتبارها المالك عادت لتمارس دورها بقوة، هذا الدور كان موجودا في القانون السابق، ولكن عاد بصورة كاملة. ما مشكلات الصحافة القومية التي رصدتها الهيئة علي مدار عام من تشكيلها؟ هناك مشاكل حادة ومزمنة تحتاج إلي حسم ومواجهة في المؤسسات الصحفية القومية أعتقد أنه ينبغي مواجهتها خلال الفترة القادمة، فالعالم هنا يتجه إلي تنظيم وسائل الإعلام وليس فكرة السياسات الإعلامية والذي يعني إصدار مجموعة قوانين وضوابط قانونية تحكم العمل والتي تتمثل في التشريعات، وأيضا الضوابط الأخلاقية تتمثل في مواثيق الشرف المهني فصدور هذا القانون يعني اكتمال دائرة تنظيم الصحافة والإعلام . من ناحية أخري المشاكل كثيرة جدا ومتراكمة أدت إلي أن تجاوز حد الديون للصحافة القومية 10 مليارات جنيه وهناك أزمة اقتصادية في الصحافة القومية تتمثل في حاجتين هما عدم قدرة العديد من المؤسسات علي تحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات، ونقص السيولة الموجودة والمتراكمة التي ليست وليدة ولكنها من تراكمات زادت خلال السنوات السبع الأخيرة. وبالتالي هناك حاجة إلي أن تمارس الهيئة هذا الدور بكل شفافية ونزاهة، حيث إن الدولة مدعمة ومساندة ومحافظة علي المؤسسات الصحفية وبقائها صامدة وأنها تقوم بشكل مستمر يتمويل أي احتياجات لها ولكن أحيانا تكون طموحات المؤسسات في المزيد من الصعب تلبيتها في ظل الأوضاع الاقتصادية العامة. ما الملفات التي تعمل عليها الهيئة لإقرارها وتطبيقها؟ نجحت الهيئة الوطنية للصحافة خلال العام الماضي في العمل في عشر مسارات تخطيطا وإنجازا لبعض الأمور فالهيئة لديها الآن خريطة محددة متكاملة عن الأوضاع الاقتصادية والبشرية والتمويلية للمؤسسات الصحفية التي تتمثل في العنصر البشري والديون والأصول وهي أهم المحاور للتشخيص الكامل لأحوال المؤسسات الصحفية وهناك بدايات بالتحرك مع وزارة التخطيط ووزارة قطاع الأعمال العام للمواجهة المتكاملة والاستراتيجية المتكاملة للمشكلات الاقتصادية للصحافة. ماذا عن مشروع إنشاء مطبعة رقمية حديثة للصحف القومية؟ فعلا هناك فكرة لإنشاء مطبعة مركزية متطورة علي أحدث نظم الطباعة الرقمية في العالم استكمالا لتحديث وتطوير البنية الأساسية للصحافة المصرية تشارك فيها المؤسسات القومية وتتيح خدماتها لتلك المؤسسات ولراغبي الطباعة بها، وجاري إعداد دراسة استشرافية حول احتياجات الطباعة في السنوات القادمة والإمكانيات المتاحة في مطابع المؤسسات الصحفية القومية وكيفية صيانتها وسد العجز بها. وماذا عن تطوير استراتيجيات التوزيع وتسويق الصحف بالمؤسسات الصحفية؟ طرح رئيس الهيئة الوطنية للصحافة مبادرة لتحقيق التنسيق والتكامل والتعاون بين المؤسسات الصحفية القومية في مجال التوزيع تمنع تكرار الجهود وتوقف هدر الإمكانات المادية والبشرية وتستهدف رفع معدلات توزيع الصحف الصادرة عن تلك المؤسسات من خلال إنشاء كيان مشترك (في شكل شركة) بين مؤسسات الأهرام ودار أخبار اليوم ودار التحرير للطبع والنشر، وتم تكليف أعضاء في الهيئة الوطنية للصحافة بإعداد دراسة بالتعاون مع المؤسسات الثلاث، وثانيًا ضرورة مراجعة خريطة التوزيع الراهنة للصحف في مصر والتي تعمل من خلال قطاعات التوزيع في المؤسسات الثلاث في إطار المتغيرات السكانية والاقتصادية والتعليمية والحضارية الجديدة، ووضع خريطة توزيع جديدة لمصر تتضمن نقاطا بيعية ومنافذ توزيع جديدة.